أظهرت نتائج الانتخابات العراقية - غير الكاملة - التى إعلنت أمس الإثنين تفوقا واضحا لائتلاف دولة القانون الذى يقوده رئيس الوزراء المثيرللجدل نوري المالكي ، وهو ما يعزز فرضية السعي إلى تحالفات ذات صبغة طائفية ، تعتمد بالأساس على الكتل الصغيرة أو المستقلين ، ضمن مهمة شديدة الصعوبة لتشكيل حكومة اغلبية سياسية تقود البلاد خلال السنوات الاربعة القادمة . فالنتائج تبين بوضوح أن ال(92) مقعدا او (95) مع اضافة قوائم صغيرة تابعة لائتلاف دولة القانون ، او حتى (120) مقعدا مع اضافة مقاعد الكتل المؤيدة ضمنيا لدولة القانون مثل الاصلاح بقيادة رئيس الوزراء الاسبق ورئيس التحالف الشيعى الدكتور ابراهيم الجعفري ، والفضيلة بقيادة وزير العدل حسن الشمري والدعوة - تنظيم العراق نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي وغيرها لا تكفي للوصول الى نصف الرقم المطلوب لتشكيل السلطة التنفيذية بمؤسساتها المختلفة. وفيما تؤكد الكتل السنية وعلى رأسها " متحدون" التى يقودها رئيس البرلمان أسامة النجيفى أو ذات الغالبية السنية مثل العراقية التى يقودها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوى ، عدم التحالف مع رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى ، فان ما يجري الحديث عنه بالنسبة للتحالف الوطني " الشيعي" وهو من يملك اغلبية مريحة داخل مجلس النواب ، فأن الامر لا يعدو أن يكون حديثا عن (اغلبية طائفية) وليس سياسية وفق طبيعة بنية التحالف الوطني . اما من جانب التوصيف السياسي للحكومة التي يشكلها التحالف الوطني فهى "حكومة ائتلافية" ، على اساس ان التحالف هو تكوين تشكل خارج اطار الانتخابات البرلمانية ، وبذلك فأن طبيعته السياسية هو أنه يتألف من كتل واحزاب عدة تحالفت على ضوء نتائج الانتخابات لتشكيل اغلبية مريحة ، حيث أن طبيعة هذا التحالف المبني على اساس (طائفي) بالدرجة الاولى ، كون التيارات المؤتلفة تشترك بانتمائها لطائفة واحدة ، وتختلف في رؤاها السياسية وعملية ادارة الدولة كما هو واضح من برامجها الانتخابية او تصريحاتها الرسمية التي رافقت الانتخابات وسبقتها. وحتى يحقق التحالف الوطني تشكيل "حكومة اغلبية" ، فان عليه ان يعمل على ترشيح رئيس للجمهورية ورئيس للبرلمان ورئيس للحكومة والتشكيلة الوزارية بنفسه ، ويسمي من يريده وزيرا او على رأس منصب سيادي ، دون الطلب من الكتل والائتلافات الاخرى ترشيح من يمثلهم لهذا المنصب او ذاك ، وهو إذا فعل ذلك اصبحت الحكومة إئتلافية ذات محاصصة عن طريق توزيع الادوار. أما عندما يتم الاعلان عن قيام إئتلاف دولة القانون والمتحالفين معه من الشيعة بتشكيل الحكومة بالاغلبية ، فيما سيكون منصب رئاسة الجمهورية للاكراد ورئاسة البرلمان للسنة خاصة مع اعلان كتلة متحدون تسمية رئيسها اسامة النجيفي كرئيس للبرلمان او الجمهورية ، فأن الامر يبدو اعادة لحكومة " المحاصصة" او حكومة (الشراكة) بصيغة جديدة . ومقابل الاعلان عن تفعيل التحالف الوطني " الشيعي" ، وان رئيس الوزراء المقبل لا يخرج عنه كونه من يملك الاغلبية المريحة ، سيكون هناك محاولات لتشظي الموقف الكردي وموقف (العرب السنة) ، فأن نجحت يمكن لدولة القانون ان يحصل على تحالفات خارج التحالف الوطني