عرف عن السجن أنه المكان الذي يتم فيه سلب حرية الإنسان، وأنه معد ليكون صالحًا لحبس شخص أو أكثر، ويكون إعداده بوضع الأسوار والقضبان الحديدية وتعيين الحراسة اللازمة؛ لمنع المسجون من الفرار، وبعبارة أخرى يتم وضع كل الوسائل الممكنة لمنع الشخص من الخروج من المكان المحبوس فيه وتحت سيطرة كاملة لحراس السجن، وهو ما يتسبب فى تدمير الإنسان، ويمنعه من الإبداع والتقدم والبناء. ورغم ذلك اعتزم عدد من السجناء السياسيين استغلال وقتهم الذي يقضونه بين جدران الزنازين العالية، التى تفصل بينهم وبين المجتمع الذى يعيش فى دورة الحياة العادية تحت الحراسة المشددة، للابتكار والإبداع وتصنيع منتجات تصلح للاستخدام بماركة جديدة لم تتواجد فى السوق المحلي ولا يستطيع استيرادها، فهى ماركة "صنع فى السجن". حيث قام الشاعر عمر حاذق، المعتقل على خلفية مشاركته في وقفة احتجاجية بالتزامن مع إعادة محاكمة قتلة خالد سعيد، ووجهت له النيابة تهمة خرق قانون التظاهر، بعد مرور عام وهو داخل السجن، بعمل ورش للسجناء لتعليم فن الأوريجامي عن طريق استخدام الورق الملون. وعن هذا تقول زهرة عبد الرحمن صديقة "عمر": "فى بداية الأمر خيِّل لعمر أن الموضوع من الصعب أن يقوم به؛ بسبب تشديد إدارة السجن، ولكنه حاول وبالفعل استطاع أن ينتج بعض أشكال الحيوانات باستخدام الورق الملون الذى نمده به أثناء الزيارة. وأضافت أنه "أرسل إلينا رسالة يشرح فيها تجربته عن ورشة الأوريجامى داخل السجن، فقد قال خلال رسالته: أجمع لكم قطع الأوريجامي التي صنعتها لأهديها لكم في أقرب حفل توقيع لروايتي الجديدة "روائي المدينة الأول"، وأضاف خلال رسالته حكاية من حكايات السجن. يقول: في سجن الحضرة سعدتُ بصحبة أخي الفنان شريف فرج، وكان لديه كتالوج لقطع أوريجامي كثيرة وورق ملون يصنعه عصافير وفقاً لنموذج الكتالوج، يومها طلبتُ منه أن يعلمني هذه العصفورة، فعلمني، لكنني فشلتُ في فهم الأمر. كنتُ أظن أن ثمة حواجز بيني وبين ممارسة أي فن تشكيلي ما عدا تذوقه، فلم أحاول تعلم عمل العصفورة رغم أنها تُصنع في تسع خطوات فحسب. وفي شهر سبتمبر الماضي بعد ترحيلي لسجن برج العرب، طلب مني عم محمد، الرجل البسيط كالطفل، أن أحضر له ورقاً ملوناً لكتابة خطاباته لزوجته، فطلبتُ من أسرتي، فالتبس الأمر عليهم، وأحضروا الورق الملون السادة الذي كان يستخدمه شريف فرج في صناعة العصافير، فانتفض ذلك الحلم القديم، لأنني رأيتُ منذ سنوات إعلاناً على الفيس بوك عن ورشة عمل لتعليم فن الأوريجامي، وتمنيتُ المشاركة فيها، غير أن الحواجز الوهمية في ذهني صرفتْني عن ذلك، لكن عاد الحلم في تلك اللحظة التي رأيتُ فيها الورق الملون". وتابعت زهرة أنه "اختتم رسالته قائلاً: بعد أن عشتُ في السجن ما يكفي لأتعلم أن كثيراً مما نظنه مستحيلاً أسهل يسير إذا آمنا بأنفسنا قليلاً، وأن قدرة الإنسان، أي إنسان، لا حدود لها، في تلك اللحظة قررتُ أن أتعلم فن الأوريجامي". أما فى سجن أبو زعبل فكانت التجربة مختلفة، فقد قال "حسن الجندى" إن هناك صديقين مسجونين على خلفية أحداث سياسية، ورفض ذكر اسميهما، قاما بتصنيع "قطع الشطرنج" من الصابون، وبعدها أقاما ورشة تعليم، وعلموا عددًا من السجناء كيفية تصنيع هذه القطع. لكن فى الحقيقة عندما علمت إدارة السجن بالموضوع، قامت بفصل هؤلاء عن بعضهم وتوزيعهم عن المعنابر ومنعهم من استخدام الصابون، والتعسف ضدهم؛ حتى لا يتكرر الأمر مرة أخرى". وشاركت فى الإبداع الفتيات أيضًا، حيث قامت الطالبة أسماء حمدى بطب الأسنان ذات ال 22 عامًا، والتى حكم عليها مؤخراً بالسجن 5 سنوات بصدد قانون التظاهر، بعمل خط إنتاج من داخل سجنها لتصنيع حقائب اليد الصوف بنفس الماركة "صنع فى السجن"، حسبما ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية. وقال باترك كينجسلي، مراسل الصحيفة، إن خط الإنتاج يبدو أنه يثبت شعبيته، خصوصًا بعد أن بدأت «أسماء» حياكة الحقائب لأصدقائها وعائلتها، ثم طلبت زميلاتها في السجن حياكة بعض الحقائب لأقاربهن. كما ذكرت الصحيفة أن أسماء حاكت حوالي 50 حقيبة، في رسالة تقترح أنها ربما تهجر طب الأسنان لتعمل في مجال التصميم، ولكن يقول خطيبها إن المال ليس هدف إسراء الرئيسي. إبراهيم رجب خطيب طالبة طب الأسنان المعتقلة أضاف أن "الأمر مجرد إرسال رسالة فقط مضمونها: أرواحنا حرة مهما حدث، لن يوقف السجن خيالنا، كما تقول أسماء دائمًا: نحن خارج نقطة الانهيار".