أثارت الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانوني العزل وقانون انتخابات البرلمان, وفي يوم واحد وقبل الانتخابات الرئاسية في جولة الإعادة بأقل من يومين أصدرت حكمها بعدم دستورية القانونين وما ترتب علي ذلك من ردود أفعال, مما حدا بالبعض أن يتحدث. ومن حيث التوقيت عن إنقلاب بغطاء دستوري, جعل العسكري حاكما بأمره من دون منغصات من برلمان أو مؤسسات أخري, مرة أخري استرد العسكري إصدار فرمانات تارة باسم الإعلانات الدستورية المكملة وتارة أخري باسم مراسيم قانونية معيبة مثل قانون انتخابات مجلس الشعب والشوري والتي أشارت المحكمة الدستورية, أن هذا القانون وبعض مواده باطل في تأسيسه. وحل هذه المؤسسة يترتب عليه وضع قانوني ودستوري يتعلق بالرئيس القادم. إننا أمام موضوع غاية في الأهمية ألا وهو صناعة عدم الدستورية, أقصد بذلك أن وضع المرسوم بالقانون معيبا كان أمرا مقصودا في سياق وضع هذه المؤسسة التشريعية تحت الحصار وتحت التهديد, تهديدا بالحل القانوني والدستوري, وهو أمر يتحمل وزره مؤسسة برلمانية وليس من صنع الخطأ. إنني أطالب بتقديم المسئول عن صناعة وصياغة هذا القانون المعيب لأسباب أربع تؤكد سوء النية المستبطن, وروح المؤامرة كقرينة علي موقف من مؤسسة تشريعية المفروض أنها تمثل الثورة, أو هي أولي المؤسسات التي اصطنعتها الثورة علي أعينها في ظل انتخابات برلمانية افتخر بها العسكري, ولكنه كقربان لسلطانه الذي يري أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ما هي الأسباب إذن التي نستند إليها بالمسئولية القانونية والسياسية بجهة الإصدار التي تعمدت إصدار القانون معيبا معرضا لشبهة عدم الدستورية, وتستخدم الجهة القضائية أداة سياسية لتصفية الحسابات: السبب الأول يرتبط بسبق المحكمة الدستورية بإصدار حكمها بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب, ولنفس الأسباب, كانت المحكمة الدستورية العليا أبطلت انتخابات عامي 1987 و1990 مما تسبب في حل المجلسين وتعديل النظام الانتخابي إلي النظام الفردي علي جميع المقاعد وتحقيق الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات. ورغم ذلك صدر القانون محملا بنفس العيب المفضي إلي عدم الدستورية عن عمد, والعمدية تتأتي بالعلم السابق بهذا الحكم السابق مما يؤدي إلي انطباقه علي اللاحق وتمريره رغم العلم وهو مايعد قرينة علي سوء القصد والنية والعمدية. السبب الثاني يرتبط بالمسئولية مع العمد الظاهر بتعمد إهدار المال العام بتمويل انتخابات مجلسي الشعب والشوري تقام علي قاعدة من قانون في تأسيسه مقضي ببطلانه وما يترتب علي ذلك من حل البرلمان, أليس ذلك عملا من التعمد الظاهر في إهدار المال العام المتعلق بالدولة. السبب الثالث يتعلق بوضع القانون المعيب عن عمد لاعتبارات استفادة المجلس العسكري وحده من هذا القانون المعيب إذ أن حكما بعدم دستوريته صار سيفا مسلطا وحصارا مفروضا وتهديدا قائما لمؤسسة برلمانية أتت واستندت إلي انتخابات شعبية, وهذا يتضح من اجتهادات بعض القانونيين حول أن التشريع وسلطاته ستعود إلي المجلس العسكري طبقا للإعلان الدستوري بعد حل مجلس الشعب, بل وامتداد فترة حكمه الانتقالية والتي لا ندري إلي متي؟ ويواصل القانونيون بعضا من اجتهادهم العشوائي إذ يوضح البعض أن حكم الدستورية بحل مجلس الشعب لا ينطبق علي الشوري, يتولون طبقا للقاعدة القانونية وهي نسبية الأحكام, لذا حكم الدستورية لا يمتد للغير, رغم استناد تلك المؤسسة لذات القانون المعيب, أليس ذلك دليل علي التعمد في الانتقام المؤسسي من مجلس الشعب دون غيره, ومن الإبقاء علي مؤسسة قلنا أنه لا لزوم لها توفيرا للنفقات. السبب الرابع إنما يتعلق بالجمع المشبوه بين الحكمين والتوقيت القاتل لأداء الحكمين, وهي أمور واضحة للعيان في الجمع بين القانونين إيحاء بأن المحكمة ربما ربطت بين الأمرين لإحداث قدر من المواءمات السياسية المقدرة للمناخ الثوري والحالة المجتمعية, وهي إذا أوحت بذلك هذه المرة تمريرا وإشاعة لجو مسبق من التوقعات يضرب أخماسا في أسداس, ثم خرجت علينا المحكمة بلا مواربة وبلا مواءمة لتحكم ببطلان القانونيين علي نحو يشير إلي التحدي لحركة المجتمع الثورية, لتعطي غطاء دستوريا لإنقلاب عسكري, يترافق مع قرار الضبطية لتشكيلات عسكرية لضبط مدنيين يصدر من وزارة العدل ليتحقق المثلث بفراغ مؤسسي يؤول في النهاية إلي حجر العسكرويتدحرج إليه وتثبيت مرشح الثورة المضادة الممثل للدولة العميقة, وإعلان ما يشبه الأحكام العرفية, إنها صناعة قانونية لاستبداد العسكري بالوطن ومؤسساته. فماذا عن قانون العزل والحكم بعدم دستوريته؟ مرة أخري فإنني لن أتدخل في النقاش حول الأسباب الداعية لحكم الدستورية ولكنني أشير إلي الإهمال المتعمد من المحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات الرئاسية لمسألتين تبدوان في الإجراء ولكنهما أثرا علي تطبيق القانون. الأمر الأول: أن إحالة قانون العزل تم من غير الطريق المعتاد والمتعارف عليه قانونا, في إحالة الدعاوي للمحكمة الدستورية العليا. فتم من لجنة الانتخابات الرئاسية وهي لجنة إدارية بحكم مهمتها حتي ولو تكونت من قضاة. وامتشقت المحكمة حسامها بالمادة28 من الإعلان الدستوري, وهي من جملة الاستنادات التي لا يستند إليها إلا من خلال تخريجات قانونية أقرب ما تكون- ليست لإعمال القانون وإنفاذه- ولكن للتغطية علي موقف وإمضائه. الأمر الثاني: يتعلق بقيام بقيام لجنة الانتخابات الرئاسية برئيسها الدستوري بتطبيق أحكام قانون العزل, خاصة أن المشير قد صدق عليه مستوفيا كل أركان صدور القانون وصدر في جريدة الوقائع الرسمية, ومن ثم وجب إعماله, فكان بذلك صحيحا, إلا أنها عادت ونسخته بقبول طعن المرشح مظنون به أو مشكوك بأمره, وحيث إنه لا يدفع اليقين بالشك كقاعدة كلية, فترتب له وضعا قانونيا نري فيه مصلحة وشبهة قائمة من جانب رئيس المحكمة الدستورية لتبرير مظنون للمحكمة, وكأن القانون صار محكوما عليه لا محكوما به. الأمر الثالث: الذي يعضد معاني الشبهة والمصلحة في الحكم وفقا لقواعد التجرد العادل, أن لجنة الانتخابات الرئاسية ارتكبت جنحة مباشرة بتعطيلها عمدا تطبيق القانون المتعلق بمباشرة الحقوق السياسية مما يقتضي عزل المرشح بمقتضي قانون ويكون عدم عزله ليس إلا تحديا لتطبيق القانون وإعماله رغم نشره في جريدة الوقائع المصرية فصار واجب النفاذ بلا معقب, حتي ولو كان مطعونا عليه لعيب فيه امام المحكمة الدستورية وهو مايوقع اللجنة تحت تهمة تستوجب العزل من الوظيفة العامة. ويحدد القانون وجوب التطبيق هذا الشق المتبقي منه فإن حكمت المحكمة الدستورية بعد عزله وإقامة الانتخابات الرئاسية وجب جبر الضرر بالتعويض. ومن هنا قلنا بشبهات بعضها قوق بعض شبهة الإجراء, وشبهة التطبيق, وشبهة التوقيت. كتبنا كل ذلك لا تعليقا علي الحكمين ولكن لنكشف عشوائية الإدارة القانونية لقضايا تمس ثورة مصر في الصميم, إنها صناعة عدم الدستورية بغطاء قانوني لا يصمد, فإن كان ذلك هو القانون, فماذا يكون الهوي؟ المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح