لم تتوقف أمريكا لحظة عن مراقبة روسيا سواء في الشأن السياسي أو العسكري، حتى أنها أصبحت تستشيط غضبًا بمجرد عقد موسكو تحالفات سياسية جديدة أو توقيع اتفاقيات عسكرية مع أي من الدول التي خرجت من تحت العباءة الأمريكية، كذلك الصين التي تعتبر الآن أحد عمالقة الدول الكبري اقتصاديًا وسياسيًا، وتختلف رؤيتها شكلًا ومضمونًا عن أمريكا في العديد من القضايا الإقليمية، وهو الأمر الذي يُشعر واشنطن بالقلق من تنامي النفوذ الروسي والصيني مقابل اختفاء النفوذ الأمريكي في المنطقة. قال وزير الدفاع الأمريكي "آشتون كارتر"، إن روسياوالصين تشكلان تهديدًا محتملا للنظام العالمي، بسبب الدور الروسي في أوكرانيا، وتنامي قوة الصين العسكرية، وأضاف "كارتر" أن المؤسسة الدفاعية الأمريكية تدرس طرقًا مبتكرة لردع العدوان الروسي وحماية حلفاء الولاياتالمتحدة وشركائها، وتابع "كارتر" أن روسيا تقوم بأنشطة في عرض البحر والجو والفضاء وعلى شبكة الإنترنت، مؤكدًا أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو تهديد موسكو بالسلاح النووي"، وأردف "نحن لا نسعى لحرب باردة، ناهيك عن الساخنة مع روسيا، نحن لا نسعى لجعل روسيا عدوًا لنا، لكن الولاياتالمتحدة لا تخطئ عندما ندافع عن مصالحنا وحلفائنا ومبادئ النظام الدولي، والمستقبل الإيجابي لنا جميعًا". واسترسل "كارتر" في الحديث، حتى عرج فيه إلى الأزمة السورية، واتهم روسيا "بصب الزيت في نار الحرب الأهلية الخطرة في سوريا"، لكنه لم يستثنِ رغم ذلك أنه بوسع روسيا أن تلعب دورا بناء في إخماد النزاع السوري، وأوضح وزير الدفاع الأمريكي، أن "من الممكن أن تلعب روسيا دورًا بناء في حل الحرب الأهلية السورية"، مشيرًا إلى أن "بوتين لم يفكر جيدًا في أهدافه في سوريا"، ووصف النهج الروسي هناك بأنه "بعيد عن مساره"، وقال "كارتر" إن الولاياتالمتحدة شرعت بتحديث ترسانتها النووية، والاستثمار في تقنيات جديدة مثل الطائرات المسيرة بدون طيار وقاذفة قنابل جديدة بعيدة المدى إضافة إلى الأسلحة التي تستخدم أشعة ليزر وومدفع الكترومغناطيسي وانظمة جديدة للحرب الإلكترونية. وفيما يتعلق بالصين، قال "كارتر" إن الصين هي أكثر اللاعبين تأثيرًا في مستقبل آسيا، مشيرًا إلى صعوده مؤخرًا على متن حاملة طائرات أمريكية في بحر الصينالجنوبي لإظهار التزام الولاياتالمتحدة بحرية الملاحة، وختم بالقول "كقوة صاعدة، من المتوقع أن يكون لدى الصين طموحات متزايدة وعمليات تحديث للجيش، لكن كيفية تصرف الصين سيكون الاختبار الحقيقي لالتزامها بالسلام والأمن". تأتي تصريحات وزير الدفاع الأمريكي في الوقت الذي تسود فيه حرب باردة بين روسياوالصين من ناحية وأمريكا من ناحية أخرى، حيث شهدت السنوات الأخيرة توترات كبيرة بين الأطراف الثلاثة، جعلت واشنطن قلقة من التحالف الروسي الصيني الذي بات يهدد نفوذ أمريكا في المنطقة. العلاقات الروسية الأمريكية لم تكن يومًا جيدة وخاصة منذ بداية الأزمة السورية والأزمة الأوكرانية وانضمام شبة جزيرة القرم لروسيا، فهذه القضايا الإقليمية الثلاثة جعلت العلاقات بين البلدين على حافة الانهيار وهو ما تكشفه التصريحات الأمريكية والروسية في الكثير من المواقف، لكن الدول الكبرى عادة ما تُخفي عداوتها لكنها في الوقت نفسه تقود حرب بادرة مع الدول المعادية، وهو ما يحدث نصًا بين الطرفين. الأزمة الأوكرانية وانضمام "القرم" لروسيا، أخذ شهور من الجدل والتصريحات الغاضبة والتهديدات الحذرة، إلا أن الإدارة الأمريكية في نهاية المطاف لم تستطيع أن تمنع روسيا من إقرار سياستها في أوكرانيا وضم "القرم" إليها، وهو ما جعل أمريكا تشعر بالحرج بعد أن ادركت أن كلمتها لم تعد مسموعه أو مؤثرة في المنطقة. الأزمة السورية وخاصة التدخل العسكري الروسي في الأراضي السورية مؤخرًا، كان بمثابة الصفعة الأخيرة الموجهه من روسيا إلى أمريكا، فعلى الرغم من محاولة الإدارة الأمريكية إظهار تحالفها مع روسيا بشأن الأزمة السورية، إلا أنها في الحقيقة ومن وراء الأبواب المغلقة تستشيط منها غضبًا على الأقل لأن روسيا بتدخلها في الأزمة السورية سحبت البساط من تحت أقدام أمريكا، وحطمت كل أمال الأخيرة في إسقاط النظام السوري من خلال إطاله أمد النزاع وبالتالي تدمير الدولة السورية. فيما يخص الصين، ترى الولاياتالمتحدةالأمريكية أن بكين تسعى لتوسيع نفوذها العسكري قبالة شواطئها وتخشى الولاياتالمتحدة ودول جنوب شرق آسيا من عملية عسكرية مفاجئة للعملاق الصيني، من شأنها أن تمنحه السيطرة على الأرخبيل، الذي يعد أحد ممرات الملاحة الأكثر استراتيجية في العالم، وهو ما يثير غضب وامتعاض الإدارة الأمريكية ويشعرها بالقلق الزائد، ومن جانب الصين فإنها تطالب بأحقيتها فى كامل بحر الصينالجنوبى تقريبًا، كما تقوم بأعمال استصلاح وتشييد فى منطقة بحر الصينالجنوبى المتنازع عليها. بدا هذا النزاع جليًا مؤخرًا عندما تحدت الإدارة الأمريكية تحذيرات الصين من خلال إرسال أمريكا مدمرة مزودة بصواريخ على بعد أقل من 12 ميلا بحريًا من جزر اصطناعية تبنيها بكين في بحر الصينالجنوبي في أكتوبر الماضي، وهو ما أثار حفيظة بكين التي سبق أن حذرت أمريكا من الإقدام على هذه الخطوة، وأعلنت السلطات الصينية حينها أنها حذرت ولاحقت سفينة حربية أمريكية اقتربت من جزر صناعية تبنيها بكين في بحر الصينالجنوبي، ووصفت وزارة الخارجية الصينية الخطوة الأمريكية بأنها "غير مشروعة"، مضيفة في بيان لها أن "الصين تحث بقوة الجانب الأمريكي على تصحيح خطأه على الفور، وألا يتخذ أي إجراءات خطيرة أو استفزازية تهدد سيادة الصين ومصالحها الأمنية".