نقلا عن : الاهرام 29/8/07 التعليم الفني يضم مليوني طالب يمثلون66% من عدد الطلاب الملتحقين بالمرحلة الثانوية يتخرج منهم700 ألف طالب سنويا وتتولي تدريبهم26 جهة بلا تنسيق فيما بينها وبلا دراسة لحاجة العمل الفعلية.. والغريب أن الاهتمام بهذا النوع من التعليم لا يظهر إلا في مواسم معينة ثم يختفي لفترات طويلة.. ولأن الواقع أثبت أن سوق العمل تحتاج إلي متدربين أصحاب مهارات خاصة فإن تطوير التعليم الفني أصبح ضرورة تستلزم توحيد الجهات المشرفة عليه ومراكز التدريب تحت إدارة هيئة قومية واحدة هذا ما طرحه الخبراء والمسئولون معا تلبية لما جاء في البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك في هذا التحقيق نرصد آراء المتخصصين والمسئولين الدكتور نبيل عبدالعزيز وكيل أول وزارة التربية والتعليم ورئيس قطاع التعليم الفني يقول: إن المؤشرات تؤكد ضرورة إنشاء هيئة قومية للتعليم الفني تضم جميع الوزارات المهتمة به من أجل تنسيق هذه الجهود المتناثرة وبدلا من العمل في جزر منفصلة, كما هو الحال الآن, وذلك بهدف تخريج متدرب يناسب احتياجات سوق العمل وإيجاد جهة إشراف عليا تعتبر بمثابة لجنة تسيير من الوزارات المختلفة لاستغلال الإمكانات المتاحة لديها جميعا الاستغلال الأمثل من خلال التنسيق والتكامل فيما بينهما. ويضيف أن التعليم الفني لم يلق علي مدي السنوات الماضية الاهتمام المطلوب لتطويره ورعايته بالشكل الأمثل إلي أن جاء البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك متضمنا أهمية وضرورة الارتقاء به.. ويضيف أن تجهيزات التعليم الفني باهظة التكاليف, فيكفي أن نشير إلي أن تكلفة تجهيز مدرسة فنية واحدة تعادل تكلفة تجهيز5 مدارس من الثانوي العام ويوجد الآن1300 مدرسة فنية في مصر منها600 مدرسة صناعية و550 تجارية وفندقية و150 زراعية تحتاج إلي إمكانات ضخمة لتجهيزاتها وتجديدها وإحلالها, ولذلك فإن الميزانية المخصصة للتعليم الفني تتزايد سنويا نظرا لارتفاع الأسعار العالمية للتجهيزات الخاصة به, فقد كانت57 مليون جنيه في العام الماضي علي سبيل المثال, ومن المتوقع أن تزيد هذا العام.. وهناك منح مالية للتعليم الفني من جهات عديدة, مثل الأوبك وكوريا الجنوبية ومن المساعدات الأمريكية. التكدس.. مشكلة : ويشير إلي أن المشكلة لا تكمن في تكاليف التجهيزات فقط وإنما في تكدس الطلاب داخل الفصول حيث تصل الكثافة إلي38 طالبا في الفصل الواحد بينما من المفترض أن تكون24 طالبا فقط كحد أقصي لإتاحة فرص التدريب في التعليم الفني.. ولعل الحديث عن التدريب هو ما يقودنا أيضا إلي ضرورة المشاركة المجتمعية من جانب رجال الأعمال لتوفير أماكن للتدريب لديهم في مصانعهم للطلاب الفنيين ولعل ذلك هو ما يفسر نجاح نظام مدارس مبارك كول الذي تتبعه 53 مدرسة من بين1300 مدرسة فنية وكذلك نجاح نظام التعليم المزدوج الذي يتيح التدريب للطالب بالشركة والتحاقه للعمل بها فور تخرجه في المدرسة.. ولذلك فإن تعميم هذين النظامين ضرورة يقتضيها تطوير التعليم الفني إذا كانت هناك خطوات جادة لذلك وهو ما نأمل في أن تقوم به الهيئة القومية المقترح إنشاؤها والتي طرحتها رئاسة الوزراء وتمت مناقشتها علي مستوي الوزراء المعنيين منذ نحو شهر ومازالت تحت الدراسة. الشق الآخر من المشكلة يتمثل في تدني نظرة المجتمع إلي التعليم الفني الذي ينظر إلي طلابه علي أنهم فشلوا في الحصول علي مجاميع عالية تؤهلهم للالتحاق بالثانوي العام, وهو الأمر الذي نلمس مردوده السلبي حينما نحتاج إلي أعداد هائلة من طلبة التعليم الفني من أجل برامج تدريبية في قطاع الملابس الجاهزة علي سبيل المثال علي أن يحصل من يجتاز هذه البرامج علي فرصة عمل بمرتب من400 إلي500 جنيه, وللأسف لا نجد إقبالا عليها, بل نجد كل آمال طلبة التعليم الفني تتعلق بالوظيفة الحكومية. ولا نبالغ إذا قلنا إن وزارة الأوقاف علي سبيل المثال طلبت عمال مساجد للعمل بها من الحاصلين علي الشهادة الإعدادية وتقدم إليها خريجون حاصلون علي مؤهلات عليا وخريجو التعليم الفني!! بل إن التعليم الفني أصبح الآن الباب