لسنوات طويلة سبقت ثورة 30 يونيو ظل جهاز مباحث أمن الدولة كابوسا مرعبا لمعظم المصريين, لدرجة أن البعض كان يصاب بالفزع من مجرد ذكر اسمه, حيث أحاط الجهاز نفسه بسياج من السرية والغموض حتى لا يعلم أحد طريقة عمله, مما أعطاه الفرصة لجمع المستندات والملفات السرية عن بعض النشطاء والشخصيات العامة ورجال الأعمال ومن ثم تحول الجهاز إلى صندوق أسود يحوى أسرار مذهلة .
أكدت مصادر: أن جهاز أمن الدولة كان يمتلك تقنيات حديثة جدا للغاية يمكن من خلالها مراقبة تليفونات أى مواطن إلى أن يتم تسجيل القدر الكافى لإدانته منها ثم تحفظ التسجيلات فى صندوق أسود لحين إستخدامها, مضيفا أن الجهاز يمتلك جهازا متطورا لكشف الكذب غير أنه لا يستخدمه لأعتقاد بعض الضباط أن المصريين قادرون على خداع الجهاز.
كشف العميد حسين حمودة الضابط السابق فى جهاز مباحث أمن الدولة: أن الجهاز جمع كمًا هائلاً من المعلومات, وأعد ملفات ضخمة عن بعض النشطاء السياسيين وفى بعض الأحيان كان الجهاز يخفى فضائح هؤلاء ولا يظهرها فى حينها إنتظارا لإستخدامها فى الوقت المناسب.
وأضاف حمودة منذ عام 2004 وحتى عام 2011 كانت المهمة الأساسية للجهاز هى الترغيب والترهيب, فالترغيب كان يستخدم مع الشخصيات المعارضة للنظام ولا يوجد فى ملفاتها شىء يسىء إليها ويتم تجنيدهم أو ضمهم للمعسكر الداعم للنظام عن طريق المناصب أو إدخالهم فى مشروعات إقتصادية وإستثمارية أو يتم ضمهم لأمانة السياسات بالحزب الوطنى وهذا كان يطلق عليه الثلاجة التى يوضع فيها الناشط ويترك له المجال كى يعارض من الداخل.
وإستطرد ضابط أمن الدولة السابق: أما الترهيب فكان يستخدم مع الشخصيات التى ثبت تورطهم فى مخالفات أو رفضوا الانضمام لمعسكر النظام و فى هذه الحالة يتم فتح الصندوق الأسود وإخراج الأسرار منه, وهذه الأسرار فى الغالب تتضمن تسجيلات صوتية أو صور تؤكد ضلوعهم فى فساد معين أو تورطهم فى علاقات جنسية خارج نطاق الزواج.
كلام العميد حسين حمودة أعطى تفسيرا واضحا لإقتحام مقار أمن الدولة على مستوى الجمهورية فى أعقاب تنحى "مبارك" فقد كان الهدف هو حرق الصندوق الأسود وما به من أسرار وفضائح عن شخصيات من جميع التيارات وما تم تسريبه من مستندات تؤكد أن مهام الجهاز كانت حماية أمن النظام وإذلال المعارضة من صحفيين وإعلاميين ورجال أعمال ونشطاء .
بينما يرى الدكتور "نبيل فؤاد" الخبير الإستراتيجى: أنه بحكم عمل الجهاز فإن لدية الكثير من الأسرار و المعلومات التى تتعلق بأخرين وأن ماهية المعلومات التى يملكها الجهاز لن تكون أكثر من معلومات مخابراتية مشكوك فى معظمها ولكنى أؤكد أن القوى الوطنية الحقيقية ليس لديها ما تخاف عليه أو تخفية وذلك لأن معظمها ناضلت ضد نظام فساد مرسى و مبارك.
ومن المؤكد أن جهاز الأمن الوطنى "أمن الدولة سابقا" إستطاع إستخدام الأدوات الإعلامية المتوافرة وألقى بكرات النار التى تتأرجح يمينًا ويسارًا لا يستطيع أن يحدد إتجاهها إلا هو وفى الوقت الذى يريده بناء على تحركات خصومه وأدواتهم فى المعركة فالجهاز كان دوما يعرف ويدرك متى يستخدم ما يعرفه.
