قد يصور البعض من المحللين السياسيين الزيارة الأخيرة التى قام بها وزيرا الدفاع والخارجية المصريين إلى روسيا الاتحادية على أنها مناورة سياسية أو تحول فى مجرى العلاقات المصرية الدولية ترتب على الموقف الأمريكى الذى اتسم بعدم الاتساق مع الوضع السياسى المصرى الراهن والتغيرات التى طرأت عليه وأربكت حسابات الجميع، وما استتبع ذلك من تصريحات تتجاوز جميع الأعراف الدبلوماسية المتبعة فى تعاملات الدول مع بعضها البعض والتلويح من جانب الإدارة الأمريكية بورقة المساعدات على سبيل التهديد إذا لم يتم الانصياع للرؤى المطروحة من الجانب الامريكى بخصوص الشأن المصرى الداخلى؛ مما استدعى من الإداره المصريه التوجه الى المنافس والخصم اللدود لخطب وده واستخدامه كوسيلة ضغط من أجل إحداث تغير فى طبيعة العلاقه مع الجانب الامريكى. قد يستطيع البعض تصوير الامر على ذلك النحو ولكن إذا ما تعاملنا مع الامر من ذلك المنطلق سنكون قد أخطأنا، فتاريخ العلاقه بين البلدين يتعدى تلك النظره السطحيه, فإذا ما رجعنا بالذاكره قليلا سنجد أن العلاقه المصريه الروسيه بدأت بالتحديد فى عام 1943 وتمت أول اتفاقية بين البلدين سنة 1948، وظلت العلاقه وطيده بين البلدين بل وازدهرت فى فترة الخمسينات والستينيات إلى أن شابها التوتر فى عهد الرئيس السادات وظلت منقطعه تماماً الى عام 1981.
ثم بدأت فى التحسن تدريجياً فى عهد الرئيس السابق مبارك و كانت آخر الاتفاقيات التى قام كلا الرئيسين المصرى والروسى دميترى مدفيديف بتوقيعها فى يونيو 2009 وذلك بعد اختتام لقائهما تضمنت عدد من الوثائق الخاصة بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما وقع الجانبان اتفاقية حول تسليم السجناء لقضاء محكوميتهم في الوطن ومذكرة تفاهم بين وزارتي الثروات الطبيعية في البلدين والبروتوكول حول التعاون في مجال التلفزة واتفاقية التعاون في مجال الرقابة على المخدرات و وقع رئيسا روسيا ومصر معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية ومصر. وترسم هذه الوثيقة المؤلفة من 300 صفحة اتجاهات التعاون بين البلدين خلال السنوات العشر القادمة، وبالإضافة إلى ذلك تم توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي العدل في الدولتين ومذكرة التفاهم والتعاون بين وكالة الارشيف الفيدرالية الروسية والمكتبة الوطنية المصرية وارشيف مصر, بل و قد سبق تلك الاتفاقيه فى سنة 2008 توقيع اتفاقية - هى الاهم - بين البلدين فى مجال الاستخدام السلمى للطاقه الذريه, ويبلغ عمق العلاقه المصريه الروسيه ذروته بعد قيام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة عمل إلى القاهرة في أبريل عام 2005 وصدر في ختام المباحثات الثنائية التي جرت في القاهرة البيان المشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية والذي يؤكد طبيعتها الاستراتيجية. وترتب على ذلك أن اتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر عام2005 للمرة الأولى في تاريخها قراراً باعتماد سفير روسيا في جمهورية مصر العربية بصفته مفوضاً مخولاً لدى جامعة الدول العربية, ولن نعدد هنا المساعدات والمشاريع السوفيتيه - آنذاك - التى قدمت لمصر فى أوقات حرجة, ولعل ذلك يبرز مدى عمق تلك العلاقه وضرورة عدم استخدامها كوسيلة ضغط أو تصويرها على أنها كذلك بل يجب تنميتها والبدء فى تفعيل العديد من الاتفاقيات المعطله منذ نظام مبارك الى الآن، والعمل على اتخاذ خطوات سريعه فى ذلك الطريق وعدم التوقف عند تلك المحطة. فهناك العديد من الدول التى تسعى وترحب بإقامة علاقات وروابط إستراتيجيه وطيده مع دوله بحجم مصر, وعلينا أن نتعلم من أخطاء الماضى وألا نقع بها مرةً أخرى، وأن نسعى الى فتح أفاق جديدة نستطيع من خلالها تنمية إمكانياتنا وقدراتنا لنتمكن من التعامل مع كافة المواقف والمشاكل التى تواجهنا بحريه تامة ودون خضوع لأي إملاءات فهكذا يجب أن تكون مصر. للتواصل مع الكاتب [email protected]