يصل إلى الدنيا بشر يقدمون إلى الحياة الكثير من العطاء الإنسانى كلّ فى مجاله.. لكن يكتب لهم أن عطاءهم مهما كان مهمًا ومخلصًا وعظيمًا أن يتم نسيانه أو على الأقل لا يتم النظر إليه بالتقدير الملائم.. وفى مجال الفن فى مصر جاء فنانون كثر، وقدموا الكثير من العطاء الفنى الهام والمبهر والجميل، ومع ذلك لم يضعوا فى المكان الملائم لهذا العطاء الكبير والعظيم، خصوصًا على المستوى الإعلامى والمستوى النقدى من كثير من نقادنا الذين دائمًا يهتمون بالنجوم وأخبارهم وأفلامهم، وما يقدمونه حتى لو كان تافهًا، وحتى لو كانت أعمالهم الفنية متواضعة المستوى أو ربما كانت لا تمت إلى الشكل الفنى إلا بمظهره فقط ! تذكرت كل ذلك، وأنا أسمع خبر وفاة الفنان والمبدع الخلوق جمال إسماعيل، وأول ما علقت على وفاة هذا الفنان هو الله يرحمك يا عم غزال، وعم غزال تلك الشخصية التى قدمها لنا فناننا المحترم جمال إسماعيل فى مسلسل «الضوء الشارد»، ومن يتذكر هذا المسلسل ويتذكر جمال إسماعيل يعلم جيدًا قيمة الفنان المبدع، حتى يقدم إبداعه بكل سلاسة ويسر، فيدخل قلب المشاهدين على الفور، وبدون أى مجهود، فشخصية عم غزال التى جسدها المرحوم جمال إسماعيل، كانت لميكانيكى متواضع يملك ورشة صغيرة فى أطراف مدينة ساحلية يعيش فى بيت متواضع مع ابنته الكبرى التى جسدت دورها الفنانه منى زكى وطفل صغير السن ابن عم غزال، وعندما تقابل معهم الفتى الثرى ابن الصعيد «محمد رياض» لتنسج قصة حب رقيقة بين الصعيدى والفتاة ليقدم عم غزال أبو الفتاة فصلًا إنسانيًّا محترمًا جسده تمثيلًا العظيم جمال إسماعيل فى إبداع ليس له مثيل، أظن من الصعب أن نرى ممثلًا آخر يجسده بتلك العذوبة والرقة والقوة والشجاعة عندما نشاهده لا يمكن إلا أن ينفتح قلبك لهذا الفنان، وتقتنع أنك أمام عم غزال فعلًا، وليس جمال إسماعيل، وتؤكد لنفسك أن هذا الرجل قابلته قبل ذلك فى ورش ميكانيكة كثيرًا، أو ملامحه تفكرك بوالدك أو عمك أو خالك. لا يمكن أن تخرج من المشاهدة إلا وأنت تقترب كل لحظة من تلك الشخصية التى يجسدها جمال إسماعيل عم «بعضشى» التى أداها فنانا العظيم جمال إسماعيل على خشبة المسرح فى أواخر الستينيات أمام الفنان المبدع العظيم فؤاد المهندس فى مسرحية «سيدتى الجميلة» أتتذكرونه؟! أو رئيس عصابة النشل الذى ذهب إليه فؤاد المهندس ليختبئ عنده فى بيته ساكنًا فى الحى الشعبى ليقابل بنت بعضشى الفنانة شويكار ليقدموا لنا لوحة فنية مبهرة كان فيها الفنان جمال إسماعيل يشع إبداعًا وعظمة كعادته، وتكتشف قيمة جمال سليمان التمثيلية، وهو يغير أداءه، فيجسد تارة الرجل الطيب، ومرة أخرى الرجل الشرير بصورة ساخرة مبهرة ! مات عم غزال.. مات بعضشى.. مات الصوت الكوميدى في عائلة شلش الذى أبدع من خلالها شخصية المعلم صديق الفنان صلاح ذو الفقار ! رحمة الله على ما قدمه للسينما المصرية والتليفزيون المصرى من أعمال خالدة ومحترمة تستحق الإشادة ! أعلم تمامًا أن الآن والآن فقط سوف يتم تكريم هذا الفنان العظيم، فنحن تعودنا فى مصر أن نكرم العظماء بعد موتهم أما أثناء حياتهم فلا يوجد تكريم، وعلى حد علمى لم يتم تكريم هذا الفنان المبدع.. لذلك أنا أؤكد أن أعماله المبدعة التى جسدها هى التى سوف تجعلنا جميعًا نقرأ له الفاتحة على الوقت الممتع الذى جلسنا فيه فى قاعات السينما أو أمام التليفزيون نشاهد هذا المبدع الخلوق . رحمك الله يا عم غزال، وعلى كل من يقرأ هذه المقالة أن يقرأ للرجل الفاتحة، فهو يستحق أن نطلب من الله له الرحمة والمغفرة .. نقلاً عن التحرير .