منذ تغير المشهد المصرى وتوارت الوجوه الشابة التى حققت ثورة ستظل موضع دراسة وانبهار من خبراء العالم كافة، منذ رحيل الرئيس السابق إذن عن صدارة المشهد، أخذت الحركات والأحزاب «الدينية» الإسلامية، التى لم يكن لها دور ملموس لا فى مواجهات البداية ولا فى المواجهات التالية بهدف تطبيق مبادئ الثورة ومطالبها تزيح الجميع بهدوء أحياناً وبالقوة فى معظم الأحيان، لتحتل كل الكراسى فى صالة العرض.. ولا داعى لتكرار التذكير بالأساليب التى استخدمت، سواء فى الاستفتاءات أو الانتخابات وتلك التى يجرى استخدامها الآن، لتمهيد «الأرض» لرئيس جمهورية من التيارات الإسلامية السياسية، فكل ذلك بات معروفاً لقطاع لا بأس به من جماهير الشعب، ولكن الجدير باهتمامنا جميعاً، حرصاً على مكانة مصر وعلى مستقبل أجيالنا الشابة والأجيال القادمة هو أن ننتبه إلى توجه «بنسف» الدولة التى نعرفها وبكل مؤسساتها بحيث تغدو «ولاية» صغيرة فى دولة الخلافة، التى لا نعرف ومطلوب منا ألا نسأل من تكون! وقد تابع المصريون بقلق حقيقى الهجمة الشرسة التى استهدفت دور مصر الفنى والإبداعى لدرجة أننا سمعنا عن إعداد مشروع قانون «ينظم» الإبداع ويضع «ضوابط» حرية التعبير!! ولا يخفى على أحد أن جميع الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية والفاشية بدأت عهودها المظلمة بوضع «ضوابط ومعايير وحدود.. إلخ» وتحت دعاوى خادعة ومخادعة من عينة «الحفاظ على التقاليد والقيم المجتمعية وحمايتها» وكأن المجتمع كان يرتدى «الباربوتوز» (أى شورت الأطفال) قبل احتلالهم مقدمة المشهد، وكما رأينا أيضاً فقد تجلى هذا «المستقبل» الذى يريدونه لنا فى استصدار حكم بحبس الفنان الكبير عادل إمام وربما تحديداً لأنه أكثر الفنانين المصريين والعرب عموماً شعبية، بحيث تكون الضربة قاضية على الإبداع المصرى ومبدعيه. ومن بين «المساعى» الحثيثة لتقزيم مصر، التى أوجعتنى بقوة، وأعتقد أنها أوجعت الكثير من المصريين، هو محاولة تجريد وطننا من «الأزهر» الشريف تدريجياً، كما يقول بعض رموز هذه التيارات عن تطبيق الشريعة الإسلامية وفق مفهومهم هم ورؤيتهم الخاصة، فقد تسربت معلومات عن مشروع قانون سيقدم للبرلمان ذى الأغلبية الإسلامية يهدف إلى إعادة الدور التاريخى لهذه المؤسسة المصرية العريقة، أما كيف سيعيد هؤلاء هذا الدور التاريخى، فذلك بالنص على ألا يكون الأزهر الشريف هو المرجعية الوحيدة فى الشؤون الدينية وللمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام!!.. هل يمكن أن يلتبس على أحد أن هؤلاء يسعون إلى تجريد مصر من كل ما تميزت به على مر آلاف السنين، وفى المقدمة الإبداع، وكذلك وسطية الأزهر وانحيازه للعقل والاستنارة؟!، ترى كيف تكون مصر بدون الأزهر الشريف، كما عهدنا لأكثر من ألف عام؟! نقلا عن جريدة المصري اليوم .
