دفع القلق بشأن تداعيات مشكلة الديون الأمريكية، وتراجع الدولار وعدم استقرار اليورو بسبب الديون السيادية الأوروبية حكومات عديدة إلى رفع احتياطيها من الذهب باعتباره ملاذا آمنا من الأزمات الاقتصادية. وسجلت أسعار الذهب مستويات قياسية تجاوزت 1800 دولارا للاوقية وهو ما يعكس التهافت الكبير على المعدن الأصفر وسط أنباء عن احتمال وصول سعر الأوقية إلى 2500 دولار بنهاية العام الحالي وربما قبل هذا الأجل.
وعزا خبراء اقتصاديون هذا الارتفاع الجنوني للذهب لعدة أسباب منها تدني معدلات الفائدة، حيث رافق التراجع في نشاط أسواق الأسهم هبوطا آخر في عائدات السندات الحكومية التي هوت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، وذلك على خلفية البيانات الصادرة حول التصنيع والبطالة في الولاياتالمتحدة. وكان ينظر إلى سندات الخزانة الأمريكية على أنها خالية من المخاطرة وقد استمرت هذه النظرة حتى بعدما خفضت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة في وقت سابق من الشهر الجاري وسط معدلات فائدة متدنية تقارب الصفر.
ويبحث المستثمرون في فترات ضعف الدولار عن بديل لتجاوز الأزمة، مما يسهم في ارتفاع أسعار الذهب، ويشمل ذلك المستثمرين الذين يعتمدون على الدولار نتيجة القلق من عواقب التضخم المحتملة لضعف العملة الامريكية.
واتجهت حكومات الدول لاسيما ذات الاقتصادات الناشئة (عبر مصارفها المركزية) إلىالمسارعة لشراء الذهب كملاذ آمن. وفي هذا السياق، أشار ماركوس جروب مدير قسم الاستثمار في "مجلس الذهب العالمي" إلى أنه "بالنظر إلى السنوات الواحدة والعشرين السابقة، اقتصرت فيها عمليات المصارف المركزية على البيع".
وقال "شهدنا توجه المصارف المركزية بخطى حثيثة نحو اتخاذ مواقع في الجانب الذي يقدم على الطلب في الأسواق، لا سيما بعد أن اضطرت الدول التي تشهد فائضاً في الميزان التجاري في آسيا وأمريكا اللاتينية إلى إعادة موازنة الأرصدة في محافظها".
وذكر "مجلس الذهب العالمي" في تقرير له صدر مؤخرا أن عمليات شراء الذهب من جانب المصارف المركزية في الدولة النامية سجلت ارتفاعاً خلال السنوات الأخيرة، في ظل سعيها إلى تنويع أرصدتها، ومرد ذلك، بصورة جزئية، إلى نمو احتياطي العملات الأجنبية بفضل النمو القائم على حركة التصدير، وكذلك إلى رد الفعل في الآونة الأخيرة على أزمات الديون السيادية المستمرة التي تؤثر في عملات الاحتياطيات التقليدية على غرار الدولار الأمريكي.
وعمدت المكسيك هذا العام إلى زيادة احتياطياتها من الذهب بنحو مائة طن، أما روسيا التي مازالت تقدم على عمليات الشراء في السوق المحلي فأصبح إجمالي أرصدة الذهب الذي تملكه 837 طناً تقريباً أي ما يساوي نحو 8% من الأصول الاحتياطية في البلاد. كما رفعت كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايلاند مؤخراً أحجام الذهب الإجمالية التي تملكها. وانتقلت عدوى شراء الذهب إلى فنزويلا التي أعلن رئيسها عن استرداد ما قيمته 11 مليار دولار من احتياطي الذهب من المصارف الأجنبية، مشددا على ضرورة أن تنوع فنزويلا من استثماراتها لتقوية اقتصادها.