قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو وهيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الذي افتقدناه في حياتنا هو التربية المحمدية النبوية المصطفوية التي علمتنا بكل يسرٍ وسهولة كيف نحول المبادئ والقيم والأخلاق والأحكام والعقائد والمناهج إلى حياةٍ نعيشها وإلى واقعٍ معيش كيف هذا؟ فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا الرحمة، ثم علمنا كيف نطبقها. وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: أما تعليم الرحمة فأول ما تفتح كتاب ربك تجد قوله تعالى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}. أما تعليم الرحمة فعندما تسمع قوله تعالى في وصف سيد المرسلين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} أما تعليم الرحمة فعندما تسمع حديث الأولية يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تبارَكَ وتعالى، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمكُمْ مَنْ في السماءِ)، ولكن كيف نتخلق بالرحمة؟ وكيف نطبقها في حياتنا؟ فيبدأ الأمر من تعليم المسلم أن الجماد يسبح ربه، وأن الجماد يسجد لخالقه، وأن الجماد يأتي ربه طوعًا، وأن الجماد يرفق على نفسه في تحمل الأمانة التي تحملها الإنسان .. فعندما يعلم المسلم كل ذلك {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}. وأكمل: عندما يعلم المسلم أن الله سخر لنا ما بين السماوات والأرض جميعًا منه؛ فإنه يعامل الجماد معاملةًَ رحيمة، ولذلك أنطق الله الحجر والشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمعه حنين الجذع له حتى ضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا الرحمة بالجماد فسكن؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب على جذع نخلة يتخذها منبرًا، فلما جاء المنبر من عيدان من مادةٍ شجريةٍ خشبيةٍ يقال لها عيدان وترك الجذع .. حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى حتى سمعه من في المسجد فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطبته والخطبة جزء من الصلاة حتى يحتضن ذلك الجذع الجماد، فسكن الجذع بحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتابع: يعلمنا أن نتعامل مع الجماد برحمة، ويقول لنا: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ وما أدراك ما النار وما أدراك ما عذاب الله فيها في هِرَّةٍ حَبَسَتْها لا هي أطْعَمَتْها ولا هي تركَتْها تأكُلُ مِنْ خشاشِ الأرضِ)، و (دخلتْ امرأةٌ الجنةَ في كلبٍ) وفي رواية و (دخلتْ بَغيٌّ مِنْ بني إسرائيلَ الجنةَ في كلبٍ وجَدتْه عطشانَ فسقَتْه فأدخلَها اللهُ به الجنةَ). ويسأل الصحابة: ألنا في البهائم صدقةٌ يا رسول الله؟ قال: (ألا إنَّ في ذات كل كبدٍ رطبٍ صدقةً) فما بالك ونحن نعلم الرحمة بعد ذلك بالإنسان! رحمة بالأكوان، ورحمة بالحيوان ، ورحمة بالإنسان؛ فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاقيه بنات بني النجار في طرقات المدينة وهو النبي المصطفى المختار الذي كان رئيس الدولة .. الذي كان سيد الخلق أجمعين توقفه البنات الصغار في طرقات المدينة فيحدثهن، وتأخذ إحداهن بيده الشريفة فيسلمها لها تذهب بها حيث شاءت، ولا يتركها حتى يقضي ما تريد. وذكر الدكتور علي جمعة أن النبي يفعل هذا حتى نرى نحن ونحن نقرأ عنه صلى الله عليه وسلم ذلك أن نكون رحماء بالخلق، وأن نحول هذا الخلق الكريم وهذه القيمة إلى واقعٍ معيش؛ فإذ لم نفعل وقسونا على الأكوان .. فأفسدنا البيئة على أنفسنا وعلى الحيوان فأخرجنا فيه همنا وغمنا وسواد قلوبنا واضطراب أحوالنا، أوبعد ذلك ينتظر منا أن نكون أمثلةً صالحةً لحماية الإنسان ولكرامته وعرضه؟! أوبعد ذلك يعامل الطبيب المريض على أنه إنسان فيتحمل تأوهه أو ضيق خلقه أو يعامله لا كمعاملة الأشياء بل معاملة من يتألم؟! لو عرف أن الله عند ذلك المريض وأن الله سوف يقول يوم القيامة: (يا عبدي مرضتُ ولم تَعُدْني قال: كيف تمرض وأنت رب العالمين؟ قال: مرضَ عبدي فلانٌ فلم تعدْه ولو عدتَه لوجدتَني عنده). لو دخل الطبيب على مرضاه وهو يعلم أنهم في معية الله .. واللهِ ما تركهم، وما ملَّ منهم، ولعرف أن هذا خير له من التسبيح والتحميد، وخير له من أن يجاهد في سبيل الله فتخضب رقبته بالدماء، وأنتم تعلمون أجر الشهيد وأجر المقاتل في سبيل الله. لو عرف المسلمون هذا لكانوا أمثلةً رائعةً للرحمة بالأكوان والحيوان والإنسان. فماذا نفعل؟ (ابدأ بنفسك ثم بمن يليك) ابدأ بنفسك وغيّرها ف {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ..ماذا نفعل؟ نجد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم صحابته الرفق ويقول: (يا عائشةُ إنَّ الرِّفْقَ ما دَخَلَ شيئًا إلاَّ زانَه، وما نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلاَّ شانَه) ويعلمها كيف نتعامل مع الناس على قدر عقولهم. ويمر عليه أحد اليهود ويقول: السام عليك يا محمد والسام الهلاك والموت وكأنه يريد أن يدغم الكلام إدغامًا فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم السين والميم فيظنه أنه قد ألقى عليه السلام، فتقول عائشة: بل عليك وعلى أبيك الموت والهلاك قال: (يا عائشةُ قولي وَعَلَيْكُمْ) فإذا أراد أن يرد عليهم رد بالأدب العالي .. رد بالرحمة .. رد بالرفق. وأكد جمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نحول المعاني إلى واقعٍ معيش .. اقرأوا السيرة .. تدبروا القرآن .. اقرأوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا من قبيل النهي والأمر، بل من قبيل الحياة، كيف تكون إنسانًا طيبًا معطاءً محبًا صبورًا خلوقًا تعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبلغ عنه، وتكون مثالًا يحتذي، لو وصلنا إلى هذا .. لخفف الله عنا البلاء والغلاء والخوف، وأبدلنا من بعد خوفنا أمنًا {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} اللهم يا ربنا اجعلنا من عبادك المؤمنين، و طمئن قلوبنا في الدنيا والآخرة، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين، وأقم بنا الحق، وأقم الحق بنا.