في 20 ديسمبر الجاري، تناقلت وسائل الإعلام خبرا أفاد بأن مصدرا دبلوماسيا جزائريا قال إن بلاده عرضت على إيران والسعودية الدخول في مفاوضات مباشرة حول النزاعات المسلحة في سوريا والعراق واليمن، من أجل إعادة الاستقرار للمنطقة العربية. وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قدم المبادرة لكل من النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الذي زار الجزائر في 16 ديسمبر الحالي، في حين تم إبلاغ المبادرة للمبعوث الخاص للملك السعودي الأمير سعود بن محمد العبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، الذي زار الجزائر في 15 ديسمبر، والتقى بدوره وزير الخارجية والرئيس بوتفليقة، وأوضح المصدر أن تفاصيل المبادرة تتوقف على رد البلدين عليها وموقفهما منها، الأمر الذي لم يتم بعد. طرح الوساطة الجزائرية بين الرياضوطهران لم تكن الأولى، ففي وقتٍ سابق قال مصدر جزائري إن بلاده تمتلك مبادرة لحل الأزمة اليمنية، تنص على انسحاب أنصار الله من صنعاء، وعودة البرلمان اليمني الذي تم حله في الإعلان الدستوري، وإعطاء ضمانات أمنية وسياسية لأنصار الله وحلفائهم في اليمن، وأضاف أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قدم هذه المبادرة إلى نظيريه المصري سامح شكري، والسعودي سعود الفيصل، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بمدينة شرم الشيخ المصرية 26 مارس 2015، وأن المبادرة الجزائرية لها هدفان، الأول هو منع امتداد النزاع المسلح إلى جبهات أخرى أسخن من خلال احتمال وقوع اشتباك مباشر بين إيران ودول الخليج، أما الهدف الثاني فهو حل الأزمة اليمنية. العلاقات الجزائريةالإيرانية إرهاصات الوساطة الدبلوماسية بين إيرانوالجزائر لاحت في الأفق منذ عهدي الرئيسين الجزائريين الأسبقين علي كافي، والأمين زروال، حيث سعى الإيرانيون للوصول إلى مصالحة مع الجزائر في عهدهما، إلا أن هذه الجهود لم تثمر كثيرا، حتى مساعي بعض الدول العربية كسوريا لتحقيق المصالحة بين طهرانوالجزائر لتعزيز الصف الإسلامي باءت بالفشل، فالطرف الجزائري اعتبر إيران داعمة للإرهاب. النقلة النوعية في تطوير العلاقات كانت عبر التغيرات التي صاحبت السياسة الخارجية لإيران، فتصدر تيار الرئيس هاشمي رفسنجاني، على التيار المتشدد بقيادة علي أكبر محتشمي، مكَّن طهران من تعديل موقفها من الأحداث الجارية في المغرب العربي، وتراجع تأييدها للجماعات الأصولية المحلية. في عام 1979 اندلعت الثورة الإيرانية، وما لبثت أن أيدتها الجزائر، وشهدت العلاقات بعدها تطويرا مريحا إلى حد ما، توٍّج بزيارة الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، لطهران عام 1982، كما وأنه بعد قطع العلاقات بين طهران وواشنطن عام 1980 على خلفية الحرب العراقية الإيرانية، لعبت الجزائر دورا دبلوماسيا في تمثيل ورعاية المصالح الإيرانية في أمريكا. في أوائل التسعينيات ظهرت توترات بين الجزائروطهران على خلفية اتهام رئيس وزراء الجزائر الأسبق رضا مالك، لطهران بمساندة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، باعتباره تدخلا في شؤون الجزائر الداخلية، وقتها أثيرت موجة من الأخبار بأن إيران وعدت حزب الإنقاذ المنحل بمساعدات مالية ضخمة في حال وصل إلى سدة الحكم في الجزائر، بعدها تدهورت العلاقات الإيرانيةالجزائرية نتيجة اتهام الجزائرلإيران بدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وانتهى الأمر بقطع الجزائر علاقاتها مع إيران في نهاية مارس 1993 إبان حكم المجلس الأعلى للدولة برئاسة علي كافي، التي شهدت فترته وخلفه الأمين زروال، محاولات عديدة من الجانب الإيراني لتصحيح مسار العلاقات لكنها لم تلق قبولا بما يكفي من الطرف الجزائري. تطورت العلاقة بين الجزائروإيران بشكل كبير في عهد الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، فقد أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في سبتمبر 2000، وتم تبادل السفراء في أكتوبر 2001، وبعد هذا التطور