استمرار فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بجامعة جنوب الوادي    استقرار أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 24 أكتوبر    الصحة: إعادة تقييم استراتيجيات النمو تسهم في تعزيز التنمية البشرية    3 وزراء يجتمعون بالمحافظين لمتابعة توافر السلع الغذائية للمواطنين    الرئيس الإيراني يتوعد إسرائيل برد حاسم إذا هاجمت بلاده    الجيش اللبنانى: استشهاد 3 عناصر أمنية إثر قصف إسرائيلى فى خراج بلدة ياطر    اعتقال 200 فلسطيني من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة    أشرف صبحي يطمئن علي بعثات الفرق المشاركة بكأس السوبر المصرى بالإمارات    مرموش يقود الهجوم.. تشكيل فرانكفورت المتوقع أمام ريجاس في الدوري الأوروبي    الأهلي والزمالك.. سوبر الثأر وتأكيد التفوق    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الرياض في دوري روشن السعودي    انتظام الحركة المرورية بشوارع وميادين القاهرة الكبرى    حبس المتهم بق.تل والد زوجته فى مشاجرة بالقليوبية    حبس تاجري مخدرات بحوزتهم كمية كبيرة من المخدرات في قنا    أخبار مصر: افتتاح مهرجان الجونة السينمائي، الأهلي والزمالك بنهائي السوبر، الذهب يحطم الرقم القياسي، ماذا قال باسم يوسف عن السنوار    نيقولا معوض يخدع ياسمين صبري في ضل حيطة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    إطلاق قافلة طبية قافلة طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    جامعة المنيا توقع اتفاقية تعاون لرفع كفاءة وحدة الغسيل الكلوي للأطفال    فريق طبي بمستشفى منوف العام ينقذ حياة مريض بعد توقف القلب    سويلم: مشروع تحديث الري في صعيد مصر يستهدف تحسين حياة المزارعين    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    هل يجوز الكذب عند الضرورة وهل له كفارة؟.. أمين الإفتاء يوضح    اليوم.. وزارة المالية تبدأ صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 للموظفين    علي الحجار يحيي «حفل كامل العدد» بمهرجان الموسيقى العربية.. (صور)    علي الحجار: مهرجان «الموسيقى العربية» عالمي.. وهذا الفرق بين المطرب والمغني    ماذا يحدث عند وضع ملعقة من السمن على الحليب؟.. فوائد مذهلة    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    فصائل عراقية مسلحة تعلن استهداف موقع عسكري بشمال إسرائيل    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الخميس 24 أكتوبر 2024    ألمانيا تتعهد بتقديم 60 مليون يورو إضافية مساعدات إنسانية للبنان    بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الفراخ وكرتونة البيض في الشرقية اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024    وزير دفاع أمريكا يُطالب إسرائيل بعدم التعرض للجيش اللبناني و"اليونيفيل"    لاعب الزمالك السابق يكشف ملامح تشكيل الفريق أمام الأهلي    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    تبدأ من 40 دينارا.. أسعار تذاكر حفل أصالة نصري في الكويت    حب وحظ وحسد.. عبير فؤاد تكشف عن أبراج تتغير حياتهم الفترة القادمة (فيديو)    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد.. نوفمبر المقبل    خبير: فشل النظام الدولي شجع دولة الاحتلال على القيام بالمزيد من الجرائم    قصف مدفعي وسط وشرق مدينة رفح الفلسطينية    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    فيديو مرعب.. لحظة سرقة قرط طفلة في وضح النهار بالشرقية    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    ضبط المتهم بواقعة سرقة قرط طفلة بالشرقية    القبض على سائقين قتلا شخصًا في عين شمس    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    إنتر ميلان ينجو من فخ يونج بويز بدوري الأبطال    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فورين أفيرز: استخدام الجيش للدين في معركته ضد الإخوان قد يأتي بنتائج عكسية
نشر في البديل يوم 13 - 11 - 2014

مثلت مسألة بحث هوية نظام ما بعد الثلاثين من يونيو 2013 في مصر قضية كبيرة للمهتمين بالشأن المصري من الباحثين والمحللين في العمل السياسي، فمن ناحية كان الطرف الخاسر هو أكبر تنظيم إسلام سياسي في تاريخ المنطقة الحديث، والرابح أقدم مؤسسة بالمعنى الحداثي في مصر والمنطقة أيضاً، ترأسها في وقت الصراع بين التنظيم والمؤسسة –أو الدولة- عبد الفتاح السيسي، الذي كانت أولى ملامحه عندما ظهر إلى العلن أنه رجل متدين تقليدي، وتمادى البعض إلى القول أنه منتمي لجماعة الإخوان المسلمين، أيضاَ كانت من أهم الملحوظات التي انتشرت في دوائر البحث والإعلام الأميركية أن المشير –وقتها- وبحسب ورقته البحثية التي أعدها أثناء دراسته بالولايات المتحدة رجل ذو طابع ديني محافظ، يميل إلى التدين التقليدي، ولكنه في الوقت نفسه ضد التطرف الديني.
