فى بناء سردى جديد تدخل فى تكوينه المفارقات المتعددة والأساليب السردية القديمة كالمقامة والسيرة والملحمة والرواية التاريخية التقليدية، دخلت مى خالد عوالم روايتها الجديدة "تانجو وموال" الصادرة عن دار العين، والتى بدأت اولى مفارقاتها من العنوان الذى جمع بين أول الدنيا وآخرها "التانجو الأرجنتينى ابن امريكا اللاتينية" مع "الموال ابن النيل الأسمر" متخذة من تعدد الأصوات الساردة منطلقا لحكاياتها، "تانجو وموال" رواية بديعة لكاتبة مصرية متفردة هى الإعلامية مي خالد التي ما فتئت تجرب صوتها السردي, للتعبير عن عالمها في ثلاث مجموعات قصصية عن الرواية الجديدة يقول الناقد الدكتور صلاح فضل: "امتدت في نفس طويل روائي عبر ثلاث روايات، حتى عثرت في هذه الرواية الأخيرة على بؤرة أسلوبها المشعة، وأيقونة تجربتها الخصبة; في المزح المتآلف بين أشجي تجليات الفن الشرقي في الموال، وأحفل تمثيلات الأداء الجسدي الراقص في إيقاعات التانجو الرشيقة، حيث تتجسد فلسفة اكتشاف الذات في ضوء التناغم مع الآخر، لتكشف عن ثراء الثقافة بالتخصيب، واتساع الرواية دائما بتقنيات الابتكار والتجريب". تصاب الراوية التي تمسك بزمام السرد بخرس هيستيري يحملها إلى مصحة الأمراض النفسية بدلا من التماس العلاج العادي، فتتدفق على خيالها النشيط صور الأصوات والأشكال والأحداث بطريقة بالغة العفوية والتنوع، فيأخذ خطابها الداخلي أوضاعا متباينة مثيرة للاهتمام، تنقذ حياتها وتستعرض مفارقاتها ومغامراتها، تقول في تقديم نفسها: انظروا من تتكلم، نزيلة في مصحة نفسية تعاني من فقدان القدرة على الكلام، وتسخر من تركيبات نحوي خاطئة أو لثغة بسيطة عند من يفترض أن يكونوا معالجيها، ثم تمضي في وصف خصوصيته هذه التجربة ومأساويتها قائلة: "لقد احتجزوني مع فاقدي العقل، مع أن الأمر الشائع هو أنه إذا تم العقل نقص الكلام، فلم كل تلك الحيل والألاعيب العلاجية والعقاقير الملونة التي تكهرب الجسد والدماغ، الأمر الوحيد الذي ربما يكونون محقين فيه هو النغمات والمواويل التي تلح علي رأسي ولا تهدأ حتى أثناء النوم، فيأتيني الزار والمولد، والسيفونية والطقطوقة والكونشرتو على هيئة أحلام صاخبة تتداخل فيها القوالب الموسيقية بلا تناغم أو تآلف.. لو يعهدون بي إلى مايسترو متمرس، أو كوديه زار مثل سميحة السودانية لتصالحني على الأسياد فيتكون الهارموني بين الروح والجسد لكن النقد الذي توجهه الراوية لا يتوقف عند حد اكتشاف هذا الانفصام الأليم في شخصيتها، بل يمتد ليجسد عالم الميديا التي تغمر مذيعة البرامج الموجهة بخبرات إنسانية وجمالية فائقة، فهى تقوم بترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية، وهى تختزن كما هائلا من المعارف عن عوالم المصحات النفسية وتتذكر تجربة قام بها عشرة من الأصحاء نفسيا، أعطوا أنفسهم أسماء اضطربات وجدانية وهمية، وما هى إلا وصمات ألصقها بشر ببشر مثلهم، لتتكسب منها مافيا من السماسرة، عاش الأشخاص العشرة بداخل المصحات وتصرفوا وفقا لسلوكهم الطبيعي، لكن الأطباء صمموا على إعطائهم العقاقير، ولم يسمحوا بإطلاق سراحهم إلا حينما بدأوا يدعون الجنون ثم تناولوا العقاقير وزعموا الاستشفاء، على أن الرواية تتقن حبك قصتها وسبب إصابتها بهذا الخرس، فتتذكر طفولتها وكيف فقدت صوتها وهى تلقي كلمة الصباح في المدرسة ففوجئت بخبر موت أبيها، وعاودتها العلة ذاتها عندما دعيت لاستلام شهادة التقدير لأمها الأرجنتينية الأصل عقب موتها بالسرطان بعد عملها في الإذاعة الموجهة، وتمثلت جوهر حياتها في محاولة الجمع المتآلف بين هذين الأبوين، بين الموال والتانجو، بين الأب المغرق في مصريته، والأم العريقة في لاتينيتها، فتستغرق في الاستسلام للمنومات وهي تتذكر موال: اللي معاه فكر ينام ويصحي به الشمع يحرق في نفسه وينور علي صاحبه نام يا خالي نام.. وسيب الفكر لصاحبه من العتبات إلى ماسبيرو