رفض القضاء المصري النقض على حكم حبسه عامان وتغريمه 50 ألف جنيه، لتنتهي آخر الحلقات القانونية في مسار قضيته، فبات مصيره تقضية العقوبة التي أقرتها محكمة جنح مستأنف المنشية بالإسكندرية، في 16 فبراير 2014، بحقه هو والمتهمون بالتظاهر دون ترخيص، أثناء نظر قضية خالد سعيد. الشاعر والروائي عمر حاذق، يدفع ثمن ثوريته، ووقوفه في مواجهة الفساد الحكومي، وكأن المثقف الداعم للحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، سيظل في مواجهة دائمة مع السلطة خاصةً البوليسية، ما دامت كلماته لا تأتي على هوى المؤسسة الحاكمة (أي ما كانت)، فلا رضيت عنه دولة الإخوان، ولن ترضى أي حكومة عنه طالما كان في مواجهتها. تواصلت «البديل» مع عائلة الشاعر السجين، وحتى اللحظة التي تحدثنا فيها مع شقيقته، لم يكن حاذق قد علم برفض النقض في قضيته، لكن عائلته حاولت إبلاغ أي من أهالي المعتقلين بنفس السجن لتوصيل الخبر له، لحين السماح لهم بزيارته. النقض كان آخر آمال أسرة "حاذق"، فلا توجد أي خطوة قضائية مقبلة، وعن وضع القضية حاليًا قالت زهراء حاذق: "للأسف الموضوع انتهى قضائيًا، وبالنسبة للعفو السياسي، فجميعنا نسمع من حين لآخر عن عفو، ونتوقع إدراج اسم عمر فيه، لأنه شخصية مسالمة تمامًا، هادئ ورومانسي، بعيد كل البعد عن أي عنف، لكن نفقد الأمل بعدم إتمام الأمر"، وكأن الوعود الرئاسية بالإفراج عن الشباب المحتجزين على ذمة قضايا سياسية ستظل مجرد كلام. صاحب رواية "لا أحب هذه المدينة"، يدفع الآن ثمن الحرية التي نادى بها في شعره، ومع ذلك عرفناه خلال فترة سجنه صبورًا ومحبًا للجميع، هنا تقول زهراء: "عمر كل ما يشوفنا بيحاول يطمنا عليه بإنه كويس وبخير، عارف إننا قلقانين عليه فبيطمنا". قواعد اللعبة دائمًا يحددها الأقوى، ولا يعرف السجان رحمة بالسجين ولا حتى أهله، إذ أصبحت مدة الزيارة 10 دقائق فقط، لتزيد قرارات مصلحة السجون من حدة القيود، وتجعل من التواصل مع من هم خلف القضبان أصعب. نسمع عن مغامرات كثير من الشخصيات العامة التي مرت بتجارب السجن، ونقرأها كذلك في كتب تحمل أسماءهم، أما حياة "حاذق" الحالية فتحكيها لنا شقيقته: هو بيحاول التأقلم مع العالم اللي بيعيشه حاليًا، وإنه يشوف جانب إيجابي في الأزمة اللي بيمر بيها، وبيقول إن نظرته للدنيا اتغيرت تمامًا بعد ما مر بالتجارب اللي شافها في السجن، شايف إنه اتغير للأفضل، وبقى إنسان أحسن من الأول". ظهر للمرة الأولى في اليابان، في القرن ال17، ويعتمد على طي وتطبيق الورق بأشكال مختلفة بدون قصّ أو لزق، ولا استخدام لأي مواد مساعدة، وفي بدايات القرن ال20 بدأ ينتقل لأوروبا والعالم، ويأخذ شكل نظريات وتطبيقات علمية، نتحدث عن الأوريجامي، الذي ارتبط بأسطورة عند اليابانيين تقول "من استطاع تطبيق 1000 طائر من طيور الكاركي تتحقق أمنيته"، لعل عمر حاذق سيحقق كل أمانيه. وتقول زهراء: "اهتم عمر بفن الأوريجامي، لأنه متاح له في السجن، بيصنع من الورق أشكال، والأشكال بيستخدمها كهدايا تدخل البهجة والفرح لقلوب أصدقائه وزملائه، طور نفسه بشكل كبير، وبقى بيعمل أشكال صعبه، وكمان زملائه طلبوا منه يعملهم الفن دا، فقرر ينظملهم ورش عمل لتعليمه"، لعل أصدقائه كذلك لديهم من الأمنيات ما يودون تحقيقه. يسأل "حاذق" في روايته سالفة الذكر: هل تنزل الأحلام من النجوم (المصابيح التي يحملها الموتى)؟ هل هي محاولاتهم للتحدث إلينا؟ حين تمطر السماء أحلم، فإذا اشتد المطر كثرت الأحلام، غيرت حشوة وسادتي فلم تتغير الأحلام ولم تنقطع، ظننت الأحلام تتسلل من وسادتي, وضعت أدوات الرسم كلها في جرابي الجلدي وأحكمت إغلاقه كي لا يتسرب إليه المطر, وتركته على السطح, فإذا بأحلامي تأتي بلا ألوان, فلما أنزلته لغرفتي عادت الأحلام ملونة. تحكي لنا شقيقته عن مؤلفاته في تلك الفترة الصعبة: "بالنسبة لكتاباته الأدبية، رواية "لا أحب هذه المدينة"، صدرت أثناء وجود عمر في السجن، كان كاتبها قبل القضية، وكذلك رواية "روائي المدينة الأول"، اللي صدرت عن دار الكتب خان، عمر كان كاتب نسخة أولية لرواية "قلب السمكة" قبل القضية، وهو في السجن طلب مننا إدخالها له، هو بيقول إنه غيرها كلها، لأن نظرته ليها اتغيرت تمامًا طبقًا للتغير اللي حصل له نتيجه مروره بتجربة الصعبة دي، الرواية صدرت مؤخرًا عن دار العين، كمان هو كتب رواية ا"لحياة باللون الأبيض"، وهو في السجن، ولكنها ما تزال قيد الطبع". أهدى الشاعر والروائي السجين، روايته "قلب السمكة" لابن شقيقه، وقال في الإهداء: يا أحمد الحبيب، أريد أن أعتذر إليك من أعماق قلبي، رغم أنني لم أرتكبْ جريمة أستحق بها أنْ أُسجَن، وأنْ تنوء أنتَ بهذه الآلام كلها، وأريدك أن تعلم، حين تكبر ويمنّ الله عليك بالشفاء والسلام، أنك دفعتَ ثمنًا فادحًا لكرامتنا وإنسانيتنا جميعًا، وأن آلامك النبيلة سوف تشكّل، مع آلامٍ ودماء نبيلة أخرى، روحًا عظيمةً، ملهِمةً لنضالنا حتى نحقق أهداف ثورتنا، لذلك أيضًا أرجوك ألا تضعف أبدًا عن استكمال هذه المسيرة مهما كان ثمنها، ومهما كان مصيري، فأنت الآن رفيق دربٍ عظيم. ولذلك أيضًا أهديكَ، وحدكَ، روايتي هذه محبةً واعتذارًا.. إلى أحمد عصام حاذق. عرف عمر حاذق في بداية مسيرته الأدبية كشاعر، فماذا عن شعره الآن؟ تجيب زهراء: ما كنش عارف يكتب شعر نتيجه لوضعه في السجن، لأن كتابة الشعر بتحتاج تركيز وهدوء وحالة من الاندماج الروحي العالي، الموضوع دا كان بيزعجه جدًا، لكن خلال زيارتنا ليه في شهر فبراير، لاقيناه فرحان أنه نجح في كتابة قصيدة التفاحة، اللي كتبها في ليلة عيد ميلاده 31 يناير 2015. «دَوَّتْ أجراسُ الإنذار/ الحراسُ المذهولون جروْا خلف أغانينا/ حتى وجدونا نكنس أشلاء القضبان/ نُبرْقِشُ ظلمة ليلتنا بنجوم الألحانْ/ حين أرادوا الإمساكَ بنا جُنُّوا/ لم يعرف منهم أحدٌ أيٌ منا التفاحة/ أيٌ منا الإنسانْ». زهراء تقول: عمر بيقولنا أهم حاجه في حياته ميقدرش يعيش من غيرها هي القراءة والكتابة، علشان كدا أكتر حاجه بتضايقه في السجن لما يكون في مشكلة في الإضاءة، لأنه حتى في الأوضاع دي بيكتب على بصيص النور الضعيف، وده سبب له ضعف كبير في نظره، وطلب مننا نظارة في إحدى الزيارات. صداقات "حاذق" في الوسط الأدبي والثقافي تتعدى حدود مصر، وتصف علاقاته زهراء: في أصدقاء من دول عربية في منتهى الإخلاص والوفاء، كمان له أصدقاء في دول أوروبية، لأنه زار إيطاليا للمشاركه في جائزة الحب والسلام وفاز بها، مؤسسة penالدولية عملت بيان تضامن معاه، ده غير صحف أجنبية كتير اهتمت بتجربته كشاعر ومبدع في السجن.