قال إنه كان يحمى مصر من الجماعة ■ أهل البيزنس من الحزب الوطنى يمثلون خطرا لا يقل أهمية عن خطر الإخوان وعينهم على البرلمان القادم ■ عز حمل العادلى مسئولية تزوير الانتخابات لمنع 139 نائبا للجماعة من الوصول للمجلس ■كان عز يسيطر على 276 نائبًا سابقًا يعملون فى الدوائر وأيدوا شفيق طمعاً فى عودتهم للسياسة ■ خروجه من الحبس الاحتياطى أنعش نواب الوطنى بعد أن أحبطهم تخاذل سرور والشريف وعزمى
هل يتعلم الأذكياء الدروس أم أن قطار التعلم لا يمر بمحطاتهم هل تعلم أحمد عز درسا ما فى السنوات التى قضاها بعد الثورة فى السجن يتلقى بلاغا بعد آخر وحكم قضائى أو بالأحرى حكم بالسجن والغرامات تلو الأخرى، هذا السؤال لا يبدو لى سؤالاً شخصيًا يتعلق بأحمد عز إمبراطور الحديد ورجل جمال مبارك القوى فحسب، ولكنه يتعلق بمستقبل خريطة التحالفات الانتخابية، بل وشكل البرلمان الجديد الذى سيشكل الحكومة بعد خروج عز من السجن.
المثير للغيظ بالطبع أن عز الملياردير قد خرج بكفالة على النوتة فقد تم السماح له بتقسيط جانب من الكفالة، فيما تولى موزعو الحديد أو وكلاء شركته تدبير المبلغ الذى دفع كاش وهو حال يشى بفقر لا يناسب ثروة إمبراطور الحديد، ومع ذلك فإن أول تصريح منسوب لعز أنه سيتبرع بنصف ثروته لمصر أو بالأحرى لحساب تحيا مصر.
خلافا لخروج سابق لقيادات النظام السابق مثل فتحى سرور وزكريا عزمى وصفوت الشريف فإن خروج عز رفع بورصة الأحلام والتطلعات لدى نواب الوطنى، خروج عز هو ثانى أقوى حقنة دم حصلوا عليها بعد إلغاء حكم العزل أو المنع من ممارسة العمل السياسى لنواب الوطنى.
1
تخاذل أم حكمة
لم يكن عز أول متهم من رموز نظام مبارك يخرج من السجن لانتهاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطى فى القانون المصرى، فمبارك نفسه استفاد من هذه الميزة القانونية، قبل عز خرج رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور فتحى سرور والأمين العام للحزب الوطنى صفوت الشريف ورئيس الديوان الدكتور زكريا عزمى، ولكن هؤلاء الكبار فضلوا أن يبتعدوا عن أى لقاءات أو حوارات فضلا عن اتفاقات مع نواب الوطنى، وحين خرج فتحى سرور من السجن كانت تعليماته لأسرته واضحة وحاسمه «مش عايز أتورط فى أى لقاء أو كلام» وعجز كل قيادات الحزب الوطنى عن الوصول لفتحى سرور، ولكن الرجل قابل ثلاثة نواب فقط أحدهم كان نائبًا مستقلاً، وليس من نواب الوطنى، وخلال هذه اللقاءات كان فتحى سرور بخيلا فى الإدلاء بأى آراء تحسب عليه، ولكن سرور كان حريصا أن يذكر أنه حذر الجميع من خطورة نتيجة انتخابات مجلس الشعب 2010، وإقصاء المعارضة وأنه اقترح أن يتم حل الأزمة عبر محكمة النقض، وحمل سرور عز وجمال مسئولية العناد، ولكن كان قرار سرور النهائى أن يتفرغ لتأليف الكتب العلمية، الشريف اختفى حتى أن بعض موظفى مكتبه والذين عملوا معه لسنوات عجز عن الوصول إليه، زكريا عزمى استقبل بعض النواب السابقين على هامش جلسات خاصة، وسرعان ما فضل الابتعاد وسط تكهنات بأنه تلقى نصيحة غالية بالابتعاد عن مواطن شبهات السياسة وعالمها، ولم يختلف موقف قيادات الحزب الذين لم يحبسوا أو يدانوا بقضايا فساد مالى، وعلى رأسهم الدكتور مفيد شهاب والدكتور على الدين هلال، فقد فضل الرجلان الابتعاد عن العمل السياسى أو التورط فى جلسات مع نواب سابقين فى الوطنى، وكانت النصيحة المتكررة لهما أن الوقت ليس مناسبا لأى عمل سياسى، ولذلك غضب الكثير من نواب الوطنى وقياداته بالمحافظات خاصة أن الشباب منهم وصفوا القيادات بالتخاذل والتسليم بالأمر الواقع، وكانوا يتحسرون على سجن أحمد عز باعتباره الشخصية الوحيدة القادرة على جمع شتات الحزب وتوجيههم الوجهة الصحيحة.