مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب : كيف انهار مرسى فى 48 ساعة؟
نشر في الفجر يوم 07 - 07 - 2013

■البيت الأبيض طلب من آن باترسون إقناع مرسى بإلقاء بيان يقبل فيه بانتخابات مبكرة.. لكنه رفض
■ القوات المسلحة فرضت سيطرتها على التليفزيون وصحف الأهرام والأخبار والجمهورية ووضعت قيادات الإخوان تحت التحفظ انتظاراً لساعة الصفر
■ سعد الكتاتنى رفض حضور اجتماع المجلس العسكرى
مع القوى السياسية والحزبية والدينية.. فرفع الحرج عن الجميع



جلس محمد بديع مرشد «الجماعة» منتشيا وهو يروى لسفير أوروبى قصة الرؤية التى حلم بها عندما كان فى السجن.. «رأيت رسول الله يأتى إلينا فى عنبر الليمان ويمر بيننا موزعا على رفاقى ثياباً بيضاء.. لكنه عندما جاء عندى تجاهلنى تماما.. فجرى أخى خلفه متسائلا عن السبب.. فقال - صلى الله عليه وسلم: إننى لن أعطيه ثوبا وإنما أعطيه صندوقا».

هكذا.. يفسر الإخوان وصولهم إلى السلطة فى مصر.. بصندوق من السماء.. لا بصندوق من الشعب.

بنفس الإيمان كان محمد مرسى يؤمن بأنه يحكم بأمر الله.. لا بأمر نفسه.. وأنه سيظل فى مكانه وينجو من الثورة الشعبية التى انفجرت فى «30 يونيو» بدعم من الملائكة.

قبل 48 ساعة من ساعة صفر التظاهر.. أختبأ هو وعائلته فى دار الحرس الجمهورى.. خوفا من الهجوم عليه فى بيته.. وظل حتى ساعة متأخرة من الليل يتمشى حول حمام السباحة وهو يحرك مسبحته دون أن ينطق بكلمة.. ويمسك بمصحف دون أن يفتحه.. متصورا أن الله يمكن أن ينقذ ظالما.. أو ينصف قاهرا.. أو يدعم مستبدا.

إن يوم 30 يونيو كان يوم ميلاد جديداً لأمة طال حملها عاما.. وأكدت لحظة المخاض أنها لا تزال قادرة على الإخصاب بعد أن جاء من يجفف حياتها.. ويشعرها بالعقم.

فى مساء نفس اليوم.. حرصت الجماعة على عزل مرسى بعيدا عما يجرى خارج مخبئه الآمن.. منعت عنه الأخبار.. كى لا يفزع عند سماعها.. وأبعدت القنوات الفضائية المعارضة.. كى لا ينهار من مشاهد الحشر والحشد التى تبثها مباشرة.. ولم تسمح له سوى بالقناة الإخوانية التى رفعت معنوياته من المخاوف والأوهام التى تطارده فى منامه.

والحقيقة أن القناة الإخوانية تجاوزت كل الحدود فى التضليل والتزوير.. فتعمدت أن تبث مشاهد من تظاهرات مؤيدة.. قديمة.. ادعت أنها خرجت من المحافظات.. بجانب مشاهد أنصاره فى ميدان «رابعة العدوية».

كان بجانب مرسى مستشاره للشئون الخارجية وأقرب المساعدين إليه عصام الحداد، الذى فعل المستحيل ليضاعف من طمأنته والشد من أزره.. وهو ما جعل مرسى يطلب كيلو من قطع «جاتوه سواريه» الصغيرة.. وفى الوقت نفسه طلب من سكرتاريته الخاصة أن تشترى حذاء رياضيا وملابس داخلية (بوكسرات) لأبنائه الذين كانوا معه.. بدعوى أنهم لم يأتوا بكل ما يحتاجون من بيوتهم.

ووصل إلى مرسى تلخيص مكالمة تليفونية جرت بين أحد أبنائه ومقدم برنامج تليفزيونى من أنصاره.. تضمنت تحريضا ضد زملائه الصحفيين والإعلاميين المعارضين وتساءل: «هو والدك ساكت عليهم ليه.. لازم يعتقلهم».. وراح يعدد له الأسماء.. وكنت أنا على رأس القائمة لأسباب معروفة.

ونسى الطرف الآخر فى المكالمة أن يذكره بخدماته القديمة لجمال مبارك فى لجنة السياسات قبل أن يولى وجهه شطر المقطم عارضا خدماته على الحكام الجدد.

والمؤكد أن مرسى لم يكن فى حاجة إلى هذه النصيحة.. فقد سبق أن قرر اعتقال نحو عشرين إعلاميا وسياسيا فور إلقاء خطابه قبل الأخير.. يوم الأربعاء قبل الماضى.. كان مخططا أن يعلن عن مؤامرة.. بكلمة «شفرة».. يجرى بعد النطق بها الاعتقال.

كان متوقعا أن ينفذ الخطة وقت خطاب يلقيه يوم الاثنين.. لكن.. لم يجد سلطة أمنية ينفذ بها ما شاء.. وهو ما أخر الخطاب إلى يوم الأربعاء.. ليجد فى النائب العام بديلا.. فلم يتردد طلعت عبد الله وهو فى الخارج أن يطلب من المحامى العام لنيابات أمن الدولة العليا فحص البلاغات التى تحت يديه لفتحها بما فى ذلك البلاغات التى حفظتها النيابات الفرعية.. وتقرر إصدار أوامر ضبط وإحضار للعشرين شخصية.. ليكون كل شىء بالقانون.. قانونهم.

وقد عرفت بالخطة يوم الأحد السابق لخطابه.. فتوجهت إلى مكتب نقيب الصحفيين ضياء رشوان فى الأهرام.. وكشفت له ما عندى من معلومات.. وبعد ساعات قليلة كنت على الهواء أقدم برنامجى الأسبوعى على قناة «النهار».. فلم أتردد فى فضح ما يدبر لنا.

وكان جزء من السيناريو قطع الإرسال عن القنوات المعارضة واقتحامها وتحطيمها هى والصحف المستقلة المؤلمة.. ولا مانع من حدوث تفجيرات فى أحزاب سلفية لاتهام قوى غير إسلامية بتنفيذها.. ووصل الأمر إلى حد التفكير فى إشعال فتنة أشد.. بقتل شخصية دينية مؤيدة ومؤثرة.

وكان متوقعا القبض على قيادات أمنية يؤمن مرسى بأنها تعمل ضده.. ولكن.. ما أن وصل الخبر إلى وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى حتى أكد أنه سيضرب بشدة كل من يقترب من مبانٍ بعينها.

وبضربة استباقية مبكرة خرج السيسى فى نفس اليوم الأحد ليعلن أن القوات المسلحة ستتدخل تنفيذا لمسئوليتها الوطنية والأخلاقية والدستورية.. ستتدخل لمنع انزلاق البلاد فى نفق مظلم من الصراع والاقتتال أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة.

وما يستحق الاحترام أن لا أحد من الإعلاميين أو السياسيين المهددين شعر بالخوف.. أو تراجع عن موقفه.. بل على العكس.. تضاعفت الحدة.. وزادت السخونة.. فمادام الأمر سينتهى بالسجن فلا معنى للمهادنة.. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الثورة الأخيرة بدأت بالكلمة واللقطة والصورة.. وسبقت الجميع إلى المواجهة.

وحاولت قناة الجزيرة أن تغطى النظام العارى بكميات إضافية من الانحياز والتضليل.. لكن.. الثمرة الوحيدة التى جنتها.. الموت بالسكتة الإعلامية.

وشعرت الحكومة القطرية بالخوف على النظام الإخوانى الحاكم فى مصر.. فالتقى قبل 30 يونيو بيوم أمير قطر السابق حمد بن جاسم وأميرها الحالى تميم مع السفيرين المصرى والأمريكى فى الدوحة.. وقرروا إرسال الشيخ يوسف القرضاوى إلى القاهرة فى مهمة عاجلة للدعم والمساندة.

وما لفت النظر أن الصحف القطرية نشرت الخبر بما يوحى بأن سفر الشيخ إلى القاهرة هو استبعاد عاجل بعد مهلة 48 ساعة.. وكان ذلك يعكس مزيدا من الضلال الكثيف.

