■ لم يذكر اسم مبارك فى مذكراته واكتفى بالإشارة إليه بكلمة الرئيس ■ انتقم من عاطف صدقى بالسخرية من أدائه داخل مجلس الوزراء.. و«عاير» المحجوب بقضية شقيقه
فى النادى الدبلوماسى احتفل الدكتور كمال الجنزورى بصدور مذكراته المكونة من جزءين «طريقى» و«مصر والتنمية»، وتكلم رئيس الوزراء الأسبق للمرة المليون عن أن الحل الوحيد أمامنا هو الخروج من الوادى الضيق.. وتحدث عن إنجازاته وكيف وصلت إليه المناصب دون أن يسعى إليها وكيف كلف بتشكيل الوزراء عام 1986، لكن تدخل رفعت المحجوب ورشح لمبارك عاطف صدقى بدلا منه.
بجانب سيرته الذاتية، يتناول الدكتور الجنزورى منهجية العمل الحكومى، وكيف تقوم الحكومات بأداء عملها للحفاظ على مصالح الدول، كما يلقى الضوء على مقابلاته مع مختلف الرؤساء والزعماء وكبار المسئولين فى مختلف الدول، وما دار خلف الكواليس فى الكثير منها مثل تفاصيل مقابلته لبوش الأب وكلينتون وآل جور وتونى بلير ونتنياهو وما دار بينهم من أحداث.
كان غالبية الوزراء الحاليين والسابقين فى الحفل بجانب رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز حجازى ومحمد حسنين هيكل. عدلى منصور يستحق الكثير... ويستحق من نفسه الكثير، لكن لا نحن نقدم له شيئا، ولا هو يفعل ذلك أيضا.
فى حفل توقيع كتابه «طريقى» الذى أقامته له دار الشروق فى النادى الدبلوماسى، قال كمال الجنزورى إن ما كتبه ليس سيرة ذاتية شخصية ولكنه سيرة للعمل العام، وكان حريصا فيه على عدم تجريح أحد رغم معرفته بمعلومات كثيرة تشين البعض.
شىء من هذا لم يحدث على الإطلاق، فالرجل طوال كتابه – 217 صفحة من القطع الكبير – تفرغ لتسجيل آيات عظمته وعبقريته، وإظهار عيوب ومثالب الآخرين، وكأنه ينتقم من كل من اعترضوا طريقه، بل إنه وصل فى توصيفاته فى بعض الوزراء إلى درجة الإهانة والتريقة والسخرية.
بعد أن انتهيت من قراءة كتاب الجنزورى تأكد لدى أن وزراء مبارك وكان كمال من بينهم تفرغوا طوال الوقت للدس لبعضهم البعض، بل إنهم كانوا يمارسون هواية محببة إلى أنفسهم فى «الزمبأة» ودق الأسافين والخوازيق لبعضهم البعض، فكل واحد منهم يريد أن يكون هو الأقرب إلى الرئيس، ويبعد الآخرين عنه، مهما كان الثمن.
وهنا لن أسرد كثيرا مما جاء فى مذكرات الجنزورى، ولكنى سأتوقف أمام بعض الوقائع وآرائه فى شخصيات بعينها.
فى صفحة 52 يرصد الجنزورى أنه فى أغسطس 1982 لم يكن مر على تشكيل الوزارة التى أصبح فيها وزيرا لأول مرة أكثر من 8 شهور، انفك عقد المجموعة الاقتصادية، فخرج محمد عبد الفتاح نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار والتعاون الدولى والدكتور فؤاد هاشم بسبب محاولات الدكتور مصطفى السعيد المستمرة والمستميتة مع الدكتور فؤاد محيى الدين والدكتور وجيه شندى من أقطاب الحزب الوطنى، وهما الأحق بالمناصب الوزارية، من الذين يتم اختيارهم من خارج الحزب، وكان يتردد على المجلس كل يوم ويخرج مع الدكتور فؤاد مرافقا له فى السيارة حيث كان قريبا منه جدا.
ويحكى الجنزورى، فى 31 أغسطس 1982 أصدر الدكتور هاشم قرارا برفع سعر العائد على شهادات الاستثمار فئة ب إلى 14% بدلا من 13% بعد أن أستأذن رئيس الوزراء، ولكن بعد صدور القرار سأل الرئيس الدكتور فؤاد: هل ناقشتم هذا الأمر فأنكر، وعليه خرج فؤاد هاشم من الوزارة، بعد أن أمضى فترة لا تزيد على ثمانية شهور، رغم أنه كان كفؤا وله رؤية اقتصادية ممتازة، وهو أمر لم يرض السيد محمد عبد الفتاح نائب رئيس الوزراء، واعتذر أن يستمر متحججا بمرض فى العين، وقدم استقالته احتجاجا على ما أحس أنه ظلم لزميل يرى أنه لم يخطئ فى عمله.
