بأطراف جمدها الصقيع، وأنامل مرتعشة، وأنفاس متلاحقة بين الكفين لعلها تبعث فيهما بعض الدفء المنشود.. لم يجد الفقراء من بدو سيناء مأوى لهم بعد أن دمرت الرياح العاصفة أجزاءً كبيرة من منازلهم وعششهم، أو ما تبقى منها بعد أن نالت القذائف الغالبية منها، تحت دعاوى الحرب على الإرهاب والقضاء على أي موقع يمكن أن يختبئ فيه مسلحين. اجتاحت البلاد موجة من الطقس السيء والرياح العاتية المصحوبة بالعواصف الترابية وانخفاض درجات الحرارة بشكل ملحوظ، في الوقت الذي يعاني فيه أهالي محافظة شمال سيناء من الهجمات الإرهابية والجماعات المسلحة، فضلًا عن هطول السيول ببعض الأماكن بشمال سيناء لتزيد المعاناة التي تلاحق الفقراء والمشردين، والذين تتزايد مأساتهم يومًا بعد يوم، بل ويعيشون في ترحال مستمر بحثًا عن الدفء والأمان لهم ولأسرهم. سكان العشش تحت رحمة الشتاء تنتشر في قرى محافظة شمال سيناء العشش والمنازل المسقوفة بألواح "الاسبستوس"، والتي يقطنها الفقراء والمشردون من منازلهم، والذين يأتيهم الشتاء بمثابة اللعنة، فمع تدفق الأمطار تخترق المياه أسقف تلك المنازل والعشش ويغرق أصحابها، وكثير ما تقتلع الرياح العاتية أسقف تلك المنازل. يقول سليم محمد، أحد سكان رفح: معظم المنازل بقريته مسقوفة بألواح "الاسبستوس"، وتطايرت بفعل قوة الرياح، وهناك العديد من العشش المبنية من الحطب وجدران بعض المنازل تهدمت في العمليات المسلحة، تطايرت نتيجة قوة الرياح. وتابع محمد البالغ من العمر 45 عامًا، أنه يسكن بعيدًا عن عمليات إخلاء المنازل لإنشاء منطقة عازلة على الشريط الحدودي، لكنه لا يسكن بعيدًا عن عمليات القصف التي لا تتوقف، وحتى لا يتم قصفهم عن طريق الخطأ يتوجه بشكل شبه يومي إلى القادة العسكريين بالمنطقة وبالأكمنة لطمأنتهم والتأكيد على أن سكان المنطقة هم من أبناء سيناء ولا يوجد غرباء أو بها، واستكمل: لكن الطقس السيء يطاردنا وتحاصرنا مياه الأمطار من السماء والسيول من الأرض. وأضاف عصام محمود، من سكان رفح: برد هذا العام وإن كان جديدًا، فإن المعاناة ليست بجديدة، فهم معتادون كل شتاء على تطاير أسقف بيوتهم، ومن الممكن أن تقتلع الرياح المنازل بأكملها، ولكن ليس بإمكانهم فعل شيء ف"العين بصيرة والإيد قصير"، بتلك الكلمات اختتم عصام حديثه والحزن يسيطر عليه. وأشارت "أم محمد" إحدى سكان رفح، إلى أن العام الجاري أشد بردًا مما سبق، وأنها وسكان العشش المجاورة لا يمتلكون إلَّا 3 بطاطين، تمر عليهم بالتناوب، و"النوم عندنا بالورادي". يقول حسن سعيد، أحد أبناء قرية التومة: الفقراء من بدو سيناء يسكنون عششًا من الحطب وجدران بعض المنازل وإن غشتها الرياح البسيطة عصفت وجعلت قاطنيها في مهب الريح، لا يجدون مأوى لهم ولأولادهم من الشتاء القارس. انقطاع الكهرباء ولا أحد يستجيب انقطاع الكهرباء ظاهرة أساسية توافق أي موجة من الطقس السيء التي تشهدها شمال سيناء، فبمجرد هبوب رياح عاتية أو أمطار ينقطع التيار الكهربائي ويظل المواطنون ينتظرون تحسن الطقس، وبعدها يبدؤون في الاستغاثات لعودة الكهرباء. يقول الشيخ حسن غانم، أحد سكان مدينة الشيخ زويد: اقتلعت الرياح العاصفة بعض أعمدة الضغط المتوسط والإنارة، إثر هبوب الرياح العاصفة، وتقطعت الأسلاك وتركت على الأرض، مما يسبب كارثة بين اللحظة والأخرى، مع استمرار تساقط الأمطار، موضحًا أن أهالي المدينة استغاثوا أكثر من مرة بشرطة