فهل يمكن فتح الجزء المختلط بين أدوار هذا الجهاز والمراحل المتغيرة الحرجة فى تاريخ مصر؟.. وبطريقة أكثر وضوحًا: تفاصيل علاقة الجهاز مع شخصيات كانت دائما جزءا من المشهد السياسى.
ولكن الأكثر إثارة أن خصوم الجهاز خاصة جماعة الإخوان الإرهابية أصبحت الآن فى مرمى نيران الجهاز والتسريبات التى يمكن إطلاقها عبر وسائل إعلام مصرية أو عربية او أجنبية كفيلة بالإجهاز على الجماعة نهائيا بعد أن كشفت عن وجهها القبيح وألقاء الجماعة فى مساحة من الماضى المظلم بكل ما يحمل من أشباح مخيفة قد تعيدهم إلى ما كانوا عليه فى الفترة الناصرية خلال العصور المختلفة سنجد دائما كل عصر تنكشف صناديقه السوداء فى العصر الذى يليه, وهى سمه فى التاريخ المصرى كله منذ العصر الفرعونى.
وقبل أن نذكر أدوار أجهزة أمن الدولة فى مصر س نتوقف أولا عند تأسيس أجهزة المخابرات والمعلومات التى ظهرت كلها تقريبا فى عهد عبد الناصر بداية من المخابرات العامة مرورا بهيئة الإستعلامات والمباحث العامة "أمن الدولة فيما بعد" والمباحث العسكرية الجنائية ومكتب معلومات رئاسة الجمهورية والرقابة الإدارية وغيرا من الأجهزة التى عملت كلها ضد بعضها البعض وكانت تصب فى النهاية عند القيادات السياسية.
لا شك أن هذه الأجهزة كانت تحمل العديد من المفاجئات والأسرار ولكن المؤكد أن ما لم تذكره أقوى وأشد فى وقعه على الناس.
ومن جانبه, قال الدكتور "عمار على حسن": إن صناعة الديكتاتور تبدأ بإنتاجه أجهزة أمنية قوية لحمايته وبث الرعب فى قلوب الشعب, وبدأها "جمال عبد الناصر" بجهاز المخابرات العامة والحربية والمباحث العامة, حكم مصر بها بالحديد والنار, ثم أنشأ اليادات "الأمن المركزى" بأعداد كثيفة, وأنشأ مبارك جهاز أمن الدولة الذى مارس أبشع صور القمع والتعذيب, لكن "محمد مرسى" إحتمى بجماعته للسيطرة على الشعب وبسط نفوذه حتى لو كان بقوة الجماعة المسلحة ومليشياتها" .
وأضاف: كانت مكافأة رؤساء الأجهزة الأمنية بعد إحالتهم إلى التقاعد تعينهم محتفظين أو وزراء لدرجة تعيين أحدهم رئيسا للوزراء, فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمى وممدوح سالم الذى عين وزيرا للداخلية ثم رئيسا للوزراء, بالإضافة غلى سيد فهمى, وحسن أبو باشا, وأحمد رشدى, وحبيب العادلى.
وأشار إلى أن جهاز أمن دولة "مبارك" كان يعمل على على قمع ووأد أى تحرك شعبى ضد النظام وإلهاء الشعب عن الحياة السياسية وحماية الشخصيات العامة من الإغتيالات مع وضع الأولوية لتنفيذ ما سبق دون الإهتمام بحقوق المواطنين المصريين وحرياتهم وخصوصياتهم.
أما الناشط الحقوقى "ناصر أمين" مدير مركز إستقلال القضاء فيؤكد: استخدام أمن الدولة لمواجهة الشعب والنخبة السياسية حتى لا تؤثر على الجمهور فكان القمع الواسع للمعارضة من قبل نظام مرسى و مبارك.
وأضاف "أمين": أن أدوات القمع اختلفت من رئيس لرئيس ففى عهد عبد الناصر برز دور المخابرات الحربية والعامة, أما خلال عهد السادات برز دور مباحث أمن الدولة وجزء من فترة "مبارك" حتى مذبحة الأقصر ليبرز دور المخابرات العامة بقسادة عمر سليمان, أما بعد ثورة يناير فقد تأكل دور مباحث أمن الدولة وبرز دور المخابرات الحربية بقيادة الفريق أول "عبد الفتاح السيسى" .