إلى ذلك نظر الكثير من المحللين في الداخل والخارج إلى أن الجيش المصري يحافظ على هوية وطنية في معركته ضد الجماعة، التي اصبغت خلال عام أو يزيد قليلاً المجتمع بصبغة دينية طائفية، وعليه فأن الجيش في هذه الصراع يمثل الجانب العلماني الوطني.
في هذا السياق يلاحظ الباحث والمحلل السياسي بمجلس العلاقات الخارجية التابع للخارجية الأميركية، جلعاد وانيج، أن استخدام الدين المتنامي في المؤسسة العسكرية بمثابة جزء من معركة فكرية لاستعادة الوعي الديني الجمعي من جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، ولكنه في الوقت نفسه يحذر من ان استخدام الدين في هذا المضمار ولتحقيق مكاسب سياسية من الممكن أن يأتي بنتائج عكسية مثلما حدث قبل ذلك واغتيل الرئيس الأسبق أنور السادات على يد عسكريين متطرفين دينياً. وذلك في مقال له نشرته مجلة "فورين أفيرز" الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي. وفيما يلي نص المقال:
قبل أسابيع من تاريخ استقالته من منصب وزير الدفاع في السابع والعشرين من مارس الماضي من أجل خوض حملة انتخابات لرئاسة البلاد أثبتت نجاحها، أدى المشير عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية في ذلك الحين، صلاة الجمعة في مسجد الدفاع الجوي بمدينة نصر، وأدى الصلاة مع السيسي الفريق صدقي صبحي، وقادة آخرين من الجيش والسياسة والمؤسسات الدينية في البلاد. وألقى علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، خطبة الجمعة. وتوجه السيد جمعة إلى الحشود قائلاً: "مصر بلد ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن دون سواه"، وأضاف: "نحن جيش باركه رسول الله وجعله خير أجناد الأرض ودعا له".
تعليقات جمعة تؤكد على حقيقة بسيطة غالباً ما يسيء المراقبون من الخارج فهمها وهي: أن الجيش المصري بشكله الحالي ليس قوة علمانية. فالإسلام متغلغل في صفوف الجيش، تماماً كما هو متغلغل في المجتمع المصري الأوسع. ففي الدعاية الذاتية للقوات المسلحة، تعرض الأخيرة نفسها على أنها وريثة قوات صلاح الدين الأيوبي، القائد الإسلامي الذي قاوم الصليبيين وحرر القدس في القرن الثاني عشر، والذي تمركزت إمبراطوريته في القاهرة. أما في ساحة المعركة، فإن الجيش يستخدم المراجع الدينية بصورة منتظمة، إذ أُطلق على أكبر المناورات المصرية إسم "بدر"، في إشارة إلى المعركة التي دارت في القرن السابع في مكة المكرمة بين النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه من جهة وقبيلة قريش من جهة أخرى. وفي الخطابات، يتضرع الجنرالات إلى الله والنبي لتعزيز الشعور بالشرعية الدينية.
