تستمر معاناة اللاجئين السوريين في البحث عن ملجأ آمن بعد أن هربوا من ويلات الحرب في بلادهم، وفي الوقت نفسه تواصل بعض الدول وعلى رأسها تركيا، استغلال الأزمة الإنسانية من خلال كسب ود دول أخرى أو الحصول على مصالح وتحقيق أهداف عجزت عن الوصول إليها سابقًا. استثمر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" أزمة اللاجئين منذ بدايتها في العديد من الأمور، التي كان أولها محاولات الظهور بمظهر الرئيس المتعاون الإنساني الذي يتعاطف بشدة مع اللاجئين وقضيتهم، وتنصيب نفسه في مكانه الرئيس الحكيم الذي يحاول الضغط على الدول العربية والأوروبية والغربية لاستقبال مزيد من اللاجئين، كما استغل الرئيس التركي الأزمة الإنسانية لجذب المزيد من الأصوات المؤيده له في الانتخابات التشريعية الأخيرة. في الوقت نفسه كان "أردوغان" يسعى إلى إغراق الدول الأوروبية باللاجئين، حتى تخرج هذه الدول معلنة عدم قدرتها على استقبال المزيد من اللاجئين، ليستثمر "أردوغان" الفرصة ويحمل مسؤولية غرقهم وتشريدهم إلى الدول الأوروبية، لتأتي هذه الدول إلى أنقرة في محاولة لاسترضاء الرئيس التركي، وهنا تبدأ المساومة والابتزاز والاستغلال، من خلال فرض "أردوغان" شروطه التي من بينها دعم مالي وإعادة تنشيط محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، والضغط على هذه الدول للتغاضي عن انتهاك السلطات التركية لحقوق الإنسان والقمع بحق الصحفيين والمحامين والاضطهاد السياسي، ووقف الاتحاد انتقاداته لممارسات القمع في تركيا. نجح "أردوغان" في استغلال وضع أوروبا المحرج والضغوط الدولية والإقليمية عليها، ونال إقرارًا باعتبار تركيا من الأوطان الآمنة، حيث اجتمع القادة الأوروبيون مع رئيس الوزراء التركي "أحمد داوود أوغلو" لثلاث ساعات خلال قمة في بروكسل عقدت في 29 نوفمبر الماضي، سعيًا للحصول على تعهد من تركيا بوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين مقابل الحصول على حوافز وامتيازات اقتصادية وسياسية، وأسفر الاجتماع عن توقيع الاتحاد الأوروبي مع تركيا اتفاقًا يعرض على أنقرة أموالًا وعلاقات أوثق مع الاتحاد مقابل مساعدتها في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وقال رئيس المجلس الأوروبي "دونالد توسك" الذي ترأس القمة "توصلنا مع تركيا لاتفاق بشأن اللاجئين وتسريع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي"، وذكرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، "اتفقنا على تقديم 3 مليارات يورو لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا". الخطة الأردوغانية نجحت بامتياز وبدأت بنودها في التنفيذ حرفيًا، حيث أعلنت وزارة الخارجية التركية الاثنين الماضي أنها فرضت تأشيرة دخول على السوريين الراغبين في دخول تركيا، اعتبارًا من 8 يناير الجاري، وذلك في خطوة تعتبر تتويجًا للصفقة الموقعة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وبحسب المتحدث باسم الخارجية التركية "طانجو بيلغيج"، فإن سيكون بالإمكان الحصول على هذه التأشيرات من السفارات والقنصليات العامة التابعة للجمهورية التركية، وأوضح أن تطبيق نظام تأشيرة الدخول على السوريين القادمين من دول أخرى، يندرج ضمن إطار الحد من الهجرة غير الشرعية. وأوضح المتحدث باسم الخارجية التركية أنه سيستمر العمل بالإعفاء من الحصول على تأشيرة الدخول إلى تركيا للمواطنين السوريين القادمين إلى الأراضي التركية عبر المراكز الحدودية البرية الموجودة على الحدود السورية، وهو البند الذي أثار سخرية المتابعين، حيث أن المعابر الحدودية التي تتحدث عنها تركيا أغلقتها السلطات منذ حوالي 10 أشهر، وهذه المعابر تديرها فصائل تعتبرها أنقرة خصمًا لها. القرار التركي الأخير لم يكن الوحيد الذي يستهدف اللاجئين السوريين، لكن يمكن القول بأنه الوحيد المُعلن حتى الأن، حيث يواجه اللاجئين حملة لتضييق الخناق عليهم تشنها السلطات التركية، ولا تعد هذه الحملة من قبل قوات خفر السواحل التركية شيئًا جديدًا، لكن يبدو أنها تم تكثيفها بعد عقد الصفقة التركية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع إلى القول بأن الدعم الأوروبي نجح في إحداث تغيير سريع في سياسة أنقرة تجاه اللاجئين السوريين. يبدو أن آمال وطموحات الرئيس التركي بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي ستنتهي إلى سراب، وهو ما أكده تصريحات مفوض الحكومة الألمانية لسياسات حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية "كريستوف ستراسر"، حيث أبدى ردة فعل شديدة على كل من الرئيس التركي وحكومة حزب العدالة والتنمية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، وقال "كريستوف ستراسر" إنه تتم معاقبة الأشخاص الذين ينتمون لأفكار مختلفة في تركيا، لافتًا إلى أن تركيا لن يمكنها الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي طالما مارست هذه الأفعال تجاه الفئات المعارضة. وأضاف مفوض الحكومة الألمانية لسياسات حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، أن "على الاتحاد الأوروبي أن يلتزم بالقوانين الواضحة والصارمة بشأن حقوق الإنسان وحرية الصحافة تجاه تركيا"، وتابع "علينا أن نحذر أنقرة مرارًا وتكرارًا من أجل الامتثال لهذه الأمور"، كما أوضح المسؤول الألماني أن الرئيس "رجب طيب أردوغان" أساء بصورة كبيرة للغاية لتركيا في مجال حقوق الإنسان.