كشف الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر السابق، فى مذكراته التى تحمل اسم "طريقي .. سنوات الحلم والصدام والعزلة من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء" ، عن سر خطير يتعلق بأسباب الاطاحة بالمشير عبد الحليم ابو غزالة . وقال ان السبب الحقيق وراء استبعاد المشير أبوغزالة هو رفضه الانقلاب على السلطة في عصر السادات، وكان ذلك بتدبير من الرئيس الأسبق حسني مبارك احتفلت أمس دار الشروق في النادي الدبلوماسي بانطلاق مذكرات الدكتور كمال الجنزوري رئيس وزراء مصر السابق، بحضور الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والسيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين والدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق والدكتور صابر عرب وزير الثقافة والدكتورة درية شرف الدين وزيرة الإعلام والدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق وأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق وحسن يونس وزير الكهرباء السابق ونبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية والدكتور عبدالسلام محجوب وزير التنمية المحلية السابق ، وطاهر أبوزيد وزير الرياضة وعادل لبيب وزير التنمية المحلية وعبدالعزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق والدكتور مصطفى الفقي الدبلوماسي والكتاب الصحفيون مصطفى بكري وفريدة الشوباشي وعبدالله السناوي وعماد الدين حسين وخالد صلاح وياسر رزق وأحمد المسلماني ومكرم محمد أحمد وصلاح دياب مؤسس صحيفة "المصري اليوم" والدكتور أحمد بهجت رجل الأعمال وعدد من الشخصيات العامة .
والمذكرات تحمل اسم "طريقي .. سنوات الحلم والصدام والعزلة من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء" ، وقال الناشر ابراهيم المعلم صاحب دار الشروق أنه واجه صعوبات كبيرة لإقناع الجنزوري بكتابة مذكراته .
أما مؤلف السيرة، فقال أن نصيب الفرد ارتفع حين كان رئيسا للحكومة إلى 1400 دولار وهبط معدل التضخم وصار الدين الخارجي من 36 مليارا إلى 28 مليارا.
وقال الجنزوري : يجب أن يخرج الشعب المصري من الوادي القديم للصحراء الرحبة ، وهو ما سعيت في حكومتي لتنفيذه.
من جانبه ، أكد الكاتب الصحفي صلاح منتصر أن تلك هي المرة الأولى التي يؤلف فيها رئيس وزراء كتابا في حياته، وقال أن الجنزوري عانى طويلا من قيود العزلة التي فرضت عليه بعد 42 عاما من توليه مواقع عديدة ، من التدريس بالجامعة ثم محافظا للوادي ثم رئيسا للوزراء ثم عزله دون أي منصب شرفي ، وقال أن حضور العشرات من الوزراء بعد هذه السنوات يعد أرفع وسام يحصل عليه.
بين مذكرات الجنزوري
في التقديم يؤكد الجنزوري أنه تولى أعباء ومسئوليات جمة في حياته فقد كان محافظا في عهد أنور السادات ثم صار وزيرا ورئيسا للحكومة في عهد مبارك وخلال الفترة الانتقالية الأولى التي سبقت وصول جماعة الإخوان إلى الحكم . وهو في مقدمة الكتاب يشير إلى أنه "لا إنجاز بغير علم .. ولا تطور بغير تخطيط .. وإدراك ظروف العصر وتقلبات المواقف من حوله"
وقد امتدت خبرة الجنزوري لأكثر من أربعة عقود فبدأت من أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومى ثم خبير للتخطيط بهيئة الأممالمتحدة لدى هيئة التخطيط السعودى، ثم وكيل لوزارة التخطيط، وتطورت المسئولية إلى تولى منصب "محافظ" لمحافظتين، ثم العودة إلى معهد التخطيط القومى مديرًا ونائبًا لوزير التخطيط.
ويستطرد : "أصبحت المسئولية أكبر عبئًا عندما شرُفت بالإشراف على وزارتى التخطيط والتعاون الدولى وزيرًا، ثم نائبًا لرئيس الوزراء مع الاحتفاظ بالوزارتين، ومحافظًا لمصر لدى البنك الدولى لعقد ونصف، حتى بلغت المسئولية أقصاها، حين تم تكليفى رئيسا لمجلس الوزراء والإشراف على عدة وزارات وأجهزة. كما انتخبت نائبًا بمجلس الشعب عن إحدى دوائر المنوفية لدورتين متتاليتين خلال ثمانينيات القرن الماضى".