ورغم أن المشير السيسي لم يطلق النهضة الدينية في الجيش، إلا من دون شك أنه شجعها، فبعد فترة قليلة من قيام محمد مرسي، الرئيس التابع لجماعة الإخوان المسلمين والذي أصبح رئيساً لمصر في عام 2012، بتعيين السيسي وزيراً للدفاع، كان الإعلام المصري يمتلئ بتقارير تعتبر أن مرسي اختاره بسبب تقواه الدينية. والجدير بالذكر أن زوجة السيسي تردي الحجاب مما يدعو إلى المقارنة بينه وبين المشير عبد الحليم أبو غزالة، وزير الدفاع السابق، الذي كان متديناً أيضاً على الملأ.
وبدا أن مرسي يعتقد أن مشاركة العصائب الدينية سيكون كافياً لضمان ولاء القائد العسكري الجديد الذي عينه، وبمرور الوقت تبين أنه اعتقاد خاطئ. ففي ذلك الوقت طرح بعض المعلقين والمحللين، مثل الأستاذة السابقة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، زينب أبو المجد، إمكانية كَون السيسي نفسه عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، كما أبرزت مخاوف من أن يقوم السيسي من خلال سلطته المكتشفة حديثاً، بأسلمة القوات المسلحة أو بالأحرى أخونتها. وفي هذا السياق، كتب الصحفي إبراهيم عيسى، أنه "ستكون كارثة إن وجدنا أنفسنا نشكل جيشاً مثل الجيش الباكستاني، عناصره يربون لحاهم ويخوضون حرباً من أجل تطبيق الشريعة". وعلى الرغم من نفي جماعة الإخوان والمسئولين العسكريين للأمر، إلا أن هذه التهمة تكرست بسبب التقارير التي أفادت بأن السيسي خلال الأسابيع التي تلت تعيينه، ألغى الحظر المفروض على الصلاة أثناء التمارين العسكرية الذي كان الرئيس السابق حسني مبارك قد شرعه. ونُقل عنه قوله "صلوا كما تريدون"، في خطوة لاقت ترحيباً واسع النطاق من قبل الإسلاميين من جميع الأطياف. بالإضافة إلى ذلك أن خطاب السيسي كان مشبعاً بالنواحي الدينية. على سبيل المثال، في نوفمبر 2012 قال أمام حشد مكون، من 1500 من ضباط الجيش والشرطة "إن الله تعالى اختصنا بمهمة عظيمة ألا وهي تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع مصداقاً لقوله تعالى{فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}، فالشرف الذي منحه الله لنا وهو تأمين الناس من الخوف، لافتا إلى أن هذه مهمة عظيمة جداً جداً يجب على الجميع أن ينتبهوا لها وللتكليف العظيم الذي منحه الله لنا، وألا نكون أبداً سبباً في تخويف الناس".
وعلى الرغم من أن السيسي ليس أول جنرال مصري يستخدم مثل هذا الخطاب، إلا أن توليه المنصب على يد رئيس تابع للإخوان المسلمين يجعل من الأمر وكأنه له تابعيات ذات تأثير أوسع على المصريين، وفي الوقت نفسه تقريباً، أعلن مدير "الكلية الحربية" في القاهرة أن الكلية ستبدأ وللمرة الأولى على الإطلاق بقبول طلاب ينتمون لعائلات إخوانية، بما في ذلك بن شقيق مرسي. تجدر الإشارة هنا إلى أنه في خلال العقود السابقة اتبع الجيش بشكل مستمر سياسة رفض المجندين الذين يتبنون معتقدات دينية أو سياسية بشكل علني، وذلك للحد من اختراق الإسلاميين – الذين يخفون أجندتهم الخاصة – لصفوفه.
