ميدان التحرير، نقطة انطلاقة الثورة المصرية، اتخذه المصريون رمزا للثورة واعتبروه المُعبر عنهم والناقل لأصواتهم أمام العالم؛ فشهد هذا الميدان على مدار العامين السابقين الكثير من المظاهرات والمليونيات والاعتصامات، وليس هذا فحسب، بل شهد أيضا ميدان التحرير الاقتصاد الموسمي للباعة الجائلين، فأصبح الميدان بمثابة سوقا شعبيا موسميا يروج فيه الباعة الجائلين لبضائعهم، فاتخذوا منه بابا رزقا لهم ولأولادهم. "الفجر" ترصد الاقتصاد الموسمي الذي يمثل 40% من الاقتصاد المصري بميدان التحرير، وتقترب أكثر من الباعة الجائلين. "استحمل القنابل المسيلة للدموع وإهانات البعض واتهامهم لنا بأننا بلطجية من أجل لقمة العيش"، بهذه الكلمات افتتح علاء عباس -بائع شاى- كلامه، وقال إنه يؤدى خدمة للثور ويساعدهم في الحصول على الطعام والشراب وفى نفس الوقت يسعى للمكسب الحلال. وأكد أن تواجده في ميدان التحرير كبائع أفضل من تواجدة في مكانا آخر، وذلك لعدم ملاحقة الشرطة له، إضافة إلى كثرة الزبائن وفارق المكسب. وعن رأيه بما يحدث في الميدان قال إن الميدان أشبه بطبق السلطة، حيث يضم الكثير من الثوار والمتظاهرين وأيضا البلطجية وأطفال الشوارع والمسجلين والمأجورين. أما رمضان محمد –بائع كشري- فيقول إنه مزارع، ولكنة يضطر للعمل كبائع كشري بميدان التحرير من أجل المال، حيث أكد أن عربة الكشري لا يمتلكها، فهو صنايعي يعمل باليومية أيام المظاهرات والاعتصامات . وأكد أنه لا يعرف القرارات الأخيرة للرئيس محمد مرسي، كما لا يعرف مطالب المتظاهرين، وإنما يسعى على لقمة عيشه أينما كانت وبغض النظر عن السياسة. بينما يرى شادي الشهير ب"حلمبوسى" -بائع حمص- أن الميدان مأوى للشباب المتسول والبنات الهاربة من أهلها، أطفال الشوارع والبلطجية ولتجار الحشيش والمخدرات، مؤكدا أنه يجد بائعين متجولين بالميدان يبيعون الأقراص المخدرة والبانجو والحشيش لرواد الميدان، لافتا إلى أن الميدان أكثر الأماكن أمانا لبائعي المخدرات. وعن البيع والشراء فأكد أنه يبيع بالميدان بعد وقف حالهم ومطاردة الشرطة لهم أثناء وقوفه على الكورنيش، فيعد الميدان مصدر رزق جيد له خصوصا بعد الثورة. أما سالم صابر، بائع حمص الشام، يعتبر وجوده بميدان التحرير تهلكه، ولكنه اضطر لها من أجل لقمة العيش، لا يهمه قرارات مرسي ولا يعرف مطالب المتظاهرين، ينزل للميدان من أجل لقمة العيش فقط، حيث قال: "أنا ليس لي علاقة بما يحدث بالميدان ولم أسمع عن قرارات الرئيس.. أنا ارزقي اخرج فى الصباح الباكر وأرجع إلى البيت مهلك من التعب وليس هناك وقت لأعرف الأخبار أو أن يكون لي رأي.. أفوض أمري لله واطلب منه محل يحميني ويحمل أولادى بدل البهدلة اللي بشوفها من البلدية". وأكد أن تكلفة رأس ماله 10 آلاف جنيه، مشيرًا إلى أنه يقف باستمرار على كوبري 6 أكتوبر، إلا أنه يتوجه لميدان التحرير أيام المظاهرات من أجل المكسب. وبقلب مفتوح ودموع حزينة سبقت كلامه، قال علي حسين – بائع كبدة – "أنا شاب لا أجد عملا سوى الوقوف بالميدان، وحينما تعود الحياة لطبيعتها بالميدان اضطر للجلوس على القهوة، ولا أستطيع الوقوف بمكان آخر بسبب مطاردة شرطة البلدية لنا، حيث قامت بتكسير عربة الكبدة حينما كنت أقف بميدان الإسعاف". وأضاف: "أنا ضايع فى الشارع، ونفسي أحقق ذاتي وأعيش عيشة كريمة، فأنا شاب عنده 22 سنة ونفسي أتزوج ولكن ليس لدى الإمكانيات.. أصبحت أشعر أن كرامتنا مهانة بالداخل والخارج حتى بعد الثورة التي لم تحقق شيء بل الأمر ازداد سوءًا". وعن اتهامهم بالبلطجة، قال إن غالبية البائعين ليسوا بلطجية، وجميعهم جاءوا من أجل لقمة العيش، لافتا إلى أنه لا يؤثر على محلات ميدان التحرير، وذلك لأن المستوى الاجتماعي للزبائن هو الفيصل والمحدد للشراء، وليس البائع. وأشار الى انه قام بتكلفة عربة الكبدة برأس مال 6 الاف جنية , ولا يقف بها الا بميدان التحرير , مطالبا الحكومة بتوفير مشروع للشباب غير المتعلم حتى يتجنوا البلطجة والسرقة واعمال العنف . ويقول عادل على – بائع ملابس وشالات- أن ميدان التحرير افضل فى المكسب عن اى مكان اخر حيث يكون