تصوير : محمد حكيم سيدة تلد كل عام لتعرضها للاعتداء الجنسي مدير التضامن: ما عندناش دار مسنين يفترشون أرصفة الطرقات.. يلتحفون السماء.. يتقلبون في ظلمات الليل ببرد الجو وحراراته.. ليس جميعهم مجانين أو مفقودين منهم من يحمل شهادات جامعية وآخر يترجل بالشعر، ولكن عندما يغيب الضمير، وتنتزع من القلوب الرحمة، فمرحبًا بهم في عالم النسيان والتسول والجنون، ومرحبًا بك مشاهدًا، سواء كنت مسئولاً أو مواطنًا. هم كثير، بمختلف أشكالهم وحالهم، فمنهم المعاق ومنهم فاقدو العقل وفاقدو الأهلية غير باحث عن الهوية، متهمون في نظر القانون، وخارج حسابات المجتمع المدني. رصدتهم "البديل" أثناء جلوسهم ونومهم في الطرقات وبين جنابات السيارات وعلى قضبان السكك الحديدية، وقد تخلى الجميع عن تقديم أبسط الخدمات لهم. وفي مشهد يتكرر كل يوم ترقد سيدة مسنة بين سيارتين نتيجة شعورها بعدم قبول المجتمع لها، وآخر يفترش قضبان السكك الحديدية غير مبالٍ بخطورة الموقف. وخلف مقهى مطل على إدارة مرور المنيا تفترش سيدة مسنة كراتين تنام عليها، ولا تمتلك سوى بطانية تقيها من برودة الجو، وتعتمد على فائض الناس في مأكلهم ومشربهم. وبسؤال عمال المقهى أكدوا أنها ومنذ قرابة شهر على هذا الحال، فيما رفضت هي التحدث؛ لاستشعارها الحرج. وعلى بعد أمتار من المكان ذاته يفترش رجل مسن يعرِّف نفسه ب "عمر علي" رصيف الطريق؛ ليقضي ليلة باردة وسط "الصقيع" وهطول الأمطار، لا يمتلك في مخلته سوى بطانية ومجموعة من قصاص الكراتين. ووسط تلك الحالات رصدت "البديل" أحدهم يدعى عم "نادي" يجلس على أحد الأرصفة؛ ليترجل بالشعر هربًا من سأمه وألمه النفسي والبدني. يقول الدكتور محمد عبد الرازق مدرس مساعد علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة المنيا ل "البديل" إن مثل تلك الحالات، خاصة الأسوياء منهم، شأنهم كشأن أي مواطن، لهم حقوق قد لا يعرفونها، منها الحق في معاش التضامن الاجتماعي وبدل المخاطر، وتوفير دار رعاية أو دار مسنين، وإن كانت طبيعة الصعيد لا تقبل بدار المسنين، فوجب التفكير خارج الصندوق، وهو واجب الدولة تجاههم، بالإضافة إلى ضرورة أن تولي منظمات المجتمع المدني النظر لهم، خاصة وأنها تصرف ملايين الجنيهات على أسر فقيرة، هم أولى منها. وذكر "عبد الرازق" حالة تقيم بجوار سور منظمة الشباب، ترفض هذه الحالة أية مساعدات، واختلف الجميع عما إذا كانت مريضة أم لا. الأهالي المحيطون بتلك الحالات قالوا إن معظمهم بدون أهلية، فليس هناك من يسأل عنهم، سواء من أهليهم أو من خلال جمعيات ومنظمات مجتمع مدني، أو على المستوى الرسمي والتنفيذي، وأوضحوا أن جميعهم يعيش على فائض أهل الخير وعطاياهم. وكشف مدير مستشفى الطب النفسي لعلاج الإدمان والمرضى النفسيين والعقليين بالمنيا الدكتور منصف محفوظ أن من بين تلك الحالات مرضى نفسيين يتعرضون للاغتصاب والانتهاكات البدنية، وذكر أنه كانت هناك مريضة نفسيًّا تعرضت للاعتداء البدني، وكانت تلد طفلاً كل عام؛ لكونها لا ترتدي ملابس، وتم إيداعها في مصحة نفسية من خلال أهل الخير. وأضاف أن هناك قرابة ألفي حالة لمرضى نفسيين يسيحون في الشوارع على مستوى الجمهورية، وأن مدينة المنيا وحدها بها قرابة 10 حالات، وذلك بخلاف باقي مراكز المحافظة. من ناحيته أوضح مدير مديرية التضامن الاجتماعي بالمنيا الدكتور مصطفى عبد الله أن دور المسنين قليلة بمحافظات الصعيد؛ نظرًا لكينونة وطبيعة الأهالي ورفضهم إيداع مسنيهم داخل دور خاص بهم كما الحال بالقاهرة ومحافظات وجه بحري. وأضاف ل "البديل" أن المنيا تفتقد لوجود دار مسنين، غير أن هناك جمعية أسند إليها مؤخرًا مشروع دار مسنين وبها حالتان فقط، وأن المرضى النفسيين المتواجدين بالشوارع تختص بخدمتهم مستشفى الطب النفسي. وبالعودة لسؤال مدير مستشفى الطب النفسي حول آلية إيداع المرضى النفسيين المتواجدين بالشوارع داخل المستشفى للعلاج، قال ل "البديل" إن المستشفى ليست منوطة قانونًا بجمع هذه الحالات من الشوارع، وإن هناك طريقتين: إما أن يحرر مواطن تعرض لإيذاء من مريض نفسي محضرًا بأي من أقسام الشرطة؛ لتتولى الشرطة ضبط المريض وإحضاره، ثم عرضه على النيابة على أنه متهم، ومن خلال النيابة يتم إيفاده للمستشفى التي تكتب تقريرًا بحالته عما إذا كان سليمًا عقليًّا أو مريضًا تتطلب حالته الاحتجاز لتلقي العلاج، شريطة أن تتشكك النيابة في قدراته العقلية. والطريقة الثانية في أن تتولى الشرطة مهمة جمع هؤلاء؛ لكونهم خطرًا على أنفسهم وأحيانًا على الآخرين، ثم تعرضهم على النيابة التي توفدهم للمستشفى، وفي هذه الحالة تمضي الشرطة على دخولهم المستشفى، بحيث لو حدث لأي منهم وفاة أو استجاب للعلاج، يتم تبليغ الشرطة وبدورها ترسله لدار رعاية، أو حسبما ترى. وتتقدم محافظة المنيا أعلى معدلات البطالة على مستوى الجمهورية، وتعد تحت خط الفقر، رغم المكنون الأثري والثروات المعدنية والمحجرية التي تحويها، ما يدفع معظم شبابها للسفر إلى العاصمة ومحافظات ومدن أخرى في مقدمتها "الغردقة- شرم الشيخ- الأقصر- أسوان- الإسكندرية".