الكهرباء، لكن دون جدوى. وتابع: انقطاع الكهرباء دائمًا ما يصاحب أي موجات من الطقس السيء لرداءة التوصيلات، وقدم وتهالك أعمدة الإنارة الحاملة للكابلات الكهربائية، مما يتسبب في إصابات وحوادث. حظر تجوال دائم بعد مد حظر التجوال بمحافظة شمال سيناء لمدة ثلاثة شهور أخرى، أكد الأهالي أن الحظر لم يتوقف منذ قيام ثورة 25 يناير ويطبق سواء بقرار أو بدن قرار، وفي الطقس السيء بفرض حظر تجوال طوال اليوم، وليس مساءً فقط، ونظل محاصرين بحظر التجوال والطقس السيء والعمليات المسلحة والحرب على الإرهاب. وتقول "أميمة.ع" أحد سكان مدينة العريش: خلقت أحوال الطقس السيئة حالة من حذر التجول، مرددة: "التزم المنزل ولا انزل الشارع لشراء احتياجاتي المنزلية"، حيث تتجمع المياه بالشوارع الفرعية والرئيسة، وأغلقت بعض الشوارع بشكل كلي، ومنع أهل المدينة أولادهم من الذهاب إلى مدارسهم؛ خوفًا عليهم من الطقس السيء. الأكواخ.. منازل الفقراء وملهى الأغنياء تعتبر "الأكواخ" منازل الفقراء من البدو في سيناء الذين لا يكلفهم بناؤها سوى القليل من الحطب وأغصان الشجر القوية، لكن الأغنياء أيضًا لا يمكنهم الاستغناء عنها. يقول محمود علي، أحد سكان جنوب مدينة رفح: لا نشعر بالدفء إلَّا حول موقد النار المشتعل في ليل الشتاء، رغم امتلاكنا المنزل الأسمنتي الكبير، ولا يختلف شكل "الكوخ" بالنسبة للفقراء عنه بالنسبة للأغنياء، حيث يسود التراث البدوي، فتكاد تشترك قبائل البدو في جميع أرجاء شبه جزيرة سيناء في نفس التصميم. طوارئ وإصابات بعد تزايد حالات الإصابات الناتجة عن الطقس السيء، أعلنت محافظة شمال سيناء رفع حالة الطوارئ، وتم تشكيل غرفة عمليات بديوان عام المحافظة برئاسة اللواء سامح عيسى، السكرتير العام لمتابعة مجالس المدن ومديريات الخدمات والأجهزة المعنية بالمحافظة، ورفعت مديرية الصحة بالمحافظة حالة الطوارئ، ونشرت سيارات الإسعاف على الطرق؛ تحسبًا لوقوع أي حوادث سير بسبب موجة الطقس السيء، وانعدام الرؤية الأفقية على الطرق . جاء ذلك عقب تزايد الإصابات؛ خاصة لطلبة المدارس حيث أصيبت 10 طالبات بالمرحلة الإعدادية؛ لسقوط خزان مياه كبير فوق رؤوسهن بسبب الرياح الشديدة، أثناء تواجدهن في فناء مدرسة بئر العبد الإعدادية بنات بالمحافظة وأسفر الحادث عن إصابة كل من "هالة علي سليمان" 15 سنة كدمة بالظهر، "ندى حسين إبراهيم" 15 سنة كدمة بالظهر، "شيرين محمد سلمان" 15 سنة كدمة بالظهر، "رضوى إبراهيم موسي" 15 سنة كدمة بالرأس والظهر، "نورا محمد سالم" 15 سنة كدمة بالرأس وجروح، "حنين سالم سليم" 15 سنة كدمة بالصدر والظهر، "شيماء خليل سلمي" 15 سنة كدمة بالرأس، "ولاء سليمان خليل" 15 سنة كدمة بالظهر والرأس، "خلود خالد محمد" 15 سنة كدمة بالظهر والرأس، "آية محمد عبد العزيز" 15 سنة مصابة باشتباه ارتجاج. إلى جانب الإصابات المتعددة نتيجة سقوط الأسقف والحوائط؛ لشدة الرياح جاء أبرزها إصابة بالغة لمواطن بحي المساعيد؛ إثر انهيار حائط أسمنتي؛ لسوء الأحوال الجوية بحي المساعيد في العريش. شهدت محافظة شمال سيناء في الأيام القليلة الماضية حالة من الطقس السيء، حيث اجتاحت مدينة العريش وضواحيها موجة من الصقيع والرياح الشديدة المحملة بالأتربة، وتكاثرت السحب المنخفضة والمتوسطة، كما تكون الصقيع على مناطق شمال سيناء وتوقفت معظم الأنشطة والأعمال الاقتصادية خاصة الزراعة، ولزم المواطنون منازلهم.