الصين.. تلك الدولة العملاقة التي فرضت نفسها بقوة علي الساحة الدولية كلاعب رئيسي فيما يجري من تحولات وتطورات في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية, وأصبحت رقما صحيحا يخشي جانبه ويحسب له ألف حساب من جانب القوي السياسية الكبري لأسباب يعلمها الجميع, وأصبحت مصالحها متقاطعة مع مصالح عدد من اللاعبين الأساسيين وعلي رأسهم الولاياتالمتحدة. فما أسباب هذا الصراع ما هي احتمالاته المستقبلية؟. وربما يبدو ذلك جليا في الإجراءات التي يمكن وصفها بالعدائية التي اتخذتها واشنطن في منطقة جنوب شرق آسيا القريبة من الصين. ويفسر ذلك تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في يوليو الماضي أثناء انعقاد منتدي أمن دول جنوب شرق آسيا, عندما انحازت لفيتنام, وغيرها في نزاعها مع الصين بشأن بحر الصين الجنوبي رغم إبلاغ بكينواشنطن أنها تعتبر بحر الصين الجنوبي منطقة نفوذ استراتيجي وعدت ذلك هجوما عليها. ولم تمر أيام حتي بدأت الولاياتالمتحدة مناورات بحرية هائلة مشتركة مع كوريا الجنوبية في بحر اليابان رغم اعتراض الصين. كما كشفت واشنطن النقاب عن تحالف نووي يجري التباحث بشأنه مع فيتنام وهو التحالف الذي قد يثمر في النهاية بناء مفاعل نووي في هانوي. وخلف هذا التوتر يرتسم العديد من التغيرات الجذرية في توازن القوي العالمية, فالنمو الاقتصادي الصيني السريع خلال العقدين الماضيين جعلها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية, وقبل اليابان, وهو الأمر الذي أربك العلاقات الإقليمية علي المستويين الآسيوي والدولي, وفي الوقت نفسه تتصرف واشنطن وفق ما تشهده من انحدار اقتصادي تاريخي, حيث تلجأ في مثل هذه الفترات العجاف إلي قوتها العسكرية للسيطرة علي المناطق الغنية, بمصادر الطاقة في آسيا الوسطي, والشرق الأوسط, ومواجهة الصين بتحالفات وشركاء بدءا من اليابان, وكوريا الجنوبية, مرورا بالهند, وباكستان, وأفغانستان. ولم تخف الولاياتالمتحدة رغبتها في الوجود في جنوب آسيا حيث أكدت كلينتون أن بلادها تريد تدعيم أواصر العلاقات مع حكومات المنطقة, فيما أشار جون مير شيمير استاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو في مؤتمر عقد في سيدني في4 أغسطس الماضي تحت عنوان التحديات التي تواجه الصين امام تنامي القوي الأمريكية إلي حد الصراع القائم بين الجانبين موضحا أن توسع الصين غير العادي جعلها تسعي لأن تكون قوة اقليمية وذلك بلجوئها إلي نفس الاساليب الشرسة التي اعتادتها واشنطن كي تضمن هيمنتها في أمريكا الشمالية والوسطي والجنوبية. بينما ينتاب الاستراليون القلق من تصاعد الدور الصيني لأنه قد يؤدي إلي تنافس أمني شرس بين الصين وأمريكا ويحمل في طياته إرهاصات حرب محتملة يعتقد أن أغلب جيران الصين ومنها الهند واليابانوسنغافورة وكوريا الجنوبية وروسيا وفيتنام اضافة إلي استراليا ستنضم حتما إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل احتواء الصين. كما استبعد ميرشيمير أن تلعب العبارات الدبلوماسية وكذلك الاعتبارات المتبادلة من الجانبين أي دور في تجنب حدوث نزاع بينهما فالصين تري أن من حقها تدعيم قواتها العسكرية للدفاع عن مصالحها في العالم وان واشنطن دولة داعية إلي الحرب وخطيرة ومن ناحية أخري خاضت الولاياتالمتحدةالأمريكية14 عاما من الحروب من أصل21 عاما هي التي تفصلنا عن نهاية الحرب البادرة وهو ما يعني واشنطن قضت ثلثي الفترة في حروب ولا ننسي أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يخطط لحرب أخري ضد إيران التي ان حدثت ستجعل الصين تنقض علي تايوان لتأمين نفسها ويجعل موتور ماكينة العتة ينطلق في العالم. ونظرا لتوسع الصين الاقتصادي باعتبارها أكبر سوق رخيصة في العالم فهذا يقتضي منها زيادة كمية ما تستورده من المواد الأولية من جميع أنحاء العالم وهو الأمر الذي يوجب علينا تأمين طرق تجارتها من البترول والغاز الضروريين لها اللذين تقوم باستيرادهما من الشرق الأوسط وإفريقيا, كما تحرص واشنطن علي تحقيقا توازن بين مصالحها ومكاسبها الاقتصادية باعتبارها من أكبر مصدري المعادن للصين من ناحية وتحالفها العتيد مع الصين من ناحية أخري, فهي تدرك أنها ستكون مضطرة لخوض نزاع منتظر معها. أما بكين فلكي تعبر من المحيط الهندي إلي بحر الصين الجنوبي فليس أمامها سوي خيارين: مضيق ملقا التي تتحكم فيه فعليا سنغافورة الحليف وثيق الصلة بأمريكا أو مضيق لومبوك وسوندا اللذين يجتازن الارخبيل الاندونيسي وكلاهما يقع شمال استراليا مع العلم بأن الإجراءات التي تتخذها الصين لتحييد التهديد الاسترالي علي جيرانها ستدفع بالتأكيد كثيرا إلي توطيد علاقاتها بواشنطن لاحتواء الصين. ونظرا لأنه تتملكها نزعة عدوانية تجعلها تشن أي حرب تسعي واشنطن إلي الحيلولة دون صعود أي قوة أخري سواء كانت حليفة أو من محور الشر وهو ما اعتادت ممارسته خلال العقدين الماضيين. لقد شهد التاريخ حالات نزاع مثيلة لتلك الصراع القائم بين واشنطنوبكين وتسببت في حروب كثيرة ففي بداية القرن العشرين كان لصعود ألمانيا كقوي رأسمالية عظمي جديدة أن أثار حفيظة الامبراطورية البريطانية وقوي أخري وهو الأمر الذي أدي إلي حربين عالميتين مدمرتين فهل ستكون الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين السبب في حرب عالمية ثالثة لاسيما ان ضرب إيران يهدف في المقام الأول لاحتواء الصين؟