والقرضاوى يحمل الجنسية القطرية.. ويضع نفسه وعلمه فى خدمة حكامها.. وإن عفاهم من فتاواه.. فقد أعلن فيما قبل أن من يصافح إسرائيليا يجب أن يغسل يديه بالتراب عشر مرات.. لكنه أعفى الأمير الأب منها بعد أن صافح شيمون بيريز.

كان مقررا أن يؤم أنصار مرسى فى «رابعة العدوية».. لكن.. ابنه عبد الرحمن يوسف أثناه عن ذلك.. فاكتفى بدعوة من يسمعه إلى منح مرسى فرصة للإصلاح بعد أن اعترف فى خطابه الأخير بالخطأ.. وأضاف: إنه إذا لم يستجب فسوف يطالب هو أيضا برحيله.

لقد خسرت قطر بما فعلت.. وهو بالقطع ما يسعد مبارك نفسه.. وطلب مشاهدة الأوبريت الساخر.. «قطرى حبيبى» الذى قدمه باسم يوسف وهو فى قفص محاكمته.

وبمناسبة مبارك.. أشاد سامى عنان مؤخرا بالرئيس السابق.. قائلا: إنه شخص محترم.. لم يجرؤ أحد أن يطلب منه الرحيل.. هو فعلها بنفسه فور أن شعر بتعقد الموقف.. أما مرسى فلن يرحل بسهولة.. مهما كانت خسائر البشر والدم.

لقد تجاهل مرسى تماما تظاهرات 30 يونيو.. ولم يقرب من تمرد التى جمعت لرحيله توقيعات تزيد على 22 مليونا.. كأن الحدث الذى يشغل العالم كله لا يعنى له شيئا.

لم يستوعب مرسى معجزة الشعب الذى كسر قمقم الصبر.. وخرج إلى الشوارع والميادين والكبارى والحدائق والشرفات لكى يسترد دولته المدنية الضائعة.. ويعيد من جديد صورة بلاده الجميلة.

لم يستوعب انهمار الشعب كالبرق على كل شبر من أرضه ليضىء من جديد حاضره الغارق فى عتمة الإخوان وأنصارهم من أحزاب التفجير والتفخيخ.

ثقب الشعب بالون غرور الجماعة.. وفى ساعات قليلة جرح الذئب.. واقتلع أسنانه وأنيابه.

ولم يكن مرسى وحده من استهان بهذا اليوم.. جماعته أيضا استهزأت به.. بل إن المرشد العام محمد بديع ترك مؤيديه المسجونين فى رابعة العدوية وهرب من حر القاهرة إلى قرية «أندلسية» فى الساحل الشمالى ويمتلكها عضو فى جماعته اسمه تاج.

وبقى خيرت الشاطر فى مدينة نصر وهو فى حالة صدمة نفسية حادة تقترب من الذهول.. لم يكن أمامه لعلاجها سوى البحث عن طبيب نفسى بارع مثل الدكتور أحمد عكاشة.

وشعر الرجل الذى يوصف بالأقوى بالقلق عندما وجد من يهدد بيته بالاقتحام.. وأطلق أحد حراسه النار.. فتدخلت الشرطة بالقبض عليه ومصادرة أسلحة غير مرخصة وساقته إلى قسم شرطة مدينة نصر.

وعندما أشيع أن عصام سلطان سيسافر إلى الخارج.. سارعت مجموعة من الشباب بقطع الطريق فى انتظاره.. لكنه.. لم يأت.

وحبست أصوات صفوت حجازى وأبو العلا ماضى وحازم أبو إسماعيل.. فلم يعد أحد منهم قادرا على الطرب النشاز.

لم يقدر أحد من قادة الإخوان حجم وقوة وخطورة ما سيحدث يوم 30 يونيو.. وراحوا يتحدثون عن حشود ضعيفة.. هزيلة.. مثلها مثل ما سبقها.. وكانت خطة المواجهة لا تزيد عن إخراج أعداد من البلطجية تسرق وتنهب وتحرق وتحطم وتخرب وتقتل لكى يلوث المتظاهرين.. لكن.. خروج الملايين بهذه الكثافة غير المتوقعة من أحد فيما وصف بأضخم مظاهرة فى تاريخ الشعوب الحرة.. أصاب مكتب الإرشاد ومجلس شورى الإخوان والتنظيم الخاص بالخرس.. ولم يصدق أحد منهم ما ترصده غرف عملياتهم من صور ولافتات ومطالب.. وما زاد من إحساسهم بالخطر.. سهولة حرق مقار حزبهم.. الحرية والعدالة.. ووصول الحريق إلى مقر المرشد فى المقطم.