ويشكل حكومة بولاية ثالثة لرئيس الوزراء الحالى نوري المالكي ، لاسيما مع استخدام التلويح بمناصب سيادية ووزارية لشخصيات وكتل سنية تحظى بموقف قوي وفق نتائج الانتخابات. فيما يمكن أن يكرس نجاح الائتلاف الوطني الذى يضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والمواطن بزعامة عمار الحكيم " المنشقين عن التحالف الشيعي " ، في اقناع التحالف الكردستاني الذي شكل لجنة موحدة للتفاوض والعرب السنة الذين اعلنوا عن تشكيل تحالف باسم "الاتحاد" من الدخول في تحالف ، افضلية تسمية رئيس الوزراء وبهذا ستكون الحكومة ايضا " حكومة ائتلافية أو " مشاركة" . وبما أن منصب رئيس الوزراء محسوم من جانب الجهة التي تسميه ، وهو منصب من نصيب " الشيعة" ، سينحصر الخلاف الذي يحتاج الى توافق بين "العرب السنة" و"الاكراد" ، بشأن منصب رئيس الجمهورية الذى استحوذ عليه الاكراد منذ تأسيس العملية السياسية بعد الاحتلال الامريكي . إلا أن الخلاف على إسم رئيس الوزراء الذى يريد نورى المالكى الاحتفاظ به للمرة الثالثة فى ظل خلاف شديد مع الحلفاء الحاليين والسابقين ، يمكن أن يطيل أمد الأزمة لعدة أشهر ، حيث يتطلب تشكيل حكومة سواء " حكومة أغلبية" أو "حكومة إئتلافية" ، يتطلب الحصول على نصف عدد البرلمان زائد واحد أى 165 نائبا ، وهو أمر يبدو شديد الصعوبة فى ظل تهاوى التحالف الشيعى بانشقاق الصدر والحكيم عنه . وكانت الانتخابات العراقية التى جرت في 30 ابريل الماضى ، قد جرت وسط أجواء متأزمة بسبب الصراعات ، أنتجت تشظيا للائتلافات القديمة الكبرى التي خاضت الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2010 ، وخاصة القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي الذى فقد الكثير من الحلفاء ، التحالف الوطنى الذى كان يقوده ابراهيم الجعفري ويضم ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي وكتل شيعية أخرى انشقت عنه . وإنقسمت التحالفات طائفيا ومناطقيا بشكل جعل المشهد العراقي يبدو كخارطة ممزقة على الطائفيت الشيعية والسنية والقوميتين العربية والكردية ، حيث سعى كل تحالف بصبغته الطائفية أو المناطقية أن يحشد الأنصار والأعوان ، دون النظر إلى التنوع والتعدد الذى كان يجب أن يغلف المشهد العراقي بعد 11 عاما من إنهيار نظام صدام حسين . فالتحالفات السنية أو ذات الاغلبية السنية إنقسمت بين ائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ، ضم 17 كتلة في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار والعاصمة بغداد . فيما ضم "ائتلاف كرامة" بقيادة رئيس المعهد العراقي للدراسات الاستراتيجية وراعي القائمة العراقية سابقًا الشيخ خميس الخنجر ،عددًا كبيرًا من الشخصيات الوطنية وزعماء العشائر، وقيادات مقربة من ساحات الإعتصام في المحافظات السنية الشمالية والغربية . وأعلن الإعلامي سعد البزاز عن قائمة تحمل إسم "المحور العربي" جمع السنة العرب في القائمة العراقية السابقة ، حيث ضم إليه نوابا وشخصيات سياسية ورؤساء عشائر ، مثل الشيخ عبد الله الياور النائب عن محافظة نينوى الشمالية ومظهر الخربيط النائب عن محافظة الأنبار الغربية ورعد الدهلكي النائب عن محافظة ديإلى شمال شرق بغداد وشعلان الكريم النائب