نشرت وكالة "أسوشيتد برس" الأسبوع الماضي تقريرًا لها حول تزايد المخاوف الأمريكية على جنودها الذين يخدمون ضمن قوات مراقبة السلام الدولية في سيناء، مؤكدة أن واشنطن تدرس تعزيز حماية هؤلاء الجنود أو سحب قواتها تمامًا، مبرررة ذلك بأنها تخشى تعرض جنودها للعنف أو يتم استهدافهم على أيدي تنظيم داعش. وألمحت الوكالة الأمريكية إلى أن ارتفاع وتيرة الأحداث والهجمات التي يتم خلالها استهداف قوات الشرطة والجيش المصري، تثير القلق لدى الإدارة الأمريكية حول تواجد جنودها ضمن قوات حفظ السلام، خاصة أن تسليحهم خفيف ولا يمتلكون الوسائل التي تمكنهم من مواجهة داعش؛ على حد قول الوكالة. ما نشرته الوكالة الأمريكية يثير العديد من التساؤلات، لكن إذا ما عُدنا إلى الشهور القليلة الماضية، ربما نفهم تطورات الوضع، ففي مطلع شهر مايو الماضي كانت افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" تتحدث عن أن الإدارة الأمريكية تدرس سبل مد الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي إلى ما بعد سوريا والعراق، بحيث يتم استهداف المناطق كافة التي تنشط بها جماعات إرهابية تعتبر امتدادًا لتنظيم داعش، ومن بين هذه المناطق كانت شبه جزيرة سيناء التي تنشط بها جماعة "أنصار بيت المقدس". ليست أمريكا وحدها التي تتجه بأنظارها صوب سيناء، فالكيان الصهيوني حليفها الأول بمنطقة الشرق الأوسط، هدد خلال شهر يوليو الماضي، بضرب تنظيم ولاية سيناء الإرهابي داخل الأراضي المصرية، كعملية استباقية لمنع تنفيذ أي هجمات ضد قوات الاحتلال ومستوطناته القريبة من الحدود المصرية، طبقًا لما نقله المتحدث باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي" عن قيادة المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الصهيوني، خلال مراسم تسلم العميد "رافي ميلو" قيادة فرقة "إدوم" الجنوبية في جبال إيلات. لم تكن التصريحات السابقة الوحيدة التي صدرت عن قيادات صهيونية تتحدث عن ما تسميه بخطر الجماعات الإرهابية في سيناء، بل إن بعض هؤلاء القادة ذهب إلى أبعد من الحديث عن خطر سيناء، مطالبًا بمعاودة احتلالها كضمان لأمن الكيان الصهيوني، حيث هدد خلال شهر أبريل 2012 رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بجيش الاحتلال في ذلك الوقت "أفيف كوخابي" بإعادة احتلال سيناء مرة أخرى كونها أصبحت مرتعًا للخلايا الإرهابية التي تهدد أمن إسرائيل؛ على حد زعمه. وهدد أيضًا رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو"، خلال شهر نوفمبر 2012 الماضي، في اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بمعاودة احتلال سيناء مرة أخرى، باعتبار ذلك ضمانة لعدم تدمير إسرائيل، ومن قبله طالبت عضو الكنيست "ميري ريجف" التابعة لحزب الليكود الحاكم في شهر مايو 2012 بمعاودة احتلال سيناء مرة أخرى، كأحد الطرق لمواجهة تسلل اللاجئين الأفارقة إلى الكيان الصهيوني. وفي هذا السياق قال الخبير الأمني العميد خالد عكاشة: ما نشرته الوكالة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية زوبعة إعلامية لا تستحق الاهتمام بها، مضيفًا أن عملية سحب القوات لا تخضع للإدارة الأمريكية بمفردها، بل هي محكومة بعدد من الوثائق والاتفاقيات بينها وثيقة اتفاقية فض الاشتباك واتفاقية السلام، مشيرًا إلى أن هذه التهديدات الأمريكية ليس لها محل من الإعراب، خاصة أن القوات الدولية الموجودة بشبه جزيرة سيناء لم تكن يومًا في موقع تهديد خلال السنوات الأربع الماضية، مشددًا على أن هذه الجماعات الإرهابية تتجنب الاشتباك مع القوات الدولية، موضحًا أن استراتيجيته تقوم على استهداف قوات الجيش والشرطة المصرية وبعض الأهالي في سيناء. وحول التصريحات التي صدرت مؤخرًا عن الكيان الصهيوني حول ضرب ولاية سيناء، أكد عكاشة في تصريحات خاصة ل"البديل" أنها استهلاك إعلامي داخلي فقط ليس لها أي أساس من الصحة، مضيفًا أن هذه التصريحات يتم توظيفها بشكل ما داخل الكيان الصهيوني لتحقيق مصالح محلية، مما يدفع الحكومة المصرية إلى عدم الرد أو التعقيب على مثل هذه التصريحات الإعلامية البعيدة عن الواقع. من جانبه، أوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير "رخا أحمد حسن" أن أمريكا تمتلك من الناحية النظرية والسياسية قرار سحب قواتها التابعة لقوات مراقبة عملية السلام، لكنها من الناحية الاستراتيجية لن تُقدم على اتخاذ خطوة كهذه، مؤكدًا أن الأمر لم يُحسم بعد داخل أروقة السياسة الأمريكية. ولفت السفير "رخا" في تصريحات خاصة ل"البديل" إلى أن واشنطن شريك رئيس في عملية السلام والاتفاقية، التي يتم توقيعها بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، مضيفًا أنه حال سحب قواتها سوف يتم توفير بديل لها عبر طلب رسمي تتقدم به مصر وإسرائيل إلى الأممالمتحدة.