يعتبر "عباس الموسوي" ثاني أمين عام لحزب الله اللبناني، جاء خلفًا ل"صبحي الطفيلي" وانتخب أميناً عاماً للحزب عام 1991، شب "الموسوي" وتربى على معاناة الشعب الفلسطيني من ويلات الحرب الإسرائيلية وجرائمه، إلى أن التحق بالحياة السياسية والموكب المقاوم وهو في العاشرة من عمره. ولد "عباس الموسوي" عام 1952 في قرية "النبي شيت" بمنطقة "الشياح بالضاحية الجنوبية في لبنان، وعاش طفولته وسط عائلة محافظة، بدأ "عباس" في ريعان شبابه بدراسة العلوم الإسلامية بلبنان وكان ذلك على يدي "موسى الصدر"، الذي تعرف على قدراته الخاصة ليكتنفه برعايته وكان له تأثير كبير على شخصية "عباس الموسوي"، وتعمّم في السادسة عشرة من عمره. شكلت نكسة 1967 هزّة فجرّت عواطف "الموسوي" مما دفعه إلى ترك المدرسة مبكراً والالتحاق بصفوف المقاومين، للمساهمة في تحرير فلسطين، فالتحق وهو فتى لم يتجاوز السادسة عشر من العمر، بمعسكرات الفدائيين للتدريب، ولم يطل به المقام في المعسكر حتى عاد مصاباً في إحدى قدميه، وهذا ما منعه آنذاك من الذهاب في عملية فدائية كانت تؤرقه الرغبة الشديدة للمشاركة فيها. انتقل "عباس" من لبنان إلى العراق لمتابعة علومه الإسلامية هناك وذلك في كنف "محمد باقر الصدر"، وبدأ "عباس" بالتتلمذ على يد "الصدر" وتأثر بتعاليمه وأفكاره، وفي نهاية السبعينيات من القرن الماضي عام 1978 عاد "عباس" إلى وطنه لبنان بعد تسع سنوات قضاها بالعراق. جمع "الموسوي" طلاب العلوم الدينية الذين أُبعدوا من النجف في حوزة بمدينة بعلبك، وسعى إلى تأسيس تجمع العلماء المسلمين عام 1979، ليكون أول تجمع علمائي في لبنان ويتسع لاحقاً ليضم موالين للثورة الإيرانية، وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وفي ظل الإحباط الذي ساد الأجواء حينها، أنشأ "الموسوي" وقليل من رفاق الحوزة وضعا مخالفا للحالة السائدة في البلاد حينها، ويبدأ التأسيس للعمل الجهادي المقاوم لإسرائيل. عندما بدأ الاجتياح الغاشم، غادر "الموسوي" منزله في بعلبك متوجهاً نحو بيروت ومنها إلى الجنوب عام 1985، حيث استقر في مدينة "صور"، وكان يقضي وقته مع المقاومين ويتابع بشكل مباشر وميداني عمليات المقاومة ضد الاحتلال. تحرير فلسطين كان حلماً يؤرق "عباس" منذ مطلع شبابه، وكان ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي سيواجه فيه الصهاينة، لكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفر ل"عباس" الفرصة لتحقيق هدفه القديم، فكان أول من التحق بصفوف "الحرس الثوري الإسلامي" الذين جاءوا إلى لبنان للمشاركة في مواجهة الاجتياح الصهيوني عام 1982، فالتحق "عباس" بمعسكر "جنتا" وحمل معه كل حوزته العلمية بطلابها وأساتذتها. وتقديرًا لدوره في المقاومة، انتُخب "عباس الموسوي" في مايو عام 1991 أميناً عاماً لحزب الله اللبناني، ليفتتح بذلك مسيرة جديدة للحزب قال أنها ستكون في خدمة الناس إلى جانب استمرار عمل المقاومة، وأطلق عبارته الشهيرة "سنخدمكم بأشفار العيون" والتي لا تزال أحد ابرز شعارات حزب الله حتى اليوم. عرف عن "عباس الموسوي" العيش المتواضع جداً على مستوى أبسط الناس، حيث كان يحمل في قلبه هموم الناس ومعاناتهم ويكن لشعبه الذي يعاني من أصعب الظروف الحياتية بسبب الاحتلال الإسرائيلي الحب الكبير. وفي السادس عشر من فبراير 1992، اتجه "عباس الموسوي" إلى بلدة "جبشيت" لحضور الذكرى الثامنة لاغتيال "الشيخ راغب"، وبعد أن ألقى "عباس" كلمته غادر باتجاه بيروت وعند الساعة الرابعة عصرًا اقترب الموكب من مفترق قرية "تفاحتا" بعد انتهاء الترتيبات في "جبشيت"، لتطلق المروحية الإسرائيلية صواريخ حرارية حارقة على الموكب فأصاب السيارة الثالثة، بعدها أطلقت النار على السيارة الأولى في الموكب، التي كان يُفترض أن يكون "عباس الموسوي" فيها، لكنها أخطأت الهدف، حيث اتجه سائق السيارة إلى مكان تحت الشجر وخرج عن خط الرؤية، لكنه عاد إلى الشارع بسرعة أكبر فأصابه الصاروخ وأصيبت سيارة المرافقين. عند الساعة السادسة تبيّن أن "عباس" كان في السيارة الثانية مع ابنه "حسين" البالغ من العمر ست سنوات وزوجته، وفي الساعة الثامنة، ظهر وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك "موشيه أرينز " في نشرة الأخبار المركزية، وأعلن المسئولية عن عملية الاغتيال. كان قصف المروحيات على درجة كبيرة من الوحشية والهمجية، حيث احترق جسد "عباس الموسوي" بالكامل ولم يبق من جثته إلا بعض الأجزاء المتفحمة، وتم تشييد صرح تذكاري في مكان اغتيال "عباس" في قرية "تفاحتا" في جنوبلبنان، والذي يُعد مزاراً للكثيرين من محبيه حتى الآن، أما قبر "عباس الموسوي" فهو حيث ولد في قرية "النبي شيت" في لبنان ويعد مزاراً أيضًا. لم يتأخر رد "حزب الله" على عملية الاغتيال، فدك المستوطنات الشمالية بوابل من صواريخ "الكاتيوشا"، وخلف "عباس الموسوي" في أمانة حزب الله "حسن نصر الله".