إن فى علم السياسة ما يسمى بالسوابق.. كل فعل يقوم به الشارع يسبقه فعل قامت به السلطة الحاكمة.. والإخوان هم من سكتوا عن حرق مقار خصومهم.. وشجعوا محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى.. واستخدام القوة فى الهجوم على السجون.. وقتل الشباب أمام قصر الاتحادية.. فلم يكن صعبا أن ينالوا جزاء ما فعلوا.. لقد سنوا سنة سيئة فنالوا عقابها.

لقد كان يوم 30 يونيو يوم عيد.. عيد تحرير مصر من احتلال لم تعرفه من قبل.. ولكن.. ربما كانت المرة الأولى التى يأتى فيها عيد الأضحى قبل عيد الفطر وقبل شهر رمضان.

فى هذا اليوم رسمت مصر حروف اسمها بالنور والنار فى كتاب التضحية.. ومزامير الثورة.. لتكتشف أن صوتها فى هتافات شبابها.. لا فى حناجر مغنيها وسياسييها.

وضعت مصر فى إصبع يدها اليسرى خاتم زواجها على شاب مثقف.. متحرر.. يجيد لغة العصر.. متحرر.. متدين.. يحترم الأصول.. ينتمى إلى عائلة طيبة.. وعقدت قرانها فى الأزهر الشريف.. وشهد العقد بابا الكنيسة المرقسية.. وكتب العقد على استمارة من تمرد.. وصنعت المحلة طرحتها البيضاء.. وجاءت فرقة مشتركة من النوبة وسيناء ومدن القناة لتزفها.. بجانب استعراضات التحطيب الصعيدية.. ونزل عمرو بن العاص عن حصانه.. وقدم للعروسين عباءته وسيفه.. وقرأ لهما سورة الفتح.

لم تفلح خطة البلطجة الإخوانية.. فكثفت قياداتها الاتصالات الداخلية والخارجية وانقسموا فيما بينهم إلى فريقين.. حمائم وصقور.

كانت مهمة الحمائم تذكير الصقور بالقاعدة الذهبية التى أرساها مؤسس الجماعة حسن البنا.. التضحية بكل شىء مهما كان ثمينا.. أو رئيسا.. وهو ما يفسر تلونها مع كل عصر.. ولعبها على كل حبل.. مع كل حكم.. وتحالفها مع كل قوى.. وسحقها لكل ضعيف.

وخلص الحمائم إلى أن مرسى ليس أغلى علينا من الجماعة.. ما المانع أن نضحى به لتعيش.. هو ذاته أقسم على السمع والطاعة.. ترشح يترشح.. اضرب يضرب.. اسكت يسكت.. اخرج يخرج.. وهو ما يفسر الهتاف الشعبى الثاقب الواعى: «يسقط حكم المرشد».

أما الفريق الآخر، فكان متحمسا للمقاومة.. و«لو قدمنا مائة ألف شهيد».. ورفع شعار «مرسى أو الشهادة».. ومثل هذا الفريق المرشد ونائبه.. وهما ينتميان لما يسمى بالتنظيم القطبى.. نسبة إلى سيد قطب.. مجدد الجماعة فى الخمسينيات.. ومدبر مؤامرة 1965 لتفجير مصر واغتيال رئيسها جمال عبد الناصر.

ورغم أن مرسى ليس من بين القطبيين وسبق تجنيده وهو يدرس الدكتوراة فى الولايات المتحدة فى منتصف ثمانينات القرن الماضى.. إلا أنه إنحاز إلى فريق العنف.. أما السبب، فهو إدمان السلطة المبكر الذى أصابه.. وحالة الترف والنعيم التى يعيش فيها هو وعائلته.

لقد جاء من البرش إلى العرش.. من الزنزانة إلى الرئاسة.. من الكستور إلى الحرير.. وقبل أن يحلف اليمين سارع بتفقد مكتب الرئيس فى الاتحادية.. وقبل أن يفتح ملفات المشاكل سأل عن حراساته ومخصصاته.