المكسب أكثر من 60 أو 70 جنية مقارنة بالاماكن الاخرى , مؤكدا ان الباعة الجائين بمثابة قيمة للاقتصاد المصرى , وذلك لان الفائدة كما تعود على البائع تعود على عمال المصنع ,ثم المحلات التجارة الجملة , والعمال , وسائق التاكسى , وغيرها . وأشار انه كان يعمل بأحد الفنادق وبتراجع السياحة بعد الثورة اتجه الى الشارع من أجل الرزق الحلال , لافتا انه لا يملك رأس مال , فيقوم بتوقيع شيكات على بياض للتاجر لأخذ البضاعة , خصوصا بعد حرق بضاعته من قبل الامن المركزى اثناء مظاهرات السفارة الامريكية . وأستنكر الاعتداء الغاشم على الباعة الجائلين من قبل الشرطة ,, محذرا من انتشار السرقة والبلطجة والعنف بتكرار هذا الاعتداء . وأكد أحمد منصور- بائع مزاميز- انه اضطر الى النزول للميدان والانضمام للباعة الجائلين بعد فقدانه لمحل الملابس الذى كان يمتلكة وخسارتة أكثر من 90 الف جنية بسبب احداث الثورة , قائلا انا بعمل بس فى الميدان اثناء المظاهرات , وغير ذلك ابيع بعض الملابس لجيرانى , علشان اكسب 5 جنية فى القيمص , علشان ولادى يكلوا حلال . أما بائعة الكشرى أم سها فأكدت ل الفجر انها ليس له علاقة بالسياسة ولا يهمها قرارات مرسي, فدوامة أكل العيش والانخراط فيها انستها حقوقها السياسية والاجتماعية , فهى تخرج من الصباح الباكر ويعود لمنزلها فى الليل الدامس من أجل الإنفاق على أسرتها الفقيرة. وأكدت ان ليس لديها رأس مال , قائله انا بجيب البضاعة على زمتى ثم اسدد ثمنها بعد اليبع . مشيرة الى انها تقف بهذه العربة فى شبر الخيمة الا انها جاءت الى ميدان التحرير من أجل مكسب أفضل, حيث تعد المظاهرات الاعتصام بالميدان بمثابة موسم او مهرجان بيع. ويقول محمد حنفى بائع السمين , ان رأس ماله حوالى 500 جنية , يرتزق منها ما بين 50 – 60 جنية يوميا , لافتا الى انه كان يعمل استورجى الا ان العمل توقف , رافضا العمل فى مصنع لتدنى المرتبات . وعن تأثيرهم على اصحاب المحلات بالميدان يقول احنا مش بنضرب الزبائن على أيدة , الزبون حر يشترى من المكان اللى عايزة . أما على عبد المنعم بائع الشاى, دمعت عيناه أثناء كلامه ل الفجر نتيجة وصفه لحالته المادية المتردية, حيث يجلس هو وأولادي الخمس وزوجته في حجرة واحدة, وأتى للميدان من اجل الرزق الحلال . وقال إن أقصى أمانيه أن يوفر لأولده ملابس المدارس وملابس الاعياد , وفتح باب رزق – كشك- أمان له ولأولاده. وأكد أنه لا يمتلك فرشة الشاي, مشير إلى أن المكسب اليومى للفرشة يقرب ال140، صاحب الفرشة يأخذ 70 جنيها, والمساعد يأخذ 20 جنيها، ويخرج هو آخر الليل بال50 جنيها. وطالب بائع الشاي الرئيس محمد مرسي، أن يأخذ بعين الاعتبار الباعة الجائلين والمهمشين, الالتفات قليلا لمصالح البسطاء . وأكد أحمد مصطفى –بائع كسكسى – أن غالبية البائعين ليسوا بلطجية, لافتا إلى التصادم بينهم وبين المتظاهرين يأتى حينما يريدون المتظاهرون طردهم من الميدان . وأشار إلى أن رأس مال مشروعه البسيط حوالى 400 جنيه, ويتقاتل للتواجد في الميدان لأن التجمعات البشرية والمظاهرات تساعد على زيادة المكسب إلى الضعف. أما سامح رشدي بائع الأحذية يجد ميدان التحرير أكثر الأماكن تجنبا للاحتكاك بشرطة البلدية, ويقول ان المكسب بميدان التحرير مقارنة بالأماكن الأخرى واحد, مشير إلى أن عمره 36 عاما ولم يتزوج إلى الآن لأنه لا يملك تكاليف الزواج . وعلى صعيد متصل قال محمد حسين – مدير مطعم – أن الباعة الجائلين اثروا وبشكل ملحوظ على حركة البيع والشراء، إضافة إلى انتشار المظاهرات وكثرة الاعتصام, قائلا "جعلتنا نشاهد التليفزيون ليلا ونهارا بعد ما كان مش ملاحقين على الزبائن هنا وهناك". ويرى جمال الطيب – صاحب مطعم- أن الباعة الجائلين لم يؤثروا على البيع الشراء, مشير إلى أن زبائن المحلات تختلف عن زبائن الباعة الجائلين , والمستوى الاجتماعى لرواد المحلات مختلف عن المستوى الاجتماعى لرواد الباعة الجائلين . أما محمد عبد الرحيم – صاحب قهوة- يقول ان الباعة الجائلين أثروا على رواد القهوة, وأصبحت الزبائن يهربون الى الباعة الجائلين حيث رخص الأسعار وقرب المكان.