قال سامح شكري، وزير الخارجية، إنه سبق توجهه إلى نيويورك بيوم واحد عملية اغتيال غادرة لثمانية من رجال الشرطة بالقاهرة، وفى ذلك تذكير بأن قضية الإرهاب لم تعد تتوقف عند حدود، فنفس الفكر المريض الذى يقتل ضباطاً يحمون مواطنيهم هو الذى يذهب ضحيته رواد المسارح فى باريس أو المسافرون من مطار بروكسل، والتضامن مع كل روح بشرية واجب بغض النظر عما إذا كانت تنتمى لدولة أوروبية أم عربية أم أفريقية، والتصدى للإرهاب المتفاقم، والذى نعده من التهديدات البارزة للسلم والأمن الدوليين، هو واجب أيضاً، ولو لم نشترك فيه جميعاً فسيصبح التغلب عليه أمراً تنتابه صعوبات كبيرة. وأضاف "شكري" خلال كلمته في الاجتماع الوزاري في مجلس الأمن لمناقشة مكافحة الإرهاب أن الرئيس عبد الفتاح السيسى أكد فى كلمته إلى القمة الإسلامية الأخيرة أن النظام الدولي قد بات مختلاً. وبالطبع فإن معالجة ذلك الوضع المختل يتطلب التعرف على أسبابه، فالدولي منها يرتبط باختلال التوازن فى النظام الدولى من حيث تراجع مفهوم الدولة فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية فى أعقاب حرب العراق، كما أن الإقليمى منها يتمثل فى التأثير بالغ السلبية لطموحات قوى شرق أوسطية بتوسيع نفوذها على حساب دول عربية، وما ترتب على ذلك من تأجيج لصراعات إقليمية، وبزوغ قوى تطرف وإرهاب لملء فراغ السلطة فى مساحات واسعة من بلدان المنطقة، وتوهم قوى إقليمية ودولية من خلال محاولاتها لوضع تصنيفات متباينة لتلك التنظيمات لخدمة مصالحها السياسية. وأشار إلى أن الشواهد على ذلك واضحة وماثلة بكل ما تحمله من قسوة تعرض لها الأبرياء من قتل وإصابة وتدمير وتشريد، وأستحضر المأساة السورية، التى ترعرعت في خضمها تنظيمات إرهابية، ولذا أشدد على ضرورة إنهائها خلال الفترة القادمة عبر تعاون الدول المعنية الأعضاء فى مجموعة دعم سوريا مع مجلس الأمن من منطلق الصلاحيات التي يحظى بها، لرفع المعاناة عن الشعب السورى. وأكد وزير الخارجية أن أفريقيا التي تشرف مصر بتمثيلها فى مجلس الأمن، تعانى هى الأخرى من تنظيمات إرهابية كالقاعدة وبوكو حرام، المتواجدة فى مناطق مختلفة من القارة، بما في ذلك الشمال الأفريقي، إذ يسيطر تنظيم داعش منذ فترة على مدينة سرت ذات الموقع الإستراتيجى على البحر المتوسط، والقريب من السواحل الأوروبية، وإن مرور ما يزيد عن 70 عاماً على تفجر الصراع العربي الإسرائيلي، لا يجعله صراعاً منسياً فهو لا يزال القضية الأهم فى منطقتنا، وهو الذى أدى التقاعس عن إنهائه طيلة عقود إلى تعمق وتجذر الأسباب الرئيسية للخلل في الاستقرار الإقليمي وتفشى الإرهاب. وأوضح الوزير، أنه يخطئ من يظن أن مرور الزمن أو اندلاع صراعات أخرى كفيل بوضعه طي النسيان، أو بفرض تسوية ظالمة لا ينعم الفلسطينيون عبرها بحقوق كسائر الشعوب، ويكابر من يدعى أن احتلال الأراضي العربية لن يولد رد فعل شعبى يؤدى الى استطالة الصراع، على النحو الذى تستفيد منه تنظيمات متطرفة في المنطقة. وشدد "شكري" على أن مصر تؤكد دوما أن التصدي للإرهاب لن يتأتى له النجاح إلا من خلال توجه شامل دون انتقائية، وذلك بالتعامل الجاد والموضوعي مع جذور هذه الظاهرة بمختلف جوانبها، والمواجهة الحازمة مع كل التنظيمات الإرهابية، والتصدى للأيديولوجيات المتطرفة المؤسسة للإرهاب والعنف ومروجيها، مع ضرورة أن يتعامل المجتمع الدولى كذلك بحزم مع ما تقدمه بعض الدول والأطراف من دعم سياسى وعسكري ومالى لهذه التنظيمات الإرهابية، بما يعد خرقاً صارخاً للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومما يحتم علينا جميعا، تكثيف التعاون والتنسيق لتجفيف ذلك الدعم. وتابع: "تؤكد القراءة المتأنية لتاريخ ونشاط هذه التنظيمات عدم وجود فوارق أيديولوجية جوهرية بينها، فهى تتخذ مرجعيات فكرية نادى بها مُفكرو التكفير والعنف والإرهاب، ومن بينهم "سيد قطب"، كمنهج لعملها وخطابها، ورسائلها الإعلامية القائمة على العداء وتكفير المجتمع، وهى جميعها مفاهيم مشوهة تتنافى مع روح الإسلام التى تأبي الانعزال والتطرف ورسالته السمحة التى أقرت بالاختلاف وسمحت به، بل ورسخت مفاهيم قبول الآخر والتعايش السلمى واحترام حقوق الانسان. وأكد الوزير، أن استغلال الجماعات الارهابية للطفرة التكنولوجية في وسائل الاتصال والتواصل هي أحد أهم الأسباب التي تساعدها على تحقيق مآربها ونشر رسائلها وأيديولوجياتها بشكل غير مسبوق". ودعا شكري مجلس الأمن والمجتمع الدولى بشكل عام إلى الاستفادة من الجهود التى تقوم بها بالفعل المؤسسات الدينية الوسطية، والبناء عليها سواء فيما يتعلق بتفنيد الرسائل والأيديولوجيات التى تستخدمها الجماعات الإرهابية، أو بإبراز وتوضيح وشرح التفسيرات للمفاهيم الحقيقية للأديان، مشيرا إلى الجهد الكبير المبذول بالفعل من جانب الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية ، وهو الجهد الذى يمتد نطاقه ليشمل العديد من دول العالم. ودعا كذلك إلى أهمية تأكيد الدول والمجتمعات، بما فى ذلك الغربية، على عدم الربط بين الإرهاب وأي دين أو ثقافة أو شعب، وإقرار التشريعات الوطنية اللازمة لتجريم نشر الرسائل والأيديولوجيات الإرهابية، مع عدم المساس فى الوقت ذاته بمبدأ حرية التعبير، بما في ذلك من خلال تعزيز الجهود لوقف توفير التمويل اللازم للجماعات والتنظيمات الإرهابية لنشر رسائلها وأيديولوجياتها الإرهابية، والتأكيد على دور الإعلام في التصدي لرسائل وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية، بالإضافة إى التأكيد على الدور الذى ينبغى أن يقوم به المجتمع المدنى بالدول المختلفة، وفى إطار قوانين كل دولة، فى التصدى لرسائل وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية. وشدد على حتمية التنسيق والتناغم بين الجهود القائمة بالفعل، على كافة المستويات الدولية والإقليمية والوطنية، فى إطار التصدى لرسائل وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية لضمان عدم التضارب أو الازدواجية وأهمية تعزيز التعاون.