يورد الجنزوري بمذكراته أنه نشأ بمحافظة المنوفية وهو يتذكر بامتنان الشيخ سليمان بيومي صاحب الكتاب الذي تعلم فيه، وكان دوما يميل لمجالس الكبار ولا يميل للعب مع رفاقه وإضاعة الوقت، وكان من أهم الأزمات في ذلك الوقت هو الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على مصر.
التحق بالمدرسة الثانوية في القاهرة وودع قريته وكانت عائلته تنتمي لحزب الوفد، أما هو فكان يكثر من زيارة النادي السعدي وحزب مصر الفتاة وجمعية الشبان المسلمين.
وهو يتذكر بعد تخرجه من الجامعة عام 1957 أنه التحق بمهنة متواضعة تناسب تخصصه الزراعي وهي "خبير غلال" في فرع بنك الائتمان الزراعي بالغربية ولكنه استقال منه. ثم يتذكر الجنزوري سنواته في التجنيد الإجباري، وبقدر تعلمه منها الكثير لكنها حجبت عنه فرصة السفر لأمريكا لدراسة الماجستير ضمن منحها فاز بها الدكتور يحيى محيي الدين شقيق زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة، لكن الله عوضه بعد بضع سنوات سافر بعدها لأمريكا عام 1963 في منحة للدكتوراة وحصل عليها بعدها بأربعة أعوام .
وقد تزوج الجنزوري في سبتمبر 1962 من السيدة رأفت أبوالذهب فرغلى، ويتذكر كم جاهدت معه منذ أن كان موظفا بسيطا بالحكومة ثم أستاذا بمعهد التخطيط فوكيلا للوزارة فمحافظا فنائبا لوزير التخطيط ومديرا للمعهد فوزيرا ثم نائبا لرئيس الحكومة وأخيرا رئيسا للحكومة .. لقد ظلت وفية وصديقة ولم تبخل بجهد أو عطاء ، وكان لها الدور الأكبر برعاية بناته والسهر على تربيتهن .
وفى 6 يوليو سنة 1963، استقبل الجنزوري مولودته الأولى سوزان والتي أعقبتها مولودته "منى" بثلاث سنوات ثم "ماجدة"، وكان الزوجان يعيشان براتب ضئيل ولكنهما تغلبا على ذلك بالتعاون وتقبل الأمر، ويتذكر كيف كان هو وزملاؤه يكافحون في فصول الصيف بالمزارع للحصول على نفقات تعليمهم، وكان يرافقهم للعجب حفيد امبراطور السيارات هنري فورد ، والذي قال أنهم ينشأون على الاعتماد على أنفسهم . وسط تلك الظروف كان الجنزوري راضيا ومحبا للقراءة والمناقشة مع كبار المفكرين بالندوات العامة وكان يحظى بأعلى الدرجات في مواد الدراسة المختلفة.
من الأشياء التي يتذكرها جيدا حين كان بالغربة، واغتيل الرئيس الأمريكي جون كينيدي ليتولى خلفه ليندون جونسون، وحين خاطبه أحد الشباب بأنك رجل قذر، ما كان منه إلا أن ابتسم وقال بالفعل فأنا منذ فترة طويلة أعمل بمهنة قذرة وهي السياسة ، وانتهى الأمر !
رافق الجنزوري بالجمعية الجديدة للمصريين في أمريكا التي دشنتها الحكومة المصرية كل من الدكاترة مصطفى طلبة، سعد الدين ابراهيم، محمد عبدالهادي، وأسامة الباز ، كما رافقه من الأجانب شخصيات صارت بارزة فيما بعد وهم النيجيري جون أبولو الذى أصبح وزيرًا للمالية في بلاده، وفرانسس فانجيج ,. وزير الاقتصاد الأرجنتيني فيما بعد.
