الشعب اتغير والمجلس لسه تمسك بإحدى الحكايات البالية فى مجالس سرور ليتهرب من مواجهة زميل له
فى مقدمة ابن خلدون مقولة أو بالأحرى مبدأ شهير: إن الشعوب المنهزمة تقع فى أسر المنتصرة وتقلدها.. ولكن رئيس مجلس الشعب الإخوانى الدكتور سعد الكتاتنى خالف هذه القاعدة الشهيرة، فقد وقع فى اسر تقليد رئيس المجلس السابق فتحى سرور.. رغم الفوز الكبير لحزب الحرية والعدالة ورغم الأغلبية التى وصلوا اليها بالتحالف مع بعض الاحزاب.. رغم هذا وذاك.. فإن نشوة الانتصار لم تدفع بالكتاتنى إلى نسيان سنوات قهر د. سرور واغلبية الحزب الوطنى المنحل والفاسد.
منذ اللحظة الاولى اختار الرجل السير على طريق رئاسة سرور.. اختار نفس المقعد.. وكرر نفس جملة سرور العقيمة لاعلان ترشيح نفسه؟ جملة (أتشرف بترشيح نفسى لرئاسة المجلس). امتدت حركة السير على خطى سرور إلى استخدام مكتبه الخاص قريب من القاعة لتأدية الصلاة.
ولكن الخطأ الاكبر الذى وقع فيه رئيس المجلس الجديد.. هو رفضه القاطع لأن يتحدث عن نفسه لمدة دقيقتين أو ثلاث.. وكان النائب عصام سلطان قد اقترح أن يقدم كل من مرشحى رئاسة المجلس للنواب.. وذلك من باب التعارف وممارسة القواعد الديمقراطية.. ومنذ البداية انفجرت اسطوانات الغضب من نواب حزب الحرية والعدالة.. وتعالت صيحات اقعد اقعد تواجهه فى اليوم الاول للتوافق البرلمانى الذى أطلقه حزب الإخوان.
جرى نواب لإقناع الكتاتنى بتنفيذ الطلب، وأدرك نواب آخرون من قدامى نواب الإخوان ان الصورة سيئة.. فلاشك ان بعضهم تذكر نواب الوطنى على نفس المقاعد على يمين القاعة، وهم يصرخون فى نواب المعارضة ومنهم الإخون، وبنفس الهتاف (اقعد اقعد).
لم يفهم كثير من النواب رفض الكتاتنى لهذا المطلب البسيط.. ولكن بعض نواب حزب الحرية والعدالة كشفوا السر خلال المناقشات الجانبية خارج القاعة.
ففى مجلس الشعب عام 2000 وهو أول برلمان تجرى انتخاباته بالإشراف القضائى الكامل.. واول يوم فى المجلس وخلال الجلسة الاجرائية قرر النائب محمد فريد حسنين ترشيح نفسه أمام الدكتور سرور.. وأراد بعض نواب الوطنى الاستهزاء به فقالوا له (عرف نفسك) وأغرقوا فى الضحك.. فرد سرور لإنهاء هذا الموقف بأن اللائحة تمنع ذلك.
وقد كان من عادة رئيس مجلس الشعب السابق.. ان يعتبر كلامه (سوابق برلمانية).. وكانت هذه الطريقة محل سخرية وغضب من البرلمانيين والباحثين الجادين.. وانتشرت نكتة بشكل محدود بينهم (إن كحة الدكتور سرور بقت سابقة برلمانية).
للأسف لم يخرج الكتاتنى من عباءة سرور البرلمانية. لا أتحدث فقط عن واقعة اختيار كرسى أو تشابه حركات التوتر الخفيف بينهما طوال فترة انتخابات الرئيس واللعب فى الميكروفون.
قصة الكرسى لم تقلقنى كثيرا، فمن باب الموضوعية أفترض ان اليوم الاول أو بالأدق اللحظات الاولى كانت صعبة.. خاصة أن كل خبرة الكتاتنى البرلمانية نمت وترعرعت فى ظل مجالس الدكتور سرور.
ومن هنا يكمن الخطر.. فرئيس المجلس الجديد يجب ان ينسف الكثير والكثير من هذه الخبرة على طريقة اعلان انسف حمامك القديم.