ولكن طوال خدمته كوزير للدفاع، قاوم السيسي أيضاً بعض المطالب التي تقدم بها مرسي والإخوان. إذ سربت التقارير معلومات مفادها أن مرسي أراد أن يعين شخصين آخرين عوضاً عن السيسي ونائبه صبحي بسبب رفضهما ضم المجندين من الإخوان إلى الجيش. بيد أنه تم التخفيف من أهمية تلك الفكرة بسرعة بعد أن قيل أنها أثارت الاستياء في صفوف الجيش. وفي مارس 2013، بعد أن نظر القضاء في السماح لرجال الشرطة بإطلاق اللحى، شدد السيسي على منع أي جندي أو ضابط في الخدمة من إطلاق لحيته. وبحلول صيف عام 2013، كانت العلاقة بين الرئيس والجيش قد تدهورت وأضحت غير قابلة للإصلاح، مما أدى في النهاية إلى الإطاحة بمرسي في يوليو.
وعلى الرغم من أن السيسي عارض الجهود التي بذلتها جماعة الإخوان للسيطرة على الجيش، إلا أنه يبدو أنه يؤمن بأن الإسلام يجب أن يلعب دوراً أكثر جوهرية داخل المؤسسة القوية. ويعود ذلك بشكل جزئي إلى النشأة الدينية للسيسي، فبخلاف ما هو متداول فقد ترعرع وسط عائلة محافظة في منطقة إسلامية بالقاهرة ولكن يمكن لهذا التوجه أن ينسب أيضاً إلى الميل مؤسسي نحو الدين بدأ في السبعينات حين كان السيسي جندياً شاباً، حيث كان الرئيس أنور السادات يحرص على ازدهار الإسلاميين كثقل مقابل للناصريين في البلاد، وبذلك، سمح لهم بكسب موطئ قدم في المجتمع وبالتالي في القوات المسلحة. ومع ذلك، ففي الفترة التي تلت الثورة، يبدو وكأن وتيرة هذا الاتجاه قد تسارعت، وخاصة في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المدعومة من الجيش تعزيز شرعيتها بعد الانقلاب الذي شهدته مصر العام الماضي وحملة القمع التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين.
لقد نظمت "إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" التي يترأسها اللواء محسن عبد النبي، هذا الاتجاه السابق، إلى حد كبير. فبالإضافة إلى عملها كمكتب إعلامي ودعائي للجيش، تشرف "الإدارة" أيضاً على الأنشطة الدينية، حيث يصبح فعلياً أولئك الذين ينضمون إليها في النهاية مبعوثين دينيين للجيش، فقد أصبح ضباط "إدارة الشؤون المعنوية" مسئولين عن مجموعة واسعة من الأنشطة الدينية، من بينها الاجتماع بأعضاء من المجتمعات المسيحية التي تشكل أقلية في مصر، وإلقاء الخطابات نيابة عن الجيش في الأعياد الإسلامية، واستضافة رجال الدين المسلمين في حلقات دراسية حول مواضيع دينية مثل "الإيمان والأمن" أو "سيناء في القرآن"، فضلاً عن تحديد ما إذا كان المجندون قد حفظوا القرآن، وهو من المؤهلات التي يمكن أن تقصّر من مدة خدمتهم العسكرية الإلزامية، وتنظيم مسابقات تحفيظ القرآن، وتوزيع المواد الغذائية ووجبات السحور والإفطار في خلال شهر رمضان، وتنظيم حملات حج للقوات إلى مكة. (ففي هذا الشهر فقط، دفعت "إدارة الشؤون المعنوية" تكاليف وقيادة حملة للحج، شملت ضباطاً ومتقاعدين وعائلاتهم، فضلاً عن عائلات الجنود الجرحى والقتلى خلال العمليات العسكرية). ووفقاً لمجند سابق، تتولى هذه "الإدارة" أيضاً مهمة صياغة الخطب الأسبوعية التي يستمع إليها الجنود أثناء صلاة الجمعة.
