بعد اتفاق الروس والأمريكيون في منتصف يوليو الماضي على القيام بعمليات قتال مشتركة ضد جبهة النصرة، التنظيم التابع للقاعدة الذي يعمل في شمال سوريا، أعلن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني نهاية الشهر الماضي عن وقف العمل باسم «جبهة النصرة» وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام» في تسجيل كشف فيه عن وجهه، وقال فيه: إن النصرة فكت بيعتها مع تنظيم القاعدة بعد توافقهما على ذلك. بعد إعلان الجولاني، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن تغيير «جبهة النصرة»، لا يعني تغيير سلوكها وأهدافها، مشددة على أن الإدارة الأمريكية لا تزال تعتبرها منظمة إرهابية، وأضافت الخارجية أن خطة روسيا في حلب تهدف إلى استسلام الجماعات المسلحة وإخلاء المدنيين قسرًا، وأضافت أن أي عملية عسكرية روسية في حلب يجب أن تنال موافقة أممية. واشنطن والتعاطي مع جبهة النصرة في سوريا أعلن وزير خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري قبل أيام أن العمليات التي تقوم بها موسكو ودمشق في سوريا تثير القلق، وقال: من الضروري جدًّا أن تمتنع روسيا وتمنع نظام الأسد من القيام بعمليات هجومية. وليست تلك هي المرة الأولى التي يطلق فيها كيري تصريحات من هذا النوع، فكلما ظهرت بوادر تعرض جبهة النصرة والمجموعات المرتبطة بها لخسائر خاصة في حلب، حتى نسمع أصوات غاضبة من السياسيين الأمريكيين ومراقبي حقوق الإنسان، متهمة القوات الجوية الروسية أو السورية أحيانًا أخرى بقتل المدنيين وقصف المستشفيات وغيرها من الانتهاكات لحقوق المدنيين، وتبدأ اتهامات واشنطن لمحور روسيا في سوريا باستخدام الكيماوي كسلاح. ويرى مراقبون أن هستيريا واشنطن تهدف إلى عدم السماح بالقضاء التام على المجموعات الإرهابية في سوريا ومن ضمنها النصرة. تعاطي واشنطن مع جبهة النصرة في لبنان قبل أيام جرت في لبنان حادثة لا تدع مجالًا للشك في أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مازالت تدعم جبهة النصرة الإرهابية، فبحسب مصادر عربية مطلعة، استطاعت أجهزة المخابرات اللبنانية، تحديد موقع أبو مالك التلي، أمير جبهة النصرة في القلمون، بدقة في منطقة جرود عرسال، وحصلت على إحداثيات الموقع، وطلبت من قيادة الجيش إرسال إحدى طائرتَي الاستطلاع والإسناد الجوي «سيسنا كارافان 208»، التي وهبتها الولاياتالمتحدة للجيش اللبناني، لإطلاق صاروخ «هيلفاير» على الموقع بعد التأكد من وجود أبو مالك التلي بداخله، إلَّا أن الولاياتالمتحدة تدخلت لمنع سلاح الجو في الجيش اللبناني من تنفيذ عملية استهداف للموقع. وفي التفاصيل أنه بعد عملية الرصد لقيادي النصرة في لبنان، التي دامت ساعات عمدت قيادة الجيش اللبناني إلى إعلام مكتب الاتصال العسكري الأمريكي في وزارة الدفاع في اليرزة للحصول على موافقته بموجب الاتفاق الموقع مع لبنان في هبة الطائرتين، إلَّا أن المكتب رفض منح موافقته على استخدام الأسلحة والمعدات الأمريكية لتصفية أبو مالك التلي من دون تقديم أي تبريرات سوى الالتزام بالتعهدات من الجانب اللبناني بالحصول مسبقًا على الموافقة الأمريكية في كل عملية من هذا النوع، مما أدى إلى إفشال العملية برمتها. لماذا تهتم واشنطن بالنصرة؟ وفقًا لصحيفة «إيزفيستيا» الروسية، فإن صاحبة فكرة تغيير اسم مجموعة جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، والتنصل من تنظيم القاعدة هي الولاياتالمتحدة، التي تريد بذلك إدراجها في قائمة «المعارضة المعتدلة» في سوريا. وتركيز الولاياتالمتحدة في حملتها على جبهة النصرة في سوريا، في الوقت الذي بدأ فيه التحالف الأمريكي الروسي بتحقيق مكاسب ضد داعش، بدأ المسؤولون الأمريكيون يركزون اهتمامهم على جماعة أخرى، يعتقدون أنها تمثل تهديدًا طويل الأمد، ألا وهي فرع تنظيم القاعدة المعروف باسم جبهة النصرة، وبدأوا يفكرون في تبنيها كبديل موضوعي عن الداعش الورقة الإرهابية التي شارفت على الاحتراق بيد واشنطن. وتبدو جبة النصرة بديلًا مناسبًا لداعش، فالجبهة لعبت لعبة انتظار ذكية خلال السنوات الماضية، ودمجت نفسها بالجماعات المعتدلة، وقدمت نفسها على أنها مقاومة سنية ضد نظام بشار الأسد، وتجنبت الجماعة العمليات الإرهابية الأجنبية، ولم تركز في عملياتها على استهداف الجنود الأمريكيين، وطورت في الوقت ذاته شبكة علاقات قريبة مع جماعات المعارضة، مثل جماعة أحرار الشام، التي تحظى بدعم من قطر والسعودية وتركيا. ويرى مراقبون أن محاولة واشنطن التصنع بعدم معرفتها، أو بغياب المعلومات لديها عن واقع حال تواجد النصرة في حلب وغيرها، دليل على أن واشنطن تعمل على إنقاذ المجموعات الإرهابية، لكي تستمر في استخدامها لبلوغ أهدافها الجيوسياسية. وفي لبنان فإن وزارة الحرب الأمريكية تنوي الاحتفاظ بأوراق لها ك«جبهة النصرة» لاستنزاف حزب الله خصم الكيان الصهيوني، بحيث تبقى عنصر توازن عسكري أساسي في سوريا ومواصلة إشغالها في لبنان.