يعتبر التعليم الفنى فى كل دول العالم، المصدر الرئيسى لإمداد سوق العمل بالعمالة الفنية المدربة جيدا، والتى تلعب دورا مهما فى دفع عجلة التنمية إلى الأمام، ويحظى هذا النوع من التعليم بأهمية كبرى فى معظم الدول المتقدمة، سواء من حكوماتها أو من المجتمع الصناعى والتجارى، الذى يهمه الحصول على عمالة متعلمة ومدربة تساعده على زيادة الإنتاج. على النقيض، ينظر المسئولون عن التعليم الفنى فى مصر على أنه درجة ثانية من التعليم، ومن مظاهر ذلك، عدم الاهتمام به، ومعاملة خريجيه كأنهم عمالة لا وجود لها، ويمنع عنهم استكمال دراساتهم الجامعية إلا بشروط مجحفة يصعب على الكثير منهم تحقيقها. ويعانى التعليم الفني في مصر من أزمة حقيقية، على الرغم من أهميته، فعدم ملاحقة الكثير من المناهج الدراسية للتطور التقني، كانت أحد أسباب فشل التعليم الفنى، إضافة إلى ضعف الإمكانات لمدراس التعليم الفني، الأمر الذى يعكس تدنى ما يكتسب الطلبة من مهارات وخبرات. «محمد علي وعبد الناصر».. ساهما فى رواج التعليم الفني في مصر وعلى الرغم من تدنى التعليم الفني فى مصر خلال الوقت الحالي، إلا أنه في أوقات أخرى، كان التعليم الفني هو الأساسي بها، فاعتقد محمد علي باشا، عندما دان له الحكم في مصر، أن تقدم الدولة في كل المجالات، يعتمد بالأساس على النهوض بقطاعي الزراعة والصناعة، لذا بادر منذ السنوات الأولى لحكمة بإنشاء المدارس في مصر، وكانت مدرسة "الدرسخانة الملكية" التى أنشنئت بالقاهرة سنة 1830 أول مدرسة فنية في تاريخ التعليم الحديث بمصر، وكان الهدف من إنشائها، تحصيل فن الفلاحة وعلم الزراعة. وسار على نفس الدرب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى أدرك أن استقلال مصر ونهضتها، تكمن فى بناء جيش قوي مدعوم بنهضة زراعية وصناعية، مدركا أهمية التعليم بصفة عامة والتعليم الفني على وجه الخصوص. وتصاعد الإقبال على التعليم الفني منذ 23 يوليو 1952؛ بسبب ازدياد الطلب على العمال المهرة لتلبية احتياجات المصانع والمشروعات الكبرى كالسد العالي، مما ترتب عليه التوسع في إنشاء المدارس الفنية في جميع المحافظات، حيث جرى العرف خلال عقدي الخمسينيات والسيتنيات، على إنشاء ثلاث من المدارس الفنية في عواصم الجمهورية، تكون واحدة صناعية، وثانية زراعية، وثالثة تجارية. طلاب التعليم الفني خارج المدارس.. والمقررات الدراسية دون محتوى يقول محمد أحمد، الطالب بالتعليم الزراعي بالهرم، إنه التحق بالمدرسة بناء على رغبة والديه، بعد أن فشل في الالتحاق بالثانوي العام، مؤكدا أن المقررات الدراسية غير واضحة، وأن الطالب يخرج من المدرسة قبل انتهاء الموعد المحدد لها دون اعتراض من المدرسين. ويضيف محمد مصطفى النجار، طالب بنفس المدرسة، أن المقررات الدراسية غير مفهومة، موضحا أنه حين التحق بالمدرسة الزراعية، كان يريد ان يتعلم الفنون التى تقدمها المدرسة سواء نحت أو رسم، متابعا: «ما وجدناه مقررات درسية تحفظ، ولا مستقبل لنا بعد التخرج، سوى الالتحاق بأحد المعاهد الخاصة». ولم يختلف الأمر كثيرًا في مدرسة النهضة الصناعية بفيصل، حيث قال مصطفى بيومي، أستاذ الكهرباء بالمدرسة، إن التعليم الفني في مصر يعاني من انحدار كبير، موضحا أن الطالب بمجرد الانتهاء من المدارس الفنية، يلتحق بأي من المعاهد الخاصة؛ لمواكبة بقية الجيل ويكون في الجامعة، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن الطالب يدرس في الجامعة مقررات دراسية ليس لها أي علاقة بما درسه في الثانوي التجاري أو الصناعي. متخصصون: تسرب الطلبة والمعلمين غير المؤهلين.. أهم أسباب فشل التعليم الفنى يقول الدكتور زكي البحيري، عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة المنصورة، إن التعليم المصري يعاني من أزمة مستحكمة قد تؤدى بنا إلى الضياع في كل شىء وليس في التعليم وحده، مضيفا أن أسباب فشل التعليم الفني في مصر، يعود إلى تسرب الطلبة أو غيابهم عن الدراسة، والانتشار الوبائي للدروس الخصوصية، والافتقار إلى الأعداد المناسبة من المعملين المؤهلين مهنيًا وذهنيًا، وضعف الإمكانيات التى تخصصها الدولة للتعليم الفني. وأكد عضو هيئة التدريس بكلية التربية جامعة المنصورة، أن الحل الوحيد لإصلاح منظومة التعليم الفنى فى مصر، ربط تخصصات التعليم الفني ومناهجه بمتطلبات التنمية الاقتصادية للمجتمع. من جانبه، أوضح الدكتور نبيل حنفي، أستاذ التربوي بكلية الهندسة جامعة المنوفية، أن هناك العديد من الآليات لإصلاح منظومة التعليم الفني؛ عن طريق العمل بنظام الدمج بين التعليم الفني والتعليم العام، عبر التحام الدراسات النظرية بالتطبيقات العلمية، بحيث يكتسب التلاميذ من المهارات اليدوية ما يمكنهم من احتراف مهنة إذا أرادوا ذلك. ولفت إلى أن الآلية الثانية تتمثل في ضرورة ربط تخصصات التعليم الفني بما هو مطلوب من مهارات في مجالات العمل المختلفة، مما يتطلب استحداث تخصصات جديدة تواكب ما يستجد من تقنيات أو تطبيقات، وتستلزم هذه الآلية ضرورة زيادة مشاركة المؤسسات والشركات في جانب التدريب العملي واكتساب المهارات، وذلك من خلال فتح هذه المواقع أمام تدريب طلبة التعليم الفني.