ويعلق الجنزورى.. خرج الاثنان، الأول أقيل والثانى غاضبا من هذا الإجراء فاستقال الاثنان، وجاء الدكتور مصطفى السعيد بعد الدكتور فؤاد هاشم والدكتور وجيه شندى وزيرًا للاستثمار والتعاون الدولى.
ورغم قرب الجنزورى من الدكتور فؤاد محيى الدين إلا أنه يطعن فيه، فقد دعا مبارك الجنزورى والمشير أبو غزالة إلى الاجتماع به فى قصر الرئاسة، وعرف فؤاد بالأمر فتوجه مباشرة إليهم، ويعلق الجنزورى على ذلك بقوله: فجأة بعد دقائق قليلة أخرى دخل علينا رئيس الوزراء الدكتور محيى الدين وسألنا فور دخوله، وقد عكست عيناه نظرات من التوجس والتساؤلات فهو بطبيعته لم يكن يميل أن يلتقى أحد بالرئيس دون أن يكون على علم مسبق باللقاء، من أجل هذا كانت جملته السريعة المتسائلة: لماذا أنتما هنا؟، وفى صوت واحد أجبنا: والله لا نعلم.
لقد أثنى الجنزورى على أبو غزالة كثيرا فى مذكراته، ومن بين ما قاله عنه أنه رجل عميق الثقافة فى مختلف المجالات العسكرية والسياسية بل والاقتصادية، كما أنه دمث الخلق واضح مستقيم اللغة ثابت على أفكاره ولا يراوغ.
ومع ذلك فهو يتهم أبو غزالة بأنه كان وراء تعطيل صعوده لرئاسة الوزراء.
يقول الجنزورى: استقالت حكومة الفريق كمال حسن على يوم 3 سبتمبر 1985، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة الدكتور على لطفى، بعد ذلك بشهرين تقريبا كنا فى لقاء فى المطار وشاء الله أن أكون فى حجرة اجتمع فيها بعض الإخوة من الوزراء واقترب منى السيد جمال عبد العزيز سكرتير الرئيس وقال: المرة القادمة إن شاء الله، قلت: على ماذا؟ فقال: لقد طلبك الرئيس وأنت فى القناطر وبعدها مباشرة، وقال إن الرئيس قال: لنذهب إلى القاهرة لنغير الوزارة واختارك رئيسا للوزراء، فعجبت وقلت له: وماذا غير الأمر.
يكمل الجنزورى: كان طرح السؤال مجرد فضول مشروع، فقال: بسبب اعتراض أحد الكبار الموجودين فى الحجرة أمامك ولم يكن الاعتراض على شخصك، ولكن على أقدميتك الأحدث، وأشار بيده إلى الأخ العزيز والصديق المشير أبو غزالة.
يشهد الجنزورى لأبى غزالة أنه رفض الانقلاب على مبارك بعد أحداث الأمن المركزى، فقد قام المشير بدور بطولى فى إنهاء الأزمة، وبعد أن انتهت تماما حضر الجنزورى لقاء فى مقر القيادة فى 27 فبراير 1986، خاطب أحد القيادات أبو غزالة قائلا له: كفاية كده يا سيادة المشير، خلصنا منه ( يقصد الرئيس) بقى حتى تستقر البلد، فرد عليه المشير أبو غزالة على الفور، وبكل حزم وبالحرف الواحد: لا يمكن لى أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت، فسيفعل معى فيما بعد.. لكنه فى الوقت ذاته ينسب لنفسه أنه كان صاحب فكرة نزول الجيش لمواجهة تمرد الأمن المركزى، وأنه كان أول من طلب من المشير أبو غزالة أن يتحرك.
وإذا كان موقف الجنزورى من أبو غزالة على هذه الدرجة من التحفظ، فإنه لم يكن كذلك على الإطلاق من اثنين من كبار السياسيين فى مصر، أولهما الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب والدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء لمدة تسع سنوات فى عهد مبارك، فقد كانا هما من حرما الجنزورى من تولى رئاسة الوزراء فى فترة مبكرة.
فى العام 86 كان الرئيس مبارك قد قرر أن يتخلص من الدكتور على لطفى بعد أن تزايد الرفض الشعبى لحكومته، يقول الجنزورى: فى صباح 11 نوفمبر 1986 طلب منى الدكتور مصطفى الفقى الذهاب إلى مقر الرئاسة الساعة السادسة والنصف، ثم بعد ساعتين طلبنى السيد جمال عبد العزيز سكرتير الرئيس، ليخبرنى أن أستعد لأن الرئيس تحرك من الإسماعيلية فعلا، والأفضل أن أذهب إلى مقر الرئاسة الساعة السادسة بدلا من السادسة والنصف، جاءنى الدكتور يوسف والى بعد ساعة من تلك المكالمة بدون موعد، ثم جاءنى تليفون خاص بالرئاسة يفيد أن أبلغ الدكتور يوسف والى للذهاب إلى الرئاسة، على أن أستمر إلى حين إبلاغى بالذهاب، لأن الموعد تأجل بعض الوقت، استمر الانتظار ساعة واثنتين وثلاثة، بما أشعرنى أن شيئا استجد، وحوالى الساعة العاشرة مساء عاد الدكتور يوسف وعلى وجهه ما يفصح عن تغيير حدث.
