في ورشة صغيرة تمتلئ بكثير من الأعواد، يجلس عم ناجي بشارع محمد علي؛ ليتحدث عن العود: "مارست المهنة منذ الصغر حتى أصبح عمري 40 عامًا، ومارستها من كثرة شغفي للموسيقى، خلالها صنعت الآلاف الأعواد الموسيقية لكثير من الشخصيات". فمن جذوع الأشجار والخشب، بدأت منذ القدم تلك الصناعة "صناعة آلة العود" لتوليد الموسيقى إلى العالم، حيث تعتبر الآلات الموسيقية من أساسيات تطور الموسيقى في العالم، وقد تطورت صناعتها عبر الزمن، وتم استحداث آلات جديدة متخصصة.
والآلات الموسيقية هي عبارة عن أدوات صنعت خصيصا لإنتاج الموسيقى، ومن ضمن الآلات "آلة الكمثرى.. العود"، والتي تشبه في شكلها الكمثرى، وتعتبر هي سلطان الآلات والتي يعود تاريخها منذ القرن السادس الميلادي، وقد استطاع العرب تطويرها من أجل التنوع في الموسيقى حتى أصبح العود خمسة أوتار بعد أن كان وتر واحد. ويتابع ناجي بنبرة لا تخلو من إحساس موسيقي عالٍ: نوع الخشب المصنع منه العود يؤثر على صوت نغماته، فتتعدد أنواع الخشب المصنع فهناك "الزان، والمجنة، والفينجي، والبليساندر، والساج، والأبانوس"، أما وجه العود يصنع من أخشاب الجام الخالية من العقد الخشبية والموسكي والصيدر، فكل منها له صوت مختلف عن الآخر وسعر مختلف أيضا.
واستكمل عم ناجي: لكل صانع عود له لمسته السحرية التي تميز العود عن الآخر وذلك من خلال شكل العود من "القصعة" و"رقبة العود" و"واجهة العود"؛ ليصدر منها نغماته الحساسة. وبأدوات كثيرة يمسكها عم ناجي بورشته يبدأ صناعة "الكمثرى.. العود" صاحبة النغمات الهادئة قبل شكله النهائي: "يمر العود بعده مراحل خلال تصنيعه حيث نبدأ بالقصعة وهو الجزء الخلفي للآلة، فتختلف القصعة عن الأخرى فهناك مقاسات مختلفة منها 15 و16 و19 و20 ثم تدخل مرحلة القشط والصنفرة، وتبدأ مرحلة جديدة وهي تركيب القصعة بواجهة العود "الوش"، ثم الجزء الأخير التي تثبت به لوحة الأوتار "الرقبة"، ثم مرحلة أخيرة التشطيب وهي القشط والصنفرة ويلمع حتي يجهز لتركيب مفاتيحه ومستلزماته.
أجيال كثيرة مرت علينا، منذ عزف "محمد عبد الوهاب" ونغماته التي لمست قلوبنا قبل عقولنا، يقول ناجي: كان تكلفة العود بسيطة للغاية حيث كان يكلف "1 جنيه مصري" مرورًا الآن ل "500 جنيه"، بدأ سوق شراء العود يقل حسب احتياج الزبون، وذلك نتيجة للأزمات السياسية التي مرت بمصر الفترة الأخيرة، وهو ما أثر علينا صانعي وبائعي العود. وتختلف لمسات صانعي العود من شخص لآخر، وذلك من خلال تطور أشكال العود فيقول عم ناجي: " تعدد أشكال العود، فاختلف أشكال القصعة والرقبة للعود، قديمًا كان هناك شكلاً واحدًا يتبعه صانعي العود"، وذلك من أجل أن يتيح لنا العمل والإبداع، في تصنيع الآلة الوترية الموسيقية الوحيدة التي يحتضنها العازف ليصدر نغمات موسيقية بارعة تخرج من قلبه أولاً قبل عوده.