لم يعد أمام السلطة الفلسطينية ما تخسره، فقد تعددت وتكررت كثيرًا النداءات بوقف الانتهاكات الصهيونية والعودة إلى طاولة الحوار والتزام الاحتلال بالاتفاقيات التي تم توقيعها من قبل، إلا أن الكيان الصهيوني وداعميه لم ينصتوا يومًا لهذه النداءات، فالانتهاكات الإسرائيلية تتصاعد، والأراضي المحتلة تزداد معاناتها، والحصار يصعب الأمور على الشعب الفلسطيني الذي لم يعد يعلم من أين ستأتي الطعنة القادمة، فأصبح هو الآخر لا يملك ما يخسره، وهو ما دفعه إلى القيام بهبّة شعبية كبيرة، اتخذها لتحديد مصيره، فإما الانتصار وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح أو الاستشهاد ليأتي من يكمل المسيرة. قنبلة "الأممالمتحدة" سبق وأن وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبومازن"، بإلقاء قنبلة كبيرة في خطابه على منصة الأممالمتحدة، وهو الأمر الذي استهزأ به الكثيرون وخاصة الكيان الصهيوني، فلم يكن يعلم المفاجأة التي تحضرها السلطة الفلسطينية المستندة على قاعدة كبيرة من المقاومة الشعبية، حيث امتاز خطاب عباس، من أعلى منصبة الأممالمتحدة، بلهجة تهديد وتحذير مرتفعة وهجوم لاذع وغير مسبوق للحكومة الصهيونية، اعتبره البعض "تهديدا فارغا من مضمونه"، فيما حذر البعض الآخر من أن صبر السلطة الفلسطينية بدأ ينفد بالفعل، خاصة في ظل الضغط الكبير الذي تتعرض له سواء من قبل الشعب الفلسطيني أو فصائل المقاومة. أعلن الرئيس الفلسطيني حينها أن السلطة "لا يمكنها الاستمرار في الالتزام بالاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي في ظل عدم التزامه بتلك الاتفاقات وخرقها دائمًا"، وأوضح أنه "ما دام الكيان الصهيوني يصر على عدم الالتزام بالاتفاقيات وتحويلنا إلى سلطة شكلية من دون سلطات حقيقية، فإنه لا يترك لنا خيارًا سوى تأكيد أننا لن نكون الوحيدين الملتزمين بالاتفاقيات الموقعة"، كذلك أشار الرئيس الفلسطيني في خطوة هي الأولي من نوعها إلى زمن محدد لتنفيذ تهديداته، قائلًا "سنبدأ تنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، فإما أن تكون السلطة ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال مسؤولياتها كافة". استهانة صهيونية ما إن انتهت كلمة أبومازن، في الأممالمتحدة حتى انطلقت التكهّنات والتفسيرات والتحليلات التي لم تخل من مواقف عدة تراوحت بين الترحيب والتشكيك والترقب، وداعية إلى إقران الأقوال بالأفعال، هذا كله جاء إلى جانب انتقادات صهيونية واستهانات عديدة بإمكانية تنفيذ الرئيس الفلسطيني لتهديداته، لكن سريعًا ما وجد الاحتلال نفسه أمام عاصفة كبيرة من المقاومة الشعبية التي تنتفض في وجهه، حيث بدأت العاصفة بعد أيام قليلة من تصريحات الرئيس في الأممالمتحدة، ولا تزال مستمرة حتى الآن، على الرغم من الإجراءات القانونية والأمنية الصهيونية التي لم تتوقف يومًا منذ بداية الهبّة الشعبية الفلسطينية، إلا أنها عجزت وأثبتت فشلها في إيقاف أو على الأقل تحجيم الغضب الفلسطيني، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن "الشعب الفلسطيني نفد صبره منذ وقت طويل لكنه كان بانتظار إشارة الانطلاق". التهديدات تتحول إلى حقائق نيران المواجهات التي اندلعت في الأقصى انتقلت لتشتعل في جنين ونابلس ورام الله وطولكرم وبيت لحم والخليل وغيرها، ليصبح الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار أمني دائم، لكنه في الوقت نفسه يزداد تصعيدًا، فضلا عن تهديد بعض الفصائل بعودة المقاومة المسلحة، هنا أدرك الاحتلال معنى التهديدات الفلسطينية، التي عجزت حتى أمريكا الحليف الحامي للكيان الصهيوني عن إيقافها، حيث كشف مصدر سياسي فلسطيني كبير، أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حاول منع الرئيس الفلسطيني من تحديد سقف زمني لتهديداته بحلّ السلطة وتحميل سلطات الاحتلال مسؤولياته كاملة في الضفة الغربية. تحذيرات مجددة ودعم غير معلن تحذيرات الرئيس الفلسطيني انطلقت من جديد، حيث حذر من أن الأوضاع في فلسطين قد تتفاقم أكثر في وقت قريب بسبب تصرفات السلطات الإسرائيلية، وذلك خلال لقائه رئيسة مفوضية السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، 26 أكتوبر الماضي، متفاديًا إدانة عمليات المقاومة الفردية التي اشتعلت في الأراضي الفلسطينية ضدّ إسرائيليين، وهو ما جعل المراقبين يعتبرون أن عباس، فضل الوقوف مواربًا الباب، فلا هو مؤيد للهبّة الفلسطينية بشكل معلن، ولا هو مندد بها ومنتقدها كما كان سابقًا. انتفاضة ثالثة الهبّة الفلسطينية التي أثبتت فشل الكيان الصهيوني أمنيًا واستخباراتيًا وراح ضحيتها أكثر من 74 شهيدا فلسطينيا وآلاف الجرحي، تمنى البعض ارتقاءها إلى "انتفاضة فلسطينية ثالثة"، حيث حذرت بعض وسائل الإعلام الصهيونية من انضمام السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة لها، لتصبح ثورة وانتفاضة جديدة تأكل الأخضر واليابس، مع الأخذ في الاعتبار أن الاحتلال عاجز في الوقت الحالي عن إيقاف الهبّة الفلسطينية "غير المنظمة"، فماذا إذا تحولت إلى انتفاضة منظمة تجمع كافة الأطراف الفلسطينية؟. سحب الاعتراف التحذيرات الفلسطينية من انفلات الأمور تصاعدت، حيث أكدت السلطة الفلسطينية أن الأوضاع بدأت تفلت تدريجيًا من أيديها وأجهزتها الأمنية، وهو ما دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى بحث احتمال سحب الاعتراف بإسرائيل الذي سبق توقيع اتفاق أوسلو لعام 1993، خاصة بعد وقف الالتزام بالاتفاق نفسه، وهو ما أكده أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، حيث قال إن احتمال سحب اعتراف المنظمة بإسرائيل الذى سبق توقيع اتفاق أوسلو لعام 1993، أصبح قائمًا، وذلك لعدم التزام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأى من الاتفاقات والتفاهمات التى وقعت معها، ودعا إلى عقد المجلس الوطنى الفلسطينى لإقرار البرنامج السياسى الجديد للمنظمة. جاء تصريح عريقات، فى معرض شرحه للقرار الذى توصلت إليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فى اجتماعها برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فى مقر الرئاسة برام الله، وينص على تحديد العلاقة مع إسرائيل أمنيًا واقتصاديًا، وأكد عريقات، أن هذا القرار من المفترض أن يطبق نهاية نوفمبر الحالي بعد المشاورات التى سيجريها عباس مع بعض الزعماء العربية ودول صديقة. تصريحات عريقات أكدتها أيضًا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، حيث قالت إن سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل سيكون أحد الخيارات الفلسطينية فى حال استنفاد كل التحركات الممكنة، وأشارت إلى أن "أولى الخطوات للرد على المشاريع العنصرية الإسرائيلية وآخرها التصعيد الاستيطاني هو التحرك على أعلى المستويات لملاحقة إسرائيل قانونيًا وقضائيًا"، وتابعت "يجب العمل وفق خطة تدعم صمود المقدسيين بالتحرك عربيًا ودوليًا على المستوى القانونى لملاحقة إسرائيل قضائيًا لخرقها المتواصل لكل الاتفاقات والقوانين الدولية، واستمرارها بالمخططات التهويدية، إضافة لتفعيل المقاومة الشعبية". التوجه إلى المحافل الدولية في ظل غياب أي حراك بشأن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ومع انشغال المجتمع الدولي بمستجدات الأوضاع في سوريا والعراق، وفي الوقت الذي يزداد فيه التصعيد الإسرائيلي مستغلًا أن الشارع العربي المنغمس في المواجهة مع تنظيم داعش والإرهاب غير قادر حاليًا على ضبط الجموح الإسرائيلي المستفز، تسعى السلطة الفلسطينية إلى فتح طريق آخر يمكنها أن تنال من خلاله ولو اعترافا صوريا بالانتهاكات الصهيونية، وبشرعية الدولة الفلسطينية، حيث تحاول السلطة حجز مقعد لها في كل المحافل الرسمية، والحصول على قرار واحد على الأقل من مجلس الأمن الدولي، ومن المحكمة الجنائية الدولية بإدانة إسرائيل، على الرغم من علمها بصعوبة هذه الخطوة في ظل وجود "فيتو أمريكي" يحمي الاحتلال ومصالحه. رفع علم فلسطين بعد مطالبات ونداءات فلسطينية ومراوغات وتنديدات وتهديدات إسرائيلية، رفرف العلم الفلسطيني للمرة الأولى أمام مقر هيئة الأممالمتحدة في نيويورك في 30 سبتمبر الماضي، حيث تم رفع العلم بحضور الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة والرئيس الفلسطيني وعدد من كبار المسؤولين الدوليين، وذلك بعد إجراء تصويت بهذا الشأن، حيث وافقت أغلبية ساحقة على القرار بواقع 119 عضوًا، بينما رفض 8 أعضاء القرار بما فيهم إسرائيل والولايات المتحدة وكندا، وامتنع 45 عضوًا عن التصويت، في خطوة وصفتها السلطة الفلسطينية بأنها مهمة وكبيرة على طريق تثبيت الحقوق الفلسطينية وتدويل القضية. اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرار الجمعية العامة رفع علم فلسطين على مباني الأممالمتحدة في نيويورك خطوة هامة في مسيرة القضية الفلسطينية، وقال حينها "لقد حققنا شبه إجماع في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأننا ننظر إلى الذين صوتوا معنا وإلى الذين امتنعوا عن التصويت، وبالتالي كانت النتيجة كما صورتها الكثير من القنوات الفضائية ووكالات الأنباء بأننا حصلنا على القرار بإجماع دولي"، وأضاف أن "هذه الخطوة ستليها خطوات أخرى، ومن أهم الملاحظات التي رأيناها في التصويت هو أن عدد الذين صوتوا ضدنا في السابق كانوا 9، واليوم أصبحوا 8، ما يعني أن الاعتراض والامتناع في تراجع مستمر". من جانبه؛ رحب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، بتبني الأممالمتحدة هذا القرار، ووصف الخطوة ب"التاريخية"، شاكرًا الدول الشقيقة والصديقة التي صوتت لصالح القرار الذي أجاز رفع علم فلسطين على مقرات الأممالمتحدة بصفتها دولة مراقبة، ودعا الدول التي امتنعت عن التصويت لمراجعة مواقفها، وأن تقف عند مبادئها وتتوقف عن الكيل بمكيالين، مشددًا على أن من يريد الحفاظ على السلام يجب أن يتحلى بالشجاعة للوقوف مع الحق. فلسطين في الجنائية الدولية حاولت فلسطين الحصول على حقوقها من خلال دخول الجبهة القضائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يمكن السلطة الفلسطينية من رفع قضايا ضد قادة الاحتلال الإسرائيلي في المحاكم الدولية فيما يخص العدوان وجرائم الحرب، وبالفعل تقدمت فلسطين بطلب للمحكمة الجنائية الدولية تطالب فيه بالانضمام إليها، وفي مطلع أبريل الماضي، أعلن الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله، أن فلسطين انضمت رسميًا إلى المحكمة بصفة عضو كامل الحقوق، وأوضح أن اتفاقية روما التي تعتمد عليها المحكمة في أنشطتها، دخلت اليوم بكامل بنودها حيز التطبيق بالنسبة لفلسطين، بما في ذلك حقوق وواجبات الدولة العضو. المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، قال حينها إن انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية يمثل خطوة نحو إنهاء حقبة عدم المساءلة والإفلات من العقاب، وأشار إلى أهمية اتخاذ كافة الخطوات الممكنة لضمان المساءلة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وفي نفس الوقت تأمين الحماية للمدنيين الفلسطينيين، مضيفًا "الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس حقا فقط، بل واجب في وجه الظلم الدائم والكبير الذي يتعرض له شعبنا، والجرائم المتكررة التي ترتكب ضده، مع ذلك فإن قرار فلسطين للانضمام هدفه السعي لتحقيق العدالة وليس الانتقام"، وفور الانضمام إلى الجنائية الدولية قدمت رام الله شكوى إلى المحكمة بشأن انتهاك إسرائيل للقانون الدولي. الدبلوماسية لا تتوقف محاولات الدبلوماسية الفلسطينية لم تتوقف عند هذا الحد، بل واصلت خطواتها بالتوجه للمؤسسات الأممية والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والانضمام للمنظمات العالمية، وتعد منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" واحدة من هذه المنظمات التي قررت السلطة الانضمام إليها مؤخرًا، وكشفت الحكومة الفلسطينية في أغسطس الماضي أنها قدمت طلبًا رسميًا باسم دولة فلسطين للانضمام إلى منظمة الإنتربول الدولية، حيث قالت "تقدمت دولة فلسطين بطلب انضمام رسمي للإنتربول، وقعه رئيس الوزراء رامي الحمد الله"، وأضافت "فلسطين أكدت التزامها بالقانون الدولي وبلوائح وقوانين الإنتربول كافة، حيث تسعى دولة فلسطين لطلب تسليمها الهاربين من مواطنيها لدول أخرى، لاسيما المطلوبين بقضايا وطنية وتهم فساد مالي وغيرها من القضايا".