فى صباح اليوم التالى – وكما يروى الجنزورى – عرفت أن الذى دعى إلى تشكيل الوزارة كان الدكتور عاطف صدقى، وعلمت أيضا بما تم، بأنه حينما دخل الدكتور أسامة الباز ليوقع خطاب تكليفى بالوزارة، فوجئ أن الرئيس شطب اسم الدكتور كمال أحمد الجنزورىوكتب بدلا منه وفوقه الدكتور عاطف نجيب صدقى، وخرج الدكتور أسامة الباز ليسلم الخطاب المعدل للدكتور مصطفى الفقى، وقال له: لم أقل شيئا ولم يكن لى أى دور فى هذا التغيير، هو الذى غير.
يتهم الجنزورى فى مذكراته الدكتور رفعت المحجوب بأنه كان وراء هذا التغيير، يقول: علمت فيما بعد أنه عندما كان مقررا أن أذهب إلى الرئاسة طلب الدكتور أسامة الباز الدكتور رفعت المحجوب، والذى كان على علاقة وثيقة بالدكتور عاطف صدقى، وكانت له أيضا مكانة عند الرئيس ويقدره، وبأسلوبه الدبلوماسى، سأل الرئيس عما سمعه من إجراءات التغيير الوزارى، فإن كان انتهى منه ( وهو يعلم أنه كذلك) فالأمر للرئيس، ولكن إذا لم يكن، فهناك بعض الخيارات، فقال له: ماذا تقترح؟، قال أنا أعلم أن كمال الجنزورى من بين الخيارات وهو كفء وشاب محترم، ويمكن أن يتحمل مسئولية رئاسة الوزراء فيما بعد، لكن الدكتور عاطف صدقى رئيس جهاز المحاسبات يكاد يمسك بيده أمعاء الاقتصاد المصرى، وبناء على ذلك تم تكليف عاطف صدقى بالوزارة فى 14 نوفمبر 1986.
لم تكن هذه الرواية دقيقة إلى حد كبير، وأعتقد أن الدكتور مصطفى الفقى لديه الرواية الحقيقية، فمبارك هو الذى اتصل بالدكتور المحجوب، ليسأله عن رأيه فى التعديل الوزارى، ولما سأله المحجوب: هل الأمر لإخباره بالتعديل أم لاستشارته، فلما قال له مبارك: بل للاستشارة، أشار عليه بالدكتور عاطف صدقى.
لم ينس الجنزورى الأمر للرجلين، ولذلك ليس عليك إلا أن تقرأ ما كتبه فى مذكراته عن عاطف صدقى والمحجوب.
عن عاطف صدقى وفى صفحة 73 يقول: فوجئت به شخص هادئ جدا، لا يهتم كثيرا بالوقت، فإذا تقرر اجتماع مثلا للجنة الساعة الحادية عشرة، يبدأ الاجتماع الساعة الواحدة ويستمر إلى الساعة الثالثة، ثم يبدأ الدكتور عاطف صدقى بالسؤال ماذا نأكل، ويقدم الطعام مرة بيتزا ومرة ثانية كباب ومرة ثالثة فول وطعمية، ويستهلك الطعام ساعتين، ويحتاج بعدها البعض للراحة، ثم تعود اللجنة إلى الانعقاد فى الساعة الخامسة أو السادسة، المهم أن تستمر حتى المساء وقد يمتد الاجتماع إلى منتصف الليل ليعلم الرئيس أن الدكتور عاطف صدقى ما زال فى مجلس الوزراء طوال النهار وحتى منتصف الليل.
وعن المحجوب كتب فى صفحة 74: لجأ الدكتور عاطف صدقى إلى الدكتور المحجوب لينزع منى وزارة التعاون الدولى، فوعده بإعداد مذكرة للعرض على الرئيس يوضح فيها عدم جدوى أو عدم قانونية وجود التعاون الدولى مع التخطيط،وهذا الكلام قاله لى الدكتور رفعت المحجوب بعد أن اختلف مع الدكتور مع عاطف صدقى لرفضه عودة أخيه السيد عبد الخالق إلى وظيفته السابقة بوزارة قبل محاكمته.
غمز ولمز فى من وقفوا ضده وبعد ذلك يقول الجنزورى إنه لم يهاجم أحدا، ولا أعرف بأى شىء نسمى ذلك، لم أتوقف عند وقائع كثيرة ذكرها الجنزورى، لأنه طوال الوقت يهيل التراب على الآخرين، لكن لفت نظرى أنه لم يذكر اسم مبارك ولا مرة واحدة على طول المذكرات وعرضها، اكتفى بالإشارة إليه بالرئيس فقط، فهو لا ينسى ولا يسامح، وحتما هو لا ينسى ما فعله مبارك معه.. وهى أفعال تصل إلى درجة الإذلال.