بعد توقيع كل من تركيا وإسرائيل على اتفاق مصالحة ينهى عداء علنيا استمر ست سنوات، على الأرجح – إذا تم تنفيذ بنوده – إسرائيل هي التي ستجني أكثر من هذا الاتفاق الموافق عليه مؤخرا من قبل الطرفين بعد تأخير لمدة طويلة. بينما إسرائيل لم تتراجع وتوافق على طلب تركيا الأول الذي يسمح لها لنقل البضائع مباشرة إلى قطاع غزة دون إشراف إسرائيلي، لكن في الوقت ذاته تركيا التزمت بإزالة مقرات ونشطاء حركة حماس من أراضيها، رغم أن مؤسسة الدفاع الإسرائيلية تتشكك في حدوث هذا. البرلمان التركي يمرر التشريعات التي من شأنها إلغاء الدعاوى القضائية التي كانت قد رفعت ضد ضباط الجيش والجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الهجوم على سفينة "مرمرة" مما أسفر عن مقتل 10 مواطنين أتراك. وفقا للقانون الجديد، فإنه لن يكون من الممكن لعائلات الضحايا الأتراك رفع دعاوى قضائية مماثلة في المستقبل. ورغم ذلك فإن إنجازات تركيا في هذا الصدد محل فخر، فقد اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذا الحادث، وخلال حوالي ثلاثة أسابيع من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سوف تنقل إسرائيل أيضا 20 مليون دولار للحكومة التركية من أجل توزيع الأموال لأهالي ضحايا أسطول الحرية. سياسيا، سيتم إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء، ولكن هذا هو أيضا مجرد خطوة رمزية، حيث أنه فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية كانت العلاقات بين البلدين جارية بالفعل خلال السنوات الست الماضية، بل تزايد حكم التجارة المتبادلة. تغيرت تركيا كثيرا على مر السنين ولكن ليس للأفضل. من خلال الاستمرار في سياسة خارجية فاشلة، وجدت نفسها معزولة ومتصارعة مع جيرانها: سوريا، العراق، الأكراد، وحتى وقت قريب، روسيا. يدعم نظام رجب طيب أردوغان سرا تنظيم "داعش". كان يقوم بشراء النفط من منظمة إرهابية بينما يساعد في تهريب السلاح والسماح لأنصار الإرهابيين من أوروبا وروسيا والصين وجنوب شرق آسيا بالمرور عبر حدودها في طريقهم إلى ميادين قتال داعش. من ناحية أخرى، سمحت تركيا وساعدت اللاجئين، معظمهم من سوريا، للتسلل إلى أوروبا – الأمر الذي قوض علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. حثت الولاياتالمتحدة لسنوات إسرائيل للتوقيع على اتفاق المصالحة، في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا أواخر الشهر الماضي، ساءت العلاقات بين أنقرةوواشنطن إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى رفض الولاياتالمتحدة تسليم العدو اللدود لأردوغان، فتح الله جولن، الذي يلومه الرئيس التركي للانقلاب العسكري الفاشل. أردوغان يبحث أيضا للتصالح مع روسيا وإعادة بناء العلاقات مع إيران، التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. الآن تركيا تعزف لحنا مختلفا، ولم تعد تطالب بإزالة الأسد من السلطة، بدلا من ذلك تصرح علنا الحاجة إلى سوريا موحدة دون تفكك ووقف السكان الأكراد من إقامة دولتهم الخاصة. يجب على إسرائيل أن تستمر في توخي الحذر في علاقاتها مع تركيا واتخاذ نهج احترام ولكن حذر. أردوغان سيواصل دعم حماس، ومن المشكوك فيه أن أجهزة مخابراته ستوافق على تجديد الروابط مع الموساد. احتمالية أن تركيا ستعود إلى سوق الأسلحة الإسرائيلية هو أيضا قاتم، على الرغم من أن هناك شك في أن أنقرة لن تتردد في شراء طائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع أو أجهزة استخبارات لحربها ضد الأكراد. ولعل الأهم من ذلك كله، فإن إسرائيل لا تريد أن تكون جزءا من جهد روسي لإقامة تحالف جديد في الشرق الأوسط يتطلع إلى طرد الولاياتالمتحدة. على الجانب الأمريكي، واشنطن غير راضية عن تعامل نتنياهو المتكرر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغير مقتنعة أن العلاقة بينهما تقوم فقط على إنشاء آلية منسقة تهدف إلى منع وقوع حوادث بين قواتهما الجوية فوق سوريا. جيروزاليم بوست