وللأسف فقد مني قبيل تقديم رسالته للدكتوراة بأنباء النكسة الشهيرة يونيو 67 حيث أعلن المذيع وولتر كرونكايت، أن الحرب بين إسرائيل والعرب بقيادة مصر، بدأت وانتهت خلال ست ساعات بهزيمة العرب ومصر وانتصار إسرائيل. وأن الجيش المصرى بدأ فى الانسحاب عشوائيًّا، تاركا سيناء.. كان الجنزوري وأسرته يبكون فلم يكونوا يصدقون أن ذلك يمكن أن يحدث، وزاد من بؤسهم نبأ تنحي عبدالناصر .
ويتذكر الجنزوري بعد عودته من الغربة للعمل بوزارة التخطيط في مصر، أنه التقى الرئيس جمال عبدالناصر ربع ساعة فقط خلال مراسم دفن والد السيد زكريا محيي الدين بكفر شكر، وأعجب بكاريزمته وقربه من الفقراء. وقد علم من وزير التخطيط الدكتور سيد جاب الله أنه حين التقاه لعرض خطة الوزارة سأله فقط عن ضمان توفير الحاجات الأساسية للمواطن من لحوم وخبز وشاي وسكر وملبس ؟! وللأسف لم تكن الخطة تفي بذلك فرفضها.
فيما بعد، عُرض على الجنزوري إدارة مكتب للشئون الاقتصادية في عهد السادات غير أنه رفض؛ وكان يرى مستقبله في التخطيط . وبالفعل بعد شهور قلائل كان يعمل مديرا فنيا لمكتب وزير التخطيط اسماعيل صبري عبدالله ، ورفض الاستمرار بمكتب الوزراء الذين تعاقبوا بعده وهم الدكتور ابراهيم عبدالرحمن ومحمود الإمام، مكتفيا بعمله وكيلا لشئون التخطيط الاقليمي.
ثم طلب منه السادات تولي محافظتين متتاليتين، وكان لا يزال لم يتخط الأربعين من عمره، ثم صار مديرا لمعهد التخطيط القومي وهو ما فتح له باب الترقي لمناصب المسئوليات العليا الوزارية المختلفة. وكان الجنزوري يرى أن السادات يمتلك فطنة سياسية وخطابة وقدرة على اتخاذ القرار المناسب بوقته .
ويتذكر الجنزوري بعض إنجازاته بالوادي الجديد وبني سويف، حين كان محافظا لهما، ومن ذلك عودة أعمال الاستصلاح والتشييد وبناء المصانع الخاصة بالمنتجات الزراعية المتاحة وتشغيل المطارات بالوادي ، ولكنه كان يرى أن الموارد المتاحة قليلة لا تكفي لتلبية المطلوب، وقرر العودة للتخطيط مديرا للمعهد القومي.
ويتذكر الجنزوري أنه في نهاية عام 1977 وقد صار نائبا لوزير التخطيط ومديرا للمعهد، أنه تم تشكيل لجنة من مستشاري رئيس الجمهورية برئاسة المهندس سيد مرعي، وكان يرى أنهم نافقوه ومن ثم استغنى عنهم السادات . وفي عام 1981 تم تعيينه وزيرا للتخطيط بوزارة فؤاد محيي الدين.
وفي مذكراته يكشف الجنزوري عددا من المؤامرات والأشياء الخطيرة التي شابت علاقته بالرئيس الأسبق مبارك ورجاله بالحكومات المتعاقبة، وقال أن زكريا عزمي هو من أجج الصدام بينه وبين مبارك عبر سؤاله عن إمكانية استقبال إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل خلال زيارته لمصر وأبلغ مبارك أنه رفض تنفيذ أوامره باستقبال مبارك وهو ما جعله يستدعيه ويعاتبه بنبرة حادة .
كما تحدث عن عدم ترحيب أسرة مبارك به، خاصة بعد أن رفض ذات مرة جلوس جمال مبارك عن يمينه . وكشف بمذكراته أن مدير المخابرات السابق عمر سليمان أبلغه بأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اشترط ذات مرة عند زيارته القاهرة 1997 عدم حضور عمرو موسى ، وزير الخارجية وقتئذ، وبالفعل هذا ما تم وكان موسى غاضبا من انصياع الرئيس لأوامر نتنياهو.
أخيرا كشفت المذكرات عن استبعاد المشير أبوغزالة لرفضه الانقلاب على السلطة في عصر السادات، وكان ذلك بتدبير من الرئيس الأسبق حسني مبارك