جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتبار رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري عليهما معايير الوظائف الإدارية العليا والتنفيذية وأحكام المادتين 19 و20 من قانون الخدمة المدنية؛ ليثير العديد من ردود الأفعال الغاضبة. ويرى خبراء أن القرار يعمق الانقسامات داخل الجهاز الإداري للدولة، كما أنه يرسخ لمبدأ عدم المساواة والشفافية، ويسمح بخلق بؤر فساد داخل الهيكل الإداري للدولة، مشددين على أنه يعود بالدولة إلى عهد الطبقية والامتيازات. يذكر أن المادة 19 من قانون الخدمة المدنية تنص على أن "يكون شغل وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية بالتعيين عن طريق مسابقة، يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة المصرية، متضمناً البيانات المتعلقة بالوظيفة، ويكون التعيين من خلال لجنة للاختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات، ويجوز تجديدها لمدة واحدة، بناء على تقارير تقويم الأداء، وذلك دون الإخلال بباقي الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف". وتنص المادة 20 على أن "تنتهي مدة شغل وظائف الإدارة العليا والتنفيذية بانقضاء المدة المحددة في قرار شغلها، ما لم يصدر قرار بتجديدها، وبانتهاء هذه المدة يشغل الموظف وظيفة أخرى لا يقل مستواها عن مستوى الوظيفة التي كان يشغلها، إذا كان من موظفي الدولة قبل شغله إحدى هذه الوظائف". ترسيخ لمبدأ عدم المساواة وعودة لعصور الطبقية والامتيازات الإقطاعية يقول المحامي الحقوقي محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن القرار الجمهوري الذي أصدره السيسي بشأن استثناء موظفي الوزراء والرئاسة من مواد الخدمة المدنية الجديدة 19، و20 يعد ترسيخًا لمبدأ عدم المساواة والتمييز بين قطاعات وأخرى، مشيراً إلى أن القرار مخالف لنصوص الدستور التي تؤكد أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. وأضاف زارع أنه لا يجوز الحديث عن جهات ذات طبيعة خاصة لا تسري عليها القوانين والأحكام التي تسري على الباقي، فذلك يعمق الانقسامات داخل الجهاز الإداري للدولة، ويعتبر خطوة على طريق مجتمع السادة والعبيد، لافتاً إلى أن قرار السيسي يقلل كفاءات الموظفين، ويزيد من قيم السعي إلى نيل ولاء المسئول الأعلى بشتى الطرق، وغالباً ما يكون بعيداً عن قيم الشفافية، بل تسود المزاجية، مما يخلق بؤر فساد في المؤسسات السيادية في الدولة. وأوضح المحامي الحقوقي أن تلك القرارات التعسفية لا تدمر المبادئ التي قامت عليها ثورة يناير وحسب، وإنما تقوض كافة الحقوق الواردة في الدساتير المصرية منذ ثورة 52، كما تعود بنا إلى عصور الطبقية والامتيازات. وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن الأوضاع الحالية تزيد مشاعر الاحتقان والغضب لدي الشباب المتفوق، فإلى جانب الأحكام القضائية التي منعت خريجي الحقوق المتفوقين من الترشح لمنصب وكيل النيابة لمجرد أن أحد والديه لم يحصل على شهادة عليا، ولكنه سعى بكل ما أوتي من قوة ليجعل من ابنه متفوقًا دراسيًّا، فتدمر الحكومة مستقبل ذلك الشخص، مشدداً على أن ذلك يلغي قيم التكافل المجتمعي، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تدمير المجتمع. المحكمة الدستورية الجهة المنوط بها الفصل في صحة القرار ويقول الفقيه الدستوري رمضان بطيخ إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يحق له أن يصدر القانون بموجب السلطة التشريعية التي يمتلكها في ظل غياب البرلمان، موضحاً أن المختص بشأن مراجعة تلك القرارات هو المجلس التشريعي عقب انعقاده. وأوضح بطيخ أن الحديث عن عدم دستورية القرار لا يجوز حاليًّا سوى للمحكمة الدستورية، التي من حقها الفصل في دستوريته من عدمها، حال قيام أحد الأفراد الذين لهم حق الطعن على القرار باستخدام ذلك الحق أمام المحكمة والنظر في الدعوى، مطالباً بضرورة التريث قبل إصدار الأحكام على القرارات الرئاسية. قرار السيسي دليل على عدم الشفافية ومسمار جديد في نعش العدالة يقول هشام فؤاد، عضو المكتب السياسي للاشتراكيين الثوريين، ومؤسس حملة "نحو قانون عادل للعمل"، إن القرار الرئاسي الخاص باستثناء موظفي الرئاسة والوزراء من قانون الخدمة المدنية مادتي 19و20 يعمق مشاعر الحزن والأسى لدى كافة المواطنين، ويشعرهم بأن ثورة يناير لم تقم، ولم يتغير شيء، موضحاً أن النظام ما زال يميز رجاله عن باقي أفراد الشعب كما كان الحال في عهد المخلوع مبارك. وأضاف فؤاد أن القرار يأتي في إطار صنع فرقة مركبة في قطاعات موظفي الدولة، وتمييز ضد المواطنين المستضعفين الأَوْلى بالرعاية في ظل حكم النظام الذي جاء بعد ثورة نادت بالعدالة، كما أنه يفتح المجال أمام الظلم الإداري والمالي، وبالتالي يؤدي إلى انهيار مبادئ الوطنية والأمانة لدي الموظفين الذين يشعرون بأنهم درجة ثانية في بلدهم. وتساءل عضو الاشتراكيين الثوريين عن الفائدة العائدة على الدولة من منح الاستثناءات والمزايا المادية للموظفين العاملين في مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء، وتمييزهم عن باقي قطاعات الدولة، موضحاً أن ذلك القرار دليل على عدم الشفافية الذي ينتهجه النظام الحالي.