زار الرئيس بوتفليقة إيران في أكتوبر 2003، وبعد سنة زار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الجزائر، ومن بعدها توالت الزيارات الدبلوماسية بين البلدين، وفي عام 2003 تم إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة في الجزائر لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ملامح الانفتاح الإيراني على الجزائر جاءت عبر البوابة النووية، ففي 2006 قال الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، إن إيران مستعدة لوضع خبراتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر، في المقابل أيدت تصريحات الجزائر حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، ما يعني دعمها وبصورة غير مباشرة لحق إيران في المشروع النووي السلمي. في الوقت الراهن تتطابق وجهات النظر إلى حدٍ كبير في كثير من القضايا السياسية بين الجزائروطهران كالقضية الفلسطينية والعراق وسوريا، حيث رفضت الجزائر إقصاء دمشق عن الساحة السياسية، وتجلى ذلك في موقفها من تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وفي نفس الوقت تذمرت الجزائر من تسليح دول الخليج للمعارضة السورية، وفي اليمن رفضت الجزائر المشاركة في ما يسمى "عاصفة الحزم"، ودعت إلى الحوار السياسي في اليمن كبديل عن الحرب، كما أن موقف الجزائر الأخير من التحالف الإسلامي العسكري المزمع إنشاؤه يشير بوضوح إلى مدى تقارب المواقف بين الجزائروطهران. العلاقات الجزائرية السعودية شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والسعودية تدهورا واضحا، على خلفية تباين الرؤى حول الأزمات العربية ومواقف كل دولة منها. اليمن التطور الأبرز كان في الساحة اليمنية، حيث رفضت الجزائر المشاركة في عاصفة الحزم بقيادة المملكة السعودية في اليمن، تعبير الرفض جاء على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، حينما أكد أن بلاده ترفض المشاركة في هذه العملية، وعلى الرغم من تأكيد وزارة الشؤون الخارجية في 8 أبريل2015، على لسان ناطقها الرسمي، بأن العلاقات بين الجزائر والمملكة العربية السعودية متينة ومتجذرة ومتميزة وهي في تطور دائم ومستمر، إلا أن المعطيات تشير إلى عكس ذلك، فالجزائر أعلنت تحفظها أيضا على مشروع تشكيل قوة مشتركة عربية. النفط بحسب البيانات التي صدرت في 23 ديسمبر، انخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز وهما يشكلان نحو 94% من إجمالي الصادرات إلى 32.36 مليار دولار في ال11 شهرا، مقارنة مع 56.2 مليار دولار في الفترة المقابلة من 2014. وهنا يشكل النفط نقطة خلاف محوري بين الجزائر والسعودية، فالجزائر تعتبر السعودية سببًا أساسيًّا في تراجع أسعار البترول، وبرزت تصريحات تتهم السعودية بالوقوف وراء ذلك، ليضاف إلى ذلك تضارب الرؤى بين الجانبين في كيفية مواجهة الأزمة اليمنية. التحالف الإسلامي أعلنت الجزائر تحفظها على المشاركة في التحالف الإسلامي الذي شكلته السعودية ضد تنظيم داعش، بسبب الخلافات مع السعودية بشأن التعاطي مع القضايا الإقليمية والعربية، حيث بررت الجزائر عدم مشاركتها في التحالف بالدستور الذي يمنع قتال الجنود الجزائريين خارج الأرض الجزائرية، وعلى ما يبدو فإن هذا المبرر غير كاف في نظر المملكة السعودية، فتكرار الرفض الجزائري للتحالف أو المبادرة السعودية يعطي انطباعا بأن الجزائر تعلن عدم رضاها عن الطريقة التي تتعاطى بها المملكة السعودية مع الوضع المتأزم في سوريا، ولا سيما دعمها للجماعات السورية المسلحة، وعدوانها على اليمن، كما تنتقد إدارتها لأسعار النفط في منظمة الأوبك ولا تستبعد ضلوعها في تراجع أسعاره، الذي يعد بالنسبة للجزائر قضية تتعلق بأمنها القومي، كما أن دعم السعودية الكامل للمغرب في قضية الصحراء يشكل تهديدا مباشر على الجزائر. يبقى الحديث عن الوساطة الجزائرية بين الرياضوطهران المتزامنة مع دعوة السعودية لتشكيل تحالف إسلامي عسكري يشكك وبشكل كبير في مدى قدرة السعودية على بلورة هذا التحالف على أرض الواقع.