صناعة الديكتاتور تبدأ بإنتاجه أجهزة أمنية قوية لحمايته وبث الرعب في قلوب الشعب، بدأها عبد الناصر بجهاز المخابرات العامة والحربية والمباحث العامة حكم بها مصر بالحديد والنار، ثم أنشأ السادات «الأمن المركزي» بأعداد كثيفة، وأنشأ مبارك جهاز أمن الدولة الذي مارس أبشع صور القمع والتعذيب، لكن محمد مرسي يحتمي بجماعته «الإخوان» للسيطرة على الشعب وبسط نفوذه حتي لو كان بقوة الجماعة المسلحة وميليشياتها. وكانت مكافأة رؤساء الأجهزة الأمنية - بعد إحالتهم للتقاعد - تعيينهم محافظين أو وزراء داخلية، لدرجة تعيين أحدهم رئيساً للوزراء، فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمى، وممدوح سالم الذى عين وزيراً للداخلية ثم رئيسا للوزراء، وسيد فهمي، وحسن أبو باشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي. كان جهاز أمن دولة «مبارك» يعمل على قمع ووأد أى تحرك شعبي ضد النظام، ويعمل على إلهاء الشعب المصري عن الحياة السياسية منذ عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وكذلك كان من مهامه حماية الشخصيات العامة في مصر من الاغتيالات مع وضع الأولوية لتنفيذ ما سبق دون الاهتمام بحقوق المواطنين المصريين وحرياتهم وخصوصياتهم. كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كوزارة الداخلية بالإضافة إلى أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، هذا بالإضافة إلى استغلال بعض الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز لنفوذهم وسطوتهم في القيام بشتى أنواع الفساد من تجارة في المخدرات، والأسلحة، وهم أكبر مافيا للأراضي في البلاد. ومن مبارك إلي رئيس ما بعد الثورة د. محمد مرسي الذي تسبب الخلاف بينه وبين الأجهزة الامنية الذي تسيطر عليه بقايا نظام مبارك، في نشوء بديل للجهاز الأمني، وهم أعضاء الجماعة أنفسهم، حيث تقوم الجماعة بحشد أنصارها لتنظيم مظاهرات مضادة لأي تظاهرات ضد مرسي وهو ما تبين بصورة كبيرة في مظاهرات 24 أغسطس الماضي. ويرى عبد الغفار شكر -نائب المجلس القومي لحقوق الإنسان- أن أى نظام ديكتاتوري يهتم بتقوية الأجهزة الأمنية على حساب باقي أجهزة الدولة بل وعلى حساب القوات المسلحة أيضا، مضيفاً إنه تم إنشاء جهاز الأمن المركزى لهذا الغرض، وقام النظام السابق بمضاعفة عدد جنوده وقام بتزويده بالمعدات اللازمة من أسلحة نارية ومدرعات وقوات خاصة وقنابل غاز بل ووصل الأمر أن تجاوز عدد قوات الأمن المركزى لعدد الجيش. وأضاف شكر: إن الأجهزة الأمنية مارست علي مدار السنوات العشر الأخيرة في قمع أي تجمعات أو تظاهرات، إلا أنه سقط أمام جموع المصريين في 25 يناير، مشيراً إلي أن استخدام الرئيس الحالي لهذه الأجهزة ستكشف عنه الأيام، وكنتيجة لحالة الاستقطاب الذي تعيشه مصر. أما الناشط الحقوقي أحمد سيف الإسلام فيؤكد أن هناك عدة وسائل تستخدمها الدولة لضمان هيمنة الحاكم علي المحكومين منها استخدام الإعلام، والدين، والتعليم، والقانون، والقوة المجردة البوليس والجيش. فاستخدام الأمن فى مواجهة الشعب لم يكن ضرورة لكن كان أكثر من ضرورة لمواجهة النخبة السياسية حتى لا تؤثر فى الجمهور فكان القمع الواسع للإخوان والشيوعيين والتعذيب دون أن تحظى هموم النخبة بأى تعاطف شعبى فى هذا الوقت. سيف الإسلام مضيفا: إن نتيجة ذلك ظهور دور الأجهزة الأمنية السرية في عهد عبد الناصر ودور الجيش فى ظل سطوة عامر على كل أركان الحياة فى المجتمع من لجنة تصفية الإقطاع إلى التحكم فى النشاط الرياضى وانتشار مندوبى المخابرات فى كل مناحى الحياة بحيث كان هو المتحكم الفعلى فى المكان بعيدا عن أى إطار قانونى سارٍ فى هذا الوقت، وللتحلل من عقوبة القانون العادى وما يرتبه من وجع دماغ للأجهزة الأمنية برزت ضرورة قانون الطوارئ وإعلان حالة الطوارئ حتى تتحلل وبالقانون أجهزة الأمن من رقابة القانون فجوهر حالة الطوارئ منذ أن عرفتها مصر تحت اسم الأحكام العرفية إبان الحرب العالمية الأولى على يد الاحتلال الإنجليزى هو عدم تقيد أجهزة الأمن بالقواعد والضمانات المنصوص عليها فى القانون العادى. سيف الإسلام موضحا فأن أدوات القمع اختلفت من رئيس لرئيس ففي عهد عبد الناصر برز دور المخابرات الحربية فالعامة، أما خلال عهد السادات برز دور مباحث أمن الدولة وجزء من فترة مبارك حتى مذبحة الأقصر ليبرز دور المخابرات العامة، أما بعد ثورة يناير تآكل دور مباحث أمن الدولة حيث كان عنوان الفشل الكبير وبرز دور المخابرات الحربية. أما في عهد مرسى فهناك خطوات تدريجية اتخذت للحد الجزئى والتدريجى من سطوة العسكر والمخابرات خاصة على هيئة الاستعلامات بإلحاقها بالرئاسة مباشرة للحد من نفوذ المخابرات، مضيفاً جوهر مشروع مكى لا يختلف كثيرا عن باقى قوانين الطوارئ فجوهره منح الرئيس وأجهزة الأمن سلطات تتجاوز المقرر فى القانون الطبيعي وبالمخالفة للإعلان الدستورى وبدون أية ضرورة اجتماعية تستلزم هذا. سيف الإسلام معتبرا أن معركة ما يسمى باستعادة هيبة الدولة والشرطة هى فى حقيقتها إعادة تطويع للرئيس الجديد لعزله عن المجتمع ولقمع أصواته ومحاولة إعادة إدخال المجتمع للصندوق الضيق الذى حطمته ثورة 25 يناير. وأضاف سيف الإسلام: إن الإخوان بوصفهم أكبر تنظيم سياسى منظم حالياً يحتاجهم الرئيس ليس فقط لأنه عضو فى هذا التنظيم وإنما أساسا فى حاجة لتنظيم شعبى كبير ومنتشر ومنضبط لتفكيك دولة العسكر والأجهزة الأمنية السرية مما قد يؤدى واقعيا وبغض النظر عن النوايا إلى دور قامع باستخدام هذا التنظيم للجم المعارضة. أما ناصر أمين - مدير مركز استقلال القضاء- فيضع روشتة للحيلولة دون صناعة رئيس ديكتاتور جديد، أهم بنودها هي وجود منظمات مجتمع مدني قوية قادرة علي رقابة الأجهزة الأمنية، وضمان التزامها بالقانون وخاصة الطبيعي، واتساق التشريعات المحلية مع التشريعات العالمية الخاصة بحقوق الإنسان وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.