نظمت معاهد الجزيرة العليا بالتعاون مع وزارة التعليم العالي ووزارة الشباب والرياضة ندوة تحت عنوان "العودة للجذور"، مساء أمس، واستضافت خلالها الدكتور أحمد زارع، المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر، بحضور عمداء المعاهد وأعضاء هيئة التدريس والطلاب ومندوبين عن وزارتي التعليم العالي والشباب والرياضة. وتناول المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر موضوع الندوة "العودة إلى الجذور"، مؤكدا أهمية التمسك بقيمنا الأخلاقية والحضارية، ومقاومة تيارات العولمة التي تهدف إلى طمس هويتنا، وذلك من خلال طرح عدد من النقاط تعد منطلقات ضرورية للنهوض والعودة للريادة، منها حب الوطن والانتماء له، ترسيخ ثقافة الحوار والوحدة الوطنية، التمسك بلغتنا العربية، نشر قيمة التسامح، ضرورة تنمية ثقافة القراءة والتعرف على تاريخنا ورموزنا في المجالات المختلفة، وعلى رأسها الأزهر الشريف جامعا وجامعة. وأوضح زارع أن حب الوطن فِطْرة في داخل الإنسان، ينبض به قلبه، ويجري به دمه، ودلل على حب للوطن بما روته كتب السيرة أنه لما هاجر الصحابة - رضي الله عنهم - إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"، مشيرا إلى إن التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه لا يكون بالشعارات وإقامة المهرجانات فحسب، وإنما ينبغي أن يترجم إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية تجاه الوطن للتعبير عن حبه وصدق الانتماء اليه، مضيفا أن القرآن الكريم أكد مكانة الوطن، مؤكدا أن حب الوطن واجب شرعي وديني وأخلاقي. وحذر المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر الشباب من الانسياق خلف الشعارات الزائفة، أو الأصوات المضللة المأجورة، التي تترجم حب الوطن حسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، مؤكدا أن الوطن يستدعي منا أن يكون مصلحة الوطن وبقائه وتقدمه هو هدف أسمى لنا جميعا. وقال زارع، إن الرسالة الثانية التي أحب أن أوجهها للشباب تتعلق بغياب الحوار الهادئ البناء عن مجتمعنا، فما أحوجنا إلى إشاعة ثقافة الحوار بيننا، فهي العاصم لنا من كثير من الزلل والمشاكل الكثيرة، موضحا أنه من الشر في شيء أن يختلف الناس، ولكن الشر كل الشر أن يضلوا الطريق الصحيح إلى معالجة الخلافات، مبينا أن الحوار قيمة إنسانية ومبدأ إنساني، ودليل على الرقي وسلامة المنهج، وهو لغة التفاهم بين الناس وطريقة لوصول بهم إلى أهدافهم المرجوة، ويجب أن تتوافر عدة عناصر ليكون الحوار إيجابيا فاعلًا بناء منها: احترام الآخر، وأن تكون البيئة مناسبة للحوار، معرفة السبب الأساسي لتواصل مع الآخر، مناقشة الآخر والاهتمام بردود أفعاله، وغير ذلك. وأضاف زارع، إنه حينما نرجع إلى الجذور نجد آيات القرآن الكريم وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أرسيا وأشاعا ثقافة الحوار البناء في المجتمع، وقد عرض عقائد الإسلام بطريقة حوارية وجادل خصومه بأسلوب الحوار، واستخدمه كأداة للوصول إلى الحق، حيث جعله القرآن الكريم مدخل القضايا مع الأعداء والأصدقاء والأبناء ولم يجعل القرآن من القوة سبيلا إلى التعامل مع الخالفين، فالله جل وعلا لم يفرض قوته وقدرته، وإنما يبسط حواره قبل القوة، وضرب عددا من الأمثلة، منها الحوار مع الملائكة "وإذ قال ربك للملائكة..."، ومع سيدنا إبراهيم عليه السلام: "وإذ قال إبراهيم ربني أرني كيف تحيي الموتى..."، ومع نبي الله موسى: "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه..."، حتى حاور الله عدوه إبليس في آيات كثيرة منها: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساحرين، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه...." إلى آخر الآيات، كما ذكر القرآن آيات كثيرة تصور ألوانا من المحاورات التي دارت بين الرسل وبين أقوامهم، وذلك كله ليبين أهمية الحوار في بناء المجتمع . وانتقل زارع إلى ضرورة التمسك باللغة العربية، وإشكالية البدائل التواصلية المستحدَثة التي ادعت أنها تعمل على تطوير اللغة العامية لتحقيقِ نوعٍ من التكيّف التواصلي الذي يفرضُه هذا العصر، حيث استعضنا عن لغتنا العربية الفصحى بالعامية المُطوَّرة، بسبب عواملِ الأمية والجهل، نتيجة ضعف المنظومة التعليمية العربية وتقادُمِها وتصدّع كثير من مناهِجِها. وأشار إلى أنه قد انتشرت في السنوات الأخيرة لغة أوجدها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، الفيس بوك والمنتديات والمدونات والشات، ما تسمى لغة «الفرانكو آرب»، وهي دليل على أن نسبة كبيرة من الشباب لا تتقن العربية ولا الإنجليزية فاستخدموا حروفها فقط، مضيفا أن هناك جانبا نفسيا – للأسف - لدى بعض مستخدميها هدفه الاستعراض لإشباع الشعور بالنقص، حيث يظن البعض أنهم باستخدامها يوهمون الآخرين بأن حديثهم يجارى العصر وأنهم يعرفون لغات أجنبية. وتناول المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر، قيمة التسامح، بقوله إنها صفة انسانية نبيلة، وقيمة اخلاقية عالية، حثت عليها جميع الديانات السماوية، لما لها من دور وأهمية كبرى في تحقيق وحدة وتماسك المجتمعات البشرية، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الجماعات والأفراد، مؤكدا أنها ثقافة شخصية ومجتمعية، وممارسة يمكن أن تكون على مستوى الافراد والجماعات والدول، على مستوى الفرد بأن نقبل الآخر كما هو، وليس كما نحبه نحن أن يكون. وعلى المستوى الفكري، بممارسة آداب الحوار والتخاطب، وحرية التعبير، وعدم التعصب للأفكار الشخصية. وعلى المستوى الديني: الايمان بحرية ممارسة الشعائر الدينية، والتخلي عن التعصب الديني والمذهبي. وبعد انتهاء كلمته تم فتح باب المناقشة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والحضور، رد خلاله المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر، على عدد من الأسئلة أبرزها رده على الهجوم الذي يقوده البعض لأسباب خبيثة ضد الأزهر الشريف، جامعا وجامعة، مؤكدا أن من يطعن ويشكك في الأزهر إنما يطعن مصر في أعز ما تملك.