وحتى الدكتور حسام لم يستطع أن يقود هؤلاء النواب بعد الثورة وأغلب الظن أن حسام بدراوى نفسه تلقى نفس النصيحة ولا يزال مترددا فى العودة للحياة السياسية، ربما يتمكن بدراوى من استعادة بعض نفوذه السياسى من خلال الدراسات والجمعيات الأهلية، وهو نفس الطريق الذى بدأ به حسام طريقه للسياسة ولكن بدراوى غير قادر الآن على حمل نواب الوطنى للبرلمان ولذلك يمثل خروج عز من الحبس الاحتياطى طوق نجاة لبقايا الحزب الوطنى ولكن هل يستطيع عز الآن أن ينقذ نواب الحزب الوطنى حتى من خارج الكيان الحزبى أو فى ظل استمرار قضايا عز.
فقبل سجن عز احتياطيا كان يبحث منذ 25 يناير وربما قبلها عن مخرج لتبرئة نفسه سياسيا من تهمة تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010، وهو التزوير الذى كان أحد أسباب تفجر ثورة 25 يناير، وأكد مدير المخابرات فى ذلك الوقت الراحل عمر سليمان لمبارك أن الانتخابات مزورة، فما كان من مبارك إلا أن قال لعمر سليمان إنه سوف يرسل له كل من جمال مبارك وأحمد عز، وبالفعل حدث اللقاء ودافع فيه الاثنان عما وصفوه بنزاهة الانتخابات، ولكن عز طلب لقاء آخر ومنفردا مع عمرسليمان، وفى هذا اللقاء تبرأ عز من عملية التزوير ونسب لأطراف أخرى لم يشأ عز أن يكشف عنها، ولكنه كشف لعمر سليمان أنه جرى التزوير لاستبعاد 139 نائبا من الإخوان، فالمبرر الذى استخدمه عز كان ورقة الإخوان، وهى الورقة التى لعب بها مبارك طوال سنوات حكمه، فيما بعد وعندما سجن عز ظل مقربون منه يرددون حكاية أن عز برىء من تزوير الانتخابات، وكرروا حكاية نواب الإخوان، ولكن فى هذه المرة نسبوا التزوير لوزير الداخلية حبيب العادلى، وأن التزوير جرى بأوامر مباشرة من العادلى، فقد كان العادلى فاقدا لكل نفوذه وداخل السجن، ولذلك كان من الطبيعى أن يتم الإفصاح عن اسمه، وقال المقربون من عز وبعضهم من أفراد أسرته أنه تم التضحية به، وأنه كان مجرد أداة لتنفيذ أوامر وتعليمات العادلى وجمال مبارك.
ولكن الأوضاع تغيرت بعد خروج عز فى الأسبوع الماضى من السجن، فما كان يتبرأ منه ويحاول إلصاقه للعادلى أو لجمال أصبح ورقة رابحة، فبعد اكتشاف المصريين للإخوان خلال حكمهم لمصر فى العام الأسود، وبعد عمليات العنف والإرهاب التى مارسها الإخوان منذ 30 يونيو ولا تزال العمليات مستمرة، بعد هذا وذاك بدا للكثيرين أن مبارك ونظامه كانا محقين فيما فعلوه بالإخوان، وأن نظرية استبعاد أو إقصاء الإخوان وكل أطياف الإسلام السياسى كانت على حق، ولذلك فإن تبرؤ عز من تزوير الإخوان لم يعد الآن ورقة رابحة، فكل رموز مبارك خاصة خلال محاكمة القرن يلعبون بقوة على ورقة إرهاب الإخوان، والكل يغسل سمعته الآن على جثة الإخوان وخطاياهم، وهو ما يعزز فرص بعض نواب الوطنى فى العودة للحياة السياسية وبالأحرى العودة للبرلمان مرة أخرى فى الانتخابات الجديدة لمجلس النواب، وعلى الرغم من استعدادات بعض نواب الوطنى لخوض الانتخابات من ناحية، واستعداد بعض الأحزاب لضمهم لصفوفها من ناحية أخرى فإن عز يسد نقصا مهمًا لنواب الوطنى وهو نقص لم يسده أى من قيادات الحزب الوطنى منذ قيام ثورة 25 يناير، فعز يملك بالفعل ملكة تنظيم الصفوف.
وخلال آخر مجلس شعب قبل انتخابات 2010 كان عز يدير بكفاءة نحو 273 نائبا من الحزب الوطنى وهو رقم يزيد كثيرا عن نصف نواب الوطنى فى مجلس الشعب، ومعظم هؤلاء النواب لديهم المال اللازم لخوض الانتخابات، ولكنه ينقصهم العقل المنظم لتنظيم الصفوف، ولذلك اعتبر بعض هؤلاء النواب أن خروج عز فرصة لهم للبحث عن قيادة منظمة حتى لو كان تم الأمر خلف الستار، وقد كانت أنجح فترات عز سياسيا هى الفترة التى أدار فيها الأمور من الكواليس.
3
عز بعد السجن
قد يكون من المبكر الحكم أو التكهن بالخطوة التالية لأحمد عز، فهو شخصية عنيدة وطموحة، وربما يفضل الرجل بعد تجربة السجن أن يركن للهدوء وأن يكتب مذكراته، وأن يحاول الخروج من القضايا وشبح السجن الذى لا يزال يطارده، ولكن قد يكون عالم السياسة هو المخرج الوحيد له من كل هذه المشاكل، فما فعله الإخوان بمصر والمصريين قدم لعز وزملائه من قيادات الحزب الوطنى فرصة ذهبية لغسيل السمعة السياسية، وقد تجد مزاعم حماية مبارك لمصر من الإخوان أذانا صاغية، ويمثل وجود نواب مخلصين لعز فى البرلمان أو بالأحرى كتلة تصويتية مؤثرة مخرجًا لأزماته الاقتصادية والقضائية، فالبرلمان القادم سيشكل الحكومة والأهم أنه يقر القوانين، ويمكن لقانون مصالحات اقتصادية فى القضايا أن يمثل مخرجًا لعز، فإذا أقر البرلمان القادم قانونا للتصالح فى القضايا المالية من خلال استبدال السجن بالغرامات، فإن عز سيستفيد من القانون مثل غيره من رجال الأعمال، خاصة أن كل قضايا عز هى قضايا مالية، فعز ليس متهما فى قضايا قتل المتظاهرين، ولذلك فإن حاجة عز للعب دور سياسى من خلف الكواليس قد تكون أكثر من حاجة نواب الوطنى لعقله التنظيمى أو قدرته على توحيد صفوفهم فى انتخابات مجلس النواب القادمة، فالبرلمان القادم قد يعيد الأمور إلى ما قبل 25 يناير مرة أخرى من خلال تشريعات لصالح رجال الأعمال، ولذلك فإن خطر رجال الأعمال على البرلمان لا يقل عن خطر الإخوان أو تيارات الإسلام السياسى المتشددة، بل إن خطر رجال الأعمال على مجلس النواب القادم هو خطر مزدوج فى حقيقة الأمر، رجال أعمال الحزب الوطنى الذين يقاتلون لاستعادة مكاسبهم ونفوذهم، ورجال الأعمال الذين لم يلتحقوا بقطار الوطنى ويطمعون فى السيطرة على المجلس المقبل، فى هذا المجال فإن المنافسة بين كلا النوعين من رجال الأعمال ستكون منافسة حامية وساخنة جدا، وربما يكون لعز دور فى هذه المنافسة، دور سرى أو خفى، ولكن دور عز وزملائه سيمر عبر بوابة إرهاب الإخوان، ربما لأن بقايا نظام مبارك لا تدرك أن الشعب المصرى عرف الحقيقة وأنه لن يختار بين السيئ والأسوأ ولن يختار بين الحزب الوطنى والإخوان، وأتمنى ألا يختار أو يفاضل بين رجال أعمال الحزب الوطنى أو رجال الأعمال الذين توحشوا بسياسات الحزب الوطنى.