ويتماشى نمط الإسلام الذي تروّج له "إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" مع أهداف رئاسة السيسي، التي تحاول فرض صيغة "معتدلة" من الإسلام تقرها الدولة في مصر. وفي هذا السياق، تحالفت "إدارة الشؤون المعنوية" مع "الأزهر"، المؤسسة الإسلامية العليا في البلاد، بهدف "مواجهة أيديولوجيا متطرفة ونشر الفكر المعتدل والمستنير". كما واستند الجيش على العديد من رجال الدين البارزين، بمن فيهم سالم عبد الجليل، وشريف السيد خليل، وخالد الجندي، للمساعدة في تبرير سياساته من وجهة نظر إسلامية. يذكر أن الجليل وخليل يعملان كداعييْن لصالح "إدارة الشؤون المعنوية" بشكل مباشر، ويشاركان بانتظام في النشاطات التي يديرها الجيش، وكذلك يفعل الجندي. ووفقاً لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، وصف سالم عبد الجليل المتظاهرين المؤيدين لمرسي قائلاً " إنهم بغاة وعليهم أن يتوبوا إلى الله"، بيد أنه تراجع عن تصريحاته بعد تعرضه لانتقادات بسبب تبريره للعنف. وفي شريط فيديو نُشر على الموقع الإلكتروني "الأهرام"، حذر نظيره، شريف السيد خليل، المتشددين من مهاجمة الجيش، ذاكراً آية من القرآن: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم}. إلى جانب ذلك، تنشر "إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" مجلة "المجاهد" التي تركز على التوعية الدينية، ويتولى الجندي مهمة الإشراف العام عليها. ووفقاً لدار نشر وزارة الدفاع، يتم نشر حوالي 45 ألف نسخة من هذه المجلة شهرياً، حيث يشمل قراؤها الجماهير العسكرية والمدنية على حد سواء.
يُذكر أن الضباط من "إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" ليسوا العسكريين الوحيدين الذين يعملون على نشر الرموز الإسلامية والخطاب الإسلامي. فالمظاهر الدينية باتت شائعة في صفوف الجيش. ووفقاً لمجند سابق، تم عرض ملصقات تحفيزية بصورة بارزة، تدعو إلى الجهاد في ثكنته. وفي الوقت نفسه، في سبتمبر الماضي، بينما كان السيسي يشاهد التمارين العسكرية لقوات الانتشار السريع، علقت على الحائط خلفه لافتة تحمل آية من القرآن –نفس التي موجودة بشعار الإخوان- {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}. وبعد أسابيع، في خلال الحفل الرسمي للجيش في ذكرى حرب أكتوبر عام 1973، ناشد وزير الدفاع صدقي صبحي "دعاة الفكر المتطرف" بعدم اتباع "أهواء الشيطان كما قال الله في قرآنه".
يبدو أن الحياة الدينية والعسكرية مترابطتين بشكل وثيق. فرجال الدين المسلمين يخاطبون العسكريين في المساجد، والشخصيات العسكرية تستخدم المراجع الدينية عند التحدث علناً. وفي أعقاب الانقلاب الذي أطاح بمرسي، دعا أحمد محمد علي، المتحدث العسكري في ذلك الوقت، الجمهور المصري إلى الإقتداء بالنبي محمد في إظهار الرحمة. وقد كان تصريحه هذا شبيهاً بشكل كبير بتصريح نشر قبل أيام من قبل أحد علماء الأزهر. وفي الشهر نفسه، أنهى قائد المنطقة الغربية العسكرية، اللواء محمد المصري، أحد خطاباته في محافظة مطروح بذكر الآية القرآنية التالية: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}.
بمعنى أو بأخر، الإسلام متغلغل في صفوف الجيش، نظراً إلى الدور البارز الذي يلعبه الدين في الحياة والثقافة المصرية. وبالإضافة إلى ذلك، يدرك الجنرالات قدرة الدين على الحفاظ على عملية التماسك وتعزيز الروح المعنوية، وحشد تأييد الرأي العام. ولكن في ضوء التحرك الذي أطاح بمرسي، يجب أيضاً أن ينظر إلى الدين على أنه عنصراً هