أبو الحسن الشاذلي.. أحد أئمة الصوفية، زاعت شهرته في مصر والعالم الإسلامي، وله الكثير من الأنصار والمريدين، وصاحب الطريقة الشاذلية. المولد والنسب هو تقى الدين أبو الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار، الذي ينتهي نسبه، كما قال بعض العلماء، إلى الإمام الحسين بن علي رضى الله عنهم جميعا، كان أبو الحسن عالما بأكمله في الزهد والتصوف، وصاحب الطريقة الشاذلية وإليه تنسب. لم يكن الشاذلي مصري الأصل، بل مصري الحياة والوفاة، فكان مغربي الأصل ولد عام 593ه بقرية غماره، وفي هذه القرية بدأت حياته العلمية، عندما شرع في تعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن وتفقه في أمور الدين، ثم جرفه الحنين إلى عالم التصوف بما فيه من أنوار، وهنا اشتاقت نفسه إلى معرفة أسرار الطريق. نشأته وترحله اشتغل الشاذلي، كغيره من علماء عصره، بعلوم الشريعة حتى أتقنها وصار يُناظر عليه، ثم نظر بعد ذلك في التصوف واجتهد فيه حتى برع فيه وأصبح له أصحاب ومريدين، وظهرت طريقته الشاذلية بشكلها البارز عندما قدم الإسكندرية، لكن قبل قدومه إليها تعرض لكثر من المتاعب، فولد كما أسلفنا في المغرب ثم رحل إلى العراق، حيث العلم والثقافة الواسعة، فالتقى هناك بأرباب العلم، على رأسهم أبو الفتح الواسطي، الذي أعجب بالشاذلي إعجابا شديدا. وظل أبو الحسن الشاذلي في بغداد إلى أن نصحه بعض الأصدقاء بأن يعود إلى بلاده فإنه سيجد مبتغاه، فعاد إلى المغرب، وحينها التقى بشيخه ومعلمه عبد السلام بن مشيش، فأخذ الكثير عنه وظل معه إلى أن نصحه قائلا: "يا على ارتحل إلى إفريقيا، واسكن بلدا تسمى شاذلة، فإن الله عز وجل يسميك الشاذلي.."، ونصحه بأن ينتقل بعد ذلك إلى تونس، ثم منها إلى الشرق. انتقل الشاذلي إلى تونس ليلقى الكثير من العناء على يد قاضي القضاة هناك، الذي أوشى به عن السلطان، فمنع الشاذلي وكان على وشك أن ينزل به عقاب السلطان لولا أن تدخل أخو السلطان وقال له هذا رجل الله ولا يحيا إلا له فدعه، فوقع القول موقعه، ثم أُطلق الشاذلي، فعزم الذهاب إلى بيت الله للحج، وكان ذلك من خلال الأراضي المصرية، فنزل في مصر راحة من عناء السفر، فعلم بذلك ابن البراء، قاضي قضاة تونس، فأرسل إلى السلطان المصري الكامل بن محمد الأيوبي يحذره من الشاذلي، ويخبره أنهم أخرجوه من بلادهم لعلة فيه، فلما جلس السلطان الكامل معه علم أن الأمر كله وشاية وبغض من ابن البراء للشاذلي فأكرمه عنده. ذهب أبو الحسن لقضاء مناسكه ثم عاد إلى تونس مرة أخرى، فقيل إنه رأى في منامه النبي يقول له: "يا علي انتقل إلى الديار المصرية ترى فيها أربعين صديقا.."، ومن ثم رحل الشاذلي إلى مصر وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب، وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من أقطاب الصوفية في العالم أجمع. الكرامات المنسوبة له غالى المصريون في حب الإمام الشاذلي، فنسبوا له الكثير من الكرامات، منها ما أورده الدكتور عبد الحليم محمود نقلاً عن "درَّة الأسرار": "لما قدم المدينة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ.."، فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا علي، ادخل، كما يقول عن نفسه: "لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة..". قيل إن الشاذلي كان يحج كل عام وفي عام 656ه وهو في طريقه إلى البيت الحرام قبض الله روحه، ودفن بمنطقة جبل حميثرة جنوب مدينة مرسى علم بما يقارب 150 كيلو مترا، ويشهد هذا المكان احتفال العديد من زائري الصوفية وأقطاب ومحبي العارف بالله الشيخ أبو الحسن الشاذلي من مختلف المحافظات والدول العربية.