وما يثير الدهشة أنه حكم مصر من قصر جهزه مبارك وركب طائرته واستخدم سياراته وخطب من مبانيه ورغم ذلك يصر على الهجوم عليه دون أن يتنازل عما ينعم به.

غرق مرسى فى الترف.. نام على فراش الملك فاروق فى قصر المنتزه.. سكن الأجنحة الفندقية الفاخرة فى العواصم التى زارها دون أن نجنى من ورائها شيئا.. وعرفت عائلته ركوب الطائرات الخاصة.. والإقامة فى المنتجعات السياحية الراقية.. فكيف يمكن أن يترك مرسى كل ذلك ويرحل؟

وفى الوقت نفسه شاركته قيادات جماعته فى المكاسب الهائلة.. أنشئوا شركات.. جنوا ثروات.. اقتنوا طائرات وفيللات.. وهربوا مختلف العملات.. فكيف يمكنهم أن يتسرب ما جمعوه من بين أيديهم كالماء؟

وما ضاعف من حماسهم للمقاومة أنهم لن يضحوا بواحد من أبنائهم.. وإنما سيضحون بالشباب الغافل فى الجماعة بعد أن منحوه صك دخول الجنة.. لم يكن هناك ما يخسرونه.. ربما بقوا فى أماكنهم وإن دفع غيرهم الثمن.. وهو ما يفسر اختفاءهم عن مشاهد تظاهرات المؤيدين.. لقد أعلنت الحرب ولكن القادة كانو على حمامات السباحة.

ولابد أن المرشد وهو يجلس أمام البحر قد تساءل مندهشا: ما كل هذه الحشود التى خرجت تطالب بإجلائهم عن الوطن؟ ما الذى فعلناه لنلقى هذا المصير؟ لكنه.. بالقطع لم يفكر فى إجابة حقيقة يرفضها.

إن الأزمات وحدها لا تكفى لتحريك الشعب المصرى ضد الحاكم.. فمصر تاريخ طويل من الأزمات والمعاناة والمتاعب.. لكن.. ما استفز الشعب المصرى أن هناك من يكفره.. ويشكك فى إيمانه.. والمسجل للمصريين أنهم أول من عرف الله قبل الرسالات السماوية.. هم الذين علموا البشرية التوحيد فى وقت ساد فيه الشك والوثنية وعدم اليقين.

عاش المصريون وشافوا من يدعى عليهم بعدد شعر لحيته التى تسللت إلى نصف صدره.. سمعوا بآذانهم من يحرم عليهم عيشتهم.. ويشكك فى أغلى ما يؤمنون به.. تدينهم.

وتعجبوا من مشهد رئيسهم وهو يرفع علم دولة أخرى.. ويحتضن القتلة والمجرمين.. ويعفو عن الإرهابيين.. ويسجن الثوار.. أصبح بما يفعل ليس منا.. ليس وسطيا.. وبتضحيته بقواعد السيادة الوطنية لم يعد لائقا سياسيا.

وأهم ما أفزع المصريين الشعور بأن الثورة سرقت منهم ووصلت إلى سلطة تريد تغيير طباعهم الإنسانية.. وجيناتهم الوراثية.. وخصائصهم الحضارية.. فجعلت الحب كرها.. والتسامح بغضا.. والتوافق تناحرا.. والتحديث تراجعا.. والإبداع كفرا.. والتوحد انقساما.. والنور ظلاما.. إن انقطاع ضوء الكهرباء يمكن احتماله.. لكن.. انقطاع ضوء التنوير لا يمكن قبوله ولا السكوت عليه.

ووصل غباء النظام وجماعته إلى نموذج فى الغباء السياسى ليس له مثيل.. فقد خاصم الثوار.. وهاجم القضاء.. وابتز رجال الأعمال.. وأهان الإعلام.. وعبر عن فقدان ثقته فى أجهزة الدولة السيادة.. من الجيش إلى الشرطة.. ومن الأمن الوطنى إلى الأمن القومى.. وبصورة مرضية تعامل معها كأنها تتآمر عليه.. فلم يعد أمامه أحد يقبل التعامل معه.. وعندما وصلت توقيعات تمرد إلى 15 مليون توقيع تحركت أجهزة القوة فى البلاد ناحية الشارع فى انتظار أن تعبر هذه الملايين عن نفسها فى الشارع.. على الأرض.. فبدأت جهازا بعد آخر تنضم إلى الشعب علنا.. بلا مواربة.. وبلا مسك للعصا من النصف.

قبل تظاهرات 30 يونيو عقد وزير الداخلية محمد إبراهيم 16 اجتماعا فى نادى تجديف الشرطة فى الجيزة مع قوى ثورية ومسئولين حزبيين ليطمئنهم عن مساندة الشرطة لهم.. والاجتماع الوحيد الذى لم يتم كان مع النائب العام طلعت عبد الله.

جرت الاجتماعات فى مكتب خاص مجهول.. كان يستخدمه حبيب العادلى.. ودخل الضيوف من باب جانبى بعيد.

لكن.. ما دفع الوزير لتغيير موقفه من مساندة النظام إلى مساندة الشعب هو موقف ضباط الشرطة خاصة الشباب منهم.. فقد رفضوا أن يكونوا أداة قمع ضد شعبهم.. وكانت تظاهرات 30 يونيو فرصتهم الأخيرة لكى يستردوا ثقة المصريين فيهم.. وقد أعلنوا موقفهم مبكرا قبل التظاهرات.. وضاعف من قوة موقفهم قائمة اغتيالات زملائهم وآخرهم العميد محمد هانئ.. وما يثير الانتباه أن النظام لم يؤخر عليهم شيئا.. وأفرط فى شراء سيارات فض الشغب.. فشاء الله أن تستخدم ضده.

ولسنا فى حاجة للتذكير بموقف القضاة.. لا ينسى أحد موقف المستشار أحمد الزند.. ومن معه.. لكن.. شجاعة أهل العدالة وصلت إلى ذروتها بالحكم الذى أصدره المستشار خالد محجوب رئيس محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية بإحالة محمد مرسى وباقى أعضاء مكتب الإرشاد إلى النيابة للتحقيق معهم بتهم التخابر والهجوم على السجون والاستعانة بمنظمات أجنبية مسلحة فيما يمكن تلخيصه بالخيانة العظمى.

أما الموقف الأكثر شجاعة وحساسية، فكان موقف القوات المسلحة.. والشجاعة.. أن تقف بجانب شعبها.. والحساسية أن يوصف موقفها بالانقلاب العسكرى.. ولو حدث ذلك، فإن العالم الديمقراطى الحر وعلى رأسه الولايات المتحدة سوف تقاطع تدينه.. وتقاطعه.. وتفرض عليه عقوبات لا حصر لها.. وبالقطع لن تحصل المؤسسة العسكرية المصرية على المعونة السنوية التى تتلقاها من واشنطن وتصل إلى مليار و30 مليون دولار.

وانتظر وزير الدفاع حجم الحشود فى 30 يونيو كى تحسم حالة الالتباس القائمة.. ثورة شعبية أم انقلاب عسكرى.. وبخروج أكثر من 17 مليون مواطن ضد النظام اتجهت المنطقة الملتبسة ناحية الثورة الشعبية.. وسجلت طائرات الهليكوبتر مشاهد الميادين والشوارع المكتظة بالغاضبين وفى دقائق كان العالم كله يشاهدها.

لكن.. جرى الإخوان وعلى رأسهم عصام الحداد ليستجيروا بالسفيرة الأمريكية آن باترسون المنحازة لهم بعد أن أرسلت القائم بالأعمال إلى مرسى نفسه.. ووصلت المطالب الإخوانية إلى حد مطالبة الولايات المتحدة بالتدخل العسكرى.. فى حالة لم يسبق لها مثيل من حالات الخيانة الوطنية.

كانت هناك عدة اعتبارات حكمت الموقف الأمريكى.. أن البنتاجون يصعب عليه التضحية بعلاقته المتينة بالجيش المصرى.. ولن يقبل بسهولة ضرب علاقته الاستراتيجية به.. كما أن البنتاجون مستفيد من هذه العلاقة.. ويعتبرها أفضل استثمار لبلاده فى مصر.. كما سمعت ذلك بنفسى من القائد الأسبق للمنطقة المركزية الأمريكية الجنرال أنطونى زينى خلال زيارة إلى واشنطن جرت فى الشتاء الماضى.

وحسب ما سمعت من باحثين أمريكيين، فإن الكونجرس كان قلقا من أن يكون تدخل الجيش المصرى نوعا من الانقلاب حتى لا يجبر على حرمانه من المعونة السنوية.. ولكن.. كان هناك من أوضح له أن ما حدث ثورة حماها الجيش.. فالجيش لا يريد أن يحكم.. لكنه.. يؤدى واجبه الدستورى فى حماية الشعب.

وخرج الموقف الأمريكى غامضا.. يتحدث عن الشرعية.. دون أن ينسى القول بأن الشرعية لا تعنى الانتخابات وحدها.. ويجب مساندة الشعب دون إحداث خلل فى القواعد الديمقراطية.. وهو موقف يصعب على واشنطن التعبير عن غيره.. وكان رأيها أنها لن تؤيد مباشرة ما يحدث ولكنها فى الوقت نفسه لن تتخذ إجراءات عقابية ضده.

وبهذا الموقف فشلت آن باترسون فى فرض طفلها الملوث على مؤسسات صنع القرار فى بلاده.. مجلس الأمن القومى.. البنتاجون.. ووكالة المخابرات المركزية.. وهى الجهات الثلاث التى كانت تعارض ما تفعل.. فليست مصر باكستان أخرى.. وبهذا الفشل.. فقدت مستقبلها السياسى قبل أن تفقد غرورها الذاتى.

طلب البيت الأبيض منها أن تقنع مرسى بالخروج إلى الشعب وإلقاء بيان خاطف يتحدث فيه عن الشعب الذى منحه الثقة وسحبها منه، مما جعله ينزل عن إرادته ويقبل بانتخابات رئاسية مبكرة مع وجود حكومة ائتلافية جديدة وتفويض المجلس الأعلى للقضاء باختيار نائب عام جديد.

لكن.. التقرير الذى رفعه إلى السفيرة القائم بالأعمال بعد لقاء مرسى، أكد أن مرسى يؤمن بأن الله سينصفه عن الشعب المصرى كله الذى يرفضه.. ووصلت إلى نفس النتيجة بعد أن التقت عصام الحداد.

وخرج مرسى ليتحدث 45 دقيقة فى خطاب ممل ومستفز لم يقدم شيئا ولم يهدئ أحدا، بل على العكس ضاعف من غضب الشعب عليه.. وفى الوقت نفسه بدا الخطاب كأنه دعوة إلى أنصاره إلى استخدام العنف وإضافة المزيد من القتلى.

رفع الخطاب الكثير من الحرج عن الإدارة الأمريكية.. خاصة أنه كان متوقعا أن يرفض المتظاهرون القبول باستمرار مرسى شهرين كرئيس مؤقت.. فقد أصبح المطلب الذى لا مفر منه هو رحيله.

وفى الليلة نفسها بدأت عملية تطهير المؤسسات من الإخوان.. وتحررت الصحف القومية الثلاث.. وتحررت قنوات التليفزيون والراديو فى ماسبيرو.. وقفت مع الشعب.. وأخرجت الداخلية طابور الإخوان الخامس بين قياداتها.. ووضعت هى والقوات المسلحة خططا عاجلة متقنة لحماية المتظاهرين على الأرض.. وشملت هذه الخطط وضع قيادات الجماعة تحت التحفظ ومنعها من السفر وحرمانها من التصرف فى أموالها.

وأصبح على القوات المسلحة وضع سيناريو سياسى محكم يعكس إرادة الشعب دون إقصاء فدعت شخصيات سياسية وحزبية ودينية من مختلف ألوان الطيف بما فيها حزب الحرية والعدالة الذى رفض رئيسه سعد الكتاتنى الحضور.. فرفع الحرج عن الحضور.

وفى تمام الساعة التاسعة من مساء اليوم خرج الفريق أول عبد الفتاح السيسى ليعلن نهاية الكابوس فيما سمى بخارطة المستقبل.. وانتهى حكم مرسى وجماعته.. لتبدأ مرحلة جديدة فى مصر.. لن تخلو من مقاومة الخوارج باستخدام السلاح.. لقد عادت الحرية، ولكن لنحذر من الجماعات الإرهابية.. فطيور الظلام لا تقبل التعايش مع النور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.