تحولت جنبات طرق المنيا الفرعية من رقعة خضراء إلى بقعة معمارية حديثة، بعد هجمة التعدى على الزراعات، في تحدٍ لقرارات الإزالة؛ فالبنايات الشاهقة متسعة المساحة أخذت تزحف تدريجيًّا، رغم تصريحات يومية تفيد إزالة مئات حالات التعدي في قرى ومدن المنيا، التي كانت تقدر مساحة الأراض الزراعية بها بنحو 452 ألف فدان تمثل نحو 6.5% من جملة أراضي مصر الخضراء، قبل ثورة يناير 2011 باتت لا تتعدى 400 فدان وفقًا لآخر إحصائيات مديرية الزراعة بالمنيا؛ بسبب الهجمة الشرسة بالبناء الجائر. ووفقًا لرئيس اتحاد الفلاحين بالمحافظة عماد عبيد، فإن 43 ألف قضية أمام محاكم المنيا، منذ 25 يناير 2011، ضد أعمال البناء الجائر، بعد قانون 119 الذي يفتح المجال أمام الأهواء الشخصية لدى موظفي المحليات، ألف و600 حالة تعد بالبناء على نهر النيل. وفي الوقت الذي تصدر محافظة المنيا بيانات إعلامية يومية مفادها إزالة عشرات حالات التعدي، تقف البنايات الشاهقة على مداخل القرى والطرق الفرعية شاهدة على وهمية تلك البيانات وقرارات الإزالة التي لا تخرج عن كونها مسكنات مؤقتة وإجراءات روتينية. تقع عملية التعدي على الرقعة الخضراء من خلال خطوات عدة يتبعها الأهالي، تمكنهم من التحايل على القانون، بمساعدة رواد الوحدات المحلية القروية، وهو ما رصدته «البديل» داخل قرى مركز المنيا، بعدما تحولت معظمها إلى مخبأ للتعديات والبناء المخالف. تبدأ أولى خطوات البناء المخالف بطلاء البنايات الحديثة بالطين وتحويل بعض الأثاث المنزلي إلى داخلها، لإيهام مسؤولي الإزالات بأنها بنايات قديمة، يقطن بداخلها أصاحبها قبل تطبيق قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008، وحال شراء الأرض من ملاكها يقدم المالك على تحرير عقود وهمية للمشترين، سعر العقد لا يزيد عن 3 آلاف جنيه فقط للتهرب من الضرائب، بعدها يبني المشترى الرقعة الزراعية ويطليها بالطين، ويتم التحايل بواسطة الوحدة المحلية التابع لها من حيث أفادت الوحدة رسميًّا بأن المنزل مقام قبل القانون 119 لسنة 2008، وبالتالي لا يستطيع أحد تحديد عمر المنزل نهائيًّا إلَّا بأخذ عينات من هذا المنزل وتحليلها فى معامل هندسية، وهذا درب من الخيال. بعدها يتواصل المخالفون بالبناء مع بعض موظفي قسم التنظيم المعروفين بكل مجلس قروي، ويأتي دور مسؤولي وموظفي الجهات المختصة في إخفاء هذه المباني والمخالفات عن لجان الإزالة، وعقب علمهم يعملون على تضليلهم، أو دفع الرشاوى لهم، وتأتي الخطوة الثالثة من خلال بعض المختصين بالإزالة المرتشين، فيضطرون لعمل إزالات وهمية على الأوراق فقط، حتى يصبح موقفهم القانوني سليمًا. يذهب محضر المخالفة إلى المحكمة التي تصدر حكمها، إما بتغريم المخالفين بمبلغ مالي يعادل مثلي قيمة أعمال البناء، أو بالبراءة أو حبس كل منهم لمدة عام، وفي معظم الحالات تستمر أعمال البناء، خاصة أن الأراض الزراعية لا تصلح للزراعة بعد بنائها. في ذلك الوقت تقدم زوجة صاحب العقار أو شقيقه أو نجله طلبًا لتوصيل خدمات الكهرباء والمياه، لكون صاحب المنزل المخالف لا يمكنه التقدم بالطلب لمخالفته، وقتها يغير موظفو الوحدات حدود المنزل المراد توصيل مرافق له، كما أن فنيي التنظيم يتلاعبون برؤساء القرى فى عمل المعاينات؛ فرئيس القرية ليس من أبنائها، ولا يعرف موقع المنزل المراد توصيل مرافق له ولا يعرف الحدود الخاصة به. خطوة توصيل المرافق للمنزل تعتبر اعترافًا حكوميًّا بقانونية المنزل؛ تمهيدًا لمكوث الأسر داخل المنازل المخالفة، مما يزيد من صعوبة مهمة الأمن في إزالتها، وتأتي الخطوة الأخيرة والكارثية مع عملية التمدد بالبناء المخالف في نفس النطاق الجغرافي للمنزل المخالف، حتى إن سعر قيراط الأرض الزراعي يباع على أنه مبان، وهو ما يعرف باسم «كردون مبان». استصدار قرارات بمنع توصيل خطوط المياه والكهرباء لأي بنايات مخالفة، وإزالتها في مهدها، ومحاسبة كل من تسول له نفسه التعدي على الزراعات باعتبار القضية أمنًا قوميًّا، أبرز حلول المشكلة بحسب مصطفى محمد مرسي، باحث شؤون ومجالس بالوحدة المحلية لمركز ومدينة المنيا. أضاف مرسي ل«البديل» أن قانون البناء 119 ضعيف من حيث تفعيل العقوبات، فهو فتح الباب أمام الرشوة والمحسوبية، لذا وجب العودة لتطبيق قانون الحاكم العسكري الذى يقتضي بالحبس الفوري، وعدم التصالح ورد الشيء لأصله، وهو ما كان مطبقًا في حكومة الجنزوري، أو أن تتم مصادرة الأراضي المتعدي عليها، وتؤول ملكيتها للدولة باعتبار أن مالكها قد أجرم في حقها من حيث تغيير نشاطها الأصلي. رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا قال: عقوبة تغريم المخالف مثل قيمة البناء التي أقرها قانون 119، لا تعد ملائمة لكون بعض موظفي المحليات يزورون في مساحات الأراضي المتعدي عليها، التي يقاس عليها قيمة تكلفة المبان، فإذا كانت مساحة المنزل مائة متر يتم تسجيله مساحته على أنها 50 مترًا.