نحن لا نريد تغييراً فى الأسماء والوجوه أوحتى الاتجاهات السياسية، فالتغيير الحقيقى والحتمى يكمن فى إدارة الدكتور الكتاتنى للمجلس.. وفى استمرارية نظام اللائحة والمخصصات والسفريات البرلمانية، وحماية النواب من ملاحقة القانون فى عهد سرور.
لو أراد الدكتور الكتاتنى التغيير فليبدأ بنفسه.. ويتخلى عن المخصصات المبالغ فيها فى عهد سرور.. ولا أريده ان يفعل ذلك فى السر.. فنحن لا نتحدث عن صدقة.. ولكننا نتحدث عن اموال الشعب، ومن حقه ان يعرف بالتفاصيل والمستندات رحلة أمواله فى مجلس الشعب.
بالأمس ظهرت عدة سيارات فاخرة فى جراج المجلس.. سيارتان مرسيدس واثنتان بى ام فى جيب كبيرة (4فى 4). ولفتت السيارات الأنظار بل خطفتها، وأكد بعض القدامى ان هذه السيارات هى السيارات المخصصة للدكتور سرور وحراسته، وزاد آخرون بأن بعض السيارات سترسل إلى منزل الدكتور الكتاتنى بعد يوم انتخابه.. وعلق طرف ثالث مؤكدا ان سيارتين من هذه السيارات على الاقل مصفحة.. لا أستطيع ان اؤكد هذه المعلومات، ولكن ما اطالب به الدكتور الكتاتنى هو طرح كل مخصصاته كرئيس مجلس.. وان يتم ذلك فى القاعة حتى نسجل للتاريخ أن ثمة اختلافا قد حدث، أو أن يعلن عن تخليه عن بعض السيارات المخصصة لرئيس المجلس، وذلك فى اطار احساس مجلس الشعب بالأزمة الاقتصادية الراهنة والضاغطة على المواطنين، أو يتبرع بها لتباع فى مزاد علنى لصالح المصابين وأهل شهداء الثورة.
بعيدا عن الملف المالى الذى ظل مغلقا بالضبة وألف مفتاح طوال رئاسة سرور.. فالكتاتنى ورث تركة ديكتاتورية اسمها اللائحة الداخلية لمجلس الشعب.
بعض مواد اللائحة تسلم مقاليد القرار فى المجلس للرئيس تسليم مفتاح.
ولا يجب ان نتعلل بضيق الوقت أو رغبة المجلس فى انجاز مطالب الثورة والمواطنين.. فالدكتور الكتاتنى يستطيع ان يتحلل من بعض سلطاته ويفوضها للمجلس أو لبعض النواب.. كان على الكتاتنى ان يعلن فور جلوسه على كرسى الرئاسة عن تشكيل لجنة لتغيير لائحة المجلس.. ويطلب من النواب المشاركة بالآراء والأفكار.. ويعلن ان قيادة المجلس الجديدية الثورية ستفتح النوافذ.. وتزيد من اتساع دائرة حقوق النواب. كان من المتصور أن يعرض الكتاتنى بعض الأفكار الديمقراطية.. مثلا يقرر ان يأخذ رأى المجلس بأكمله فى كل قرار لترسيخ مفهوم الانقلاب على مجالس سرور وحزبه الوطنى المنحل. أو ان يعلن لل 30 مليون مواطن اللى اختاروا النواب قراراً مهماً.. مثل التعهد بتنفيذ القانون والدستور ورفع الحصانة على اى نائب فورا، وذلك لنفى السمعة السيئة للحصانه. كان بإمكان الدكتور الكتاتنى شق عصا الطاعة، ولا تزال الفرصة سانحة. بشرط وحيد.. ان يقوم هو وحزبه بمراجعة وغربلة ما فعله د. سرور بالمجلس لمدة عشرين عاما تحت سيطرة الحزب الوطنى.. فلا يجوز ان يكرر مجلس شعب الثورة أخطاء مجلس طالبت ثورة 25 يناير بإلغائه بل نسفه نسفا.
أما ان يبدأ الدكتور الكتاتنى رئاسته للمجلس بإعادة إنتاج بعض خطايا البرلمانات السابقة، فبصراحة دى حاجة لا تبعث على التفاؤل