عن محافظة صلاح الدين شمال غرب بغداد اضافة إلى طلال خضير الزوبعي النائب عن منطقة ابو غريب في بغداد. كما عبر ائتلاف "العراقية العربية" عن توجهات ومطالب العرب السنة أيضا ، وتم الاعلان عن تشكيل الائتلاف برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك ويضم عشرة كيانات سياسية هى الجبهة العراقية للحوار الوطني برئاسة المطلك ، وحزب النشور العراقي برئاسة عماد جابر إبراهيم والتجمع الجمهوري العراقي برئاسة هاشم جعفر وائتلاف الجماهير الوطني برئاسة أحمد عبدالله الجبوري ، والائتلاف الجديد حركة التصحيح الوطني برئاسة كامل كريم وكتلة الجماهير الثانية برئاسة عدنان ذياب وكتلة العهد الوطني برئاسة خالد عبدالله، ، وكتلة مقتدون للسلم والبناء برئاسة علي ذياب وحركة النهرين برئاسة مشعان مهدي الجبوري ، وكتلة الاستقرار برئاسة جاسم محمد. فيما خاضت حركة الوفاق التي يتزعمها اياد علاوي، الإنتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة منفردة لا تضم شركائها في القائمة العراقية التي كان عمادها العرب السنة رغم أن رئيسها " علاوي" شيعى ، وقد تراجعت قائمته بشكل كبير بعد أن كان يحتل المركز الاول فى انتخابات 2010 . وإنقسمت التيارات الشيعية بعد إنفراط عقد " التحالف الوطني " الذى شكل الحكومة السابقة برئاسة نورى المالكى إلى عدة كتل ، أولها "التيار الصدري" بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الانتخابات الذى خاص الانتخابات بقائمتين يترأس الاولى جعفر الصدر نجل المرجع الديني الراحل آية الله السيد محمد باقر الصدر ، فيما يتراس الثانية القيادي في كتلة الأحرار الصدرية النائب بهاء الاعرجي. كما إنشق السيد عمار الحكيم الذى خلف والده فى قيادة المجلس الاعلى الاسلامى ، ليشكل كتلة "المواطن" التى حازت على المركز الثانى فى الانتخابات الحالية بتحالفها مع كتل ومجموعات سياسية شيعية ذات خطاب سياسي معتدل . أما ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي الذى وجد نفسه منفردا بعد إنفضاض الحلفاء التقليدين ، فقد أعاد الحضور بالتحالف مع من تبقى من الانصار مثل حزب الدعوة الإسلامية - تنظيم العراق بقيادة نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي وكتلة مستقلون ، برئاسة نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني ، كتلة بدر برئاسة وزير النقل هادي العامري ، وانضم اليهم تيار الاصلاح بقيادة الدكتور ابراهيم الجعفري . أما الأكراد فقد خاضت القوى السياسية الممثلة لهم الانتخابات منفردة ، ومنها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني وحركة تغيير برئاسة شيروان مصطفى ، بسبب طبيعة النظام الانتخابي لقانون الانتخابات البرلمانية. وتشير تقارير وتسريبات إعلامية إلى انه يمكن ان يعيد " دولة القانون" انتاج المشهد السابق ويتحالف مع باقي أطراف "التحالف الشيعي" لتشكيل الحكومة ، رغم الخلافات الراهنة مع التيار الصدر والمجلس الاعلى الإسلامي ، إلا أن هذا الأمر لن يتم إنجازه إلا بتدخل مباشر من الدولة ذات الحضور والتأثير الأكبر فى المشهد العراقى وهى إيران ، وذلك يعنى أن الخندق الطائفي سيستمر وسيتم تعميقه بشكل لا يسمح للعراق أن يتعافى فى القريب .