الخلفي للالتحاق بالجامعات بعد عمل المعادلات الخاصة بذلك.. فهناك نسبة كبيرة من هؤلاء الخريجين يقومون بعمل هذه المعادلات من أجل الالتحاق بالجامعات.. ولاشك أن هناك آمالا متعلقة بالهيئة المشار إليها لحل الكثير من هذه المشكلات من خلال قيامها بالتنسيق بين جهود المعنيين بالتعليم الفني. التبعية للوزارة أو اتحاد الصناعات : ويشير المهندس محمد زكي السويدي مقرر مجلس التدريب الصناعي بوزارة التجارة والصناعة إلي مشكلات عديدة تواجه التدريب الصناعي علي سبيل المثال, فقد أصبح تدريب إداري وليس فنيا, بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن نسبة الإداريين في المصانع والشركات الصناعية تصل إلي50% من نسبة الفنيين, في حين أنها يجب ألا تتعدي10 15% فقط!.. كما أن المادة العلمية التي يتم التدريب عليها غير متوافقة مع احتياجات سوق العمل كذلك فإن الطاقة والمتطلبات اللازمة للتدريب لا تكفي سوي50% من الحجم المطلوب. موظفون في الدواوين : د. محمد سامي, الأستاذ بجامعة ايلينوي بالولاياتالمتحدة ومدير مشروع ترابط الجامعات والمؤسسات الزراعية, يؤكد أن المشكلة تكمن في أن خريجي التعليم الزراعي ظلوا لسنوات طويلة يعملون كموظفين في دواوين الحكومة, وحينما توقفت الحكومة عن تعيينهم ظهرت المشكلة.. كذلك فهناك حاجة ملحة لتطوير البرامج الدراسية في التعليم الفني الزراعي لكي يلبي احتياجات سوق العمل, فهناك انفصال واضح فيما بينها وهو ما يظهر جليا في توشكي أو في أماكن الاستصلاح الزراعي الجديدة مثل وادي الصعايدة والتوسعات في الصحراء الغربية والشرقية, فهناك نقص شديد في مختلف التخصصات الزراعية ولا نبالغ إذا قلنا إن90% من خريجي التعليم الفني الزراعي يعملون في مجالات غير زراعية مما يؤدي إلي فقدان الاستثمارات التعليمية التي أنفقت لتأهيل هؤلاء الخريجين. وهنا يجب أن نشير إلي أن مشروع ترابط الجامعات والمؤسسات الزراعية الذي تموله هيئة المعونة الأمريكية هو أول مشروع يلتفت إلي تطوير التعليم الفني الزراعي فهو يوجه اهتمامه إلي كل المدارس الزراعية في الصعيد وعددها50 مدرسة لخدمة100 ألف طالب, وذلك لتحسين استخدام الاستثمارات الموجهة إلي التعليم الزراعي. د. فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشوري يقول: المشكلة هي أن الدولة أخذت علي عاتقها مسئولية التعليم الفني بالكامل, في حين أن هناك إسهامات ضعيفة للغاية من قبل القطاع الخاص في هذا الصدد, وذلك علي الرغم من أنه المستفيد الأول من مخرجات التعليم الفني!! فعلي الرغم من أن مشروع مبارك كول هو مثال للتعليم الفني النموذجي إلا أن مشكلته تكمن في صعوبة التوسع فيه, حيث لا توجد مؤسسات قطاع خاص كافية يمكنها قبول الطلبة للتدريب لديها. لذلك فالمطلوب أن تضع المؤسسات الصناعية يدها في أيدي وزارة التربية والتعليم, وبالذات قطاع التعليم الفني لمضاعفة هذا النموذج إلي عشرة أمثاله, ومن الممكن أن يتحقق ذلك خلال سنتين أو ثلاث سنوات علي الأكثر. أما مشكلة الحاجز النفسي فيمكن إزالته, كما يشرح د. رشاد عبداللطيف, أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية ونائب رئيس جامعة حلوان وهي تتمثل في أن يأتي الحل علي ثلاثة محاور أولها تغيير الاتجاهات النفسية تجاه التعليم الفني لدي الأسرة المصرية حتي تقتنع بأهميته وهذا يرتبط بالمحور الثاني وهو إيجاد فرص عمل مجزية وبمرتبات مناسبة لخريجي التعليم الفني, وثالثا توجيه مزيد من الاهتمام لهذا النوع من التعليم في مختلف وسائل الإعلام, بما يؤكد قيمته ومكانته في المجتمع.. فواقع الحال يؤكد أن الدعاية للتعليم الفني تتم علي استحياء شديد وبطرق غير فعالة, ولذلك فدور الإعلام مهم وحيوي من خلال إلقاء الضوء علي نماذج ناجحة في المجالات الفنية المختلفة لكي تنتقل عدوي النجاح إلي الآخرين ويترسخ إيمانهم بأنه مستقبل مصر فهناك دول مثل الهند وماليزيا وجنوب إفريقيا وكذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية توجه الكثير من برامجها التعليمية نحو التعليم الفني, لإيمانها المطلق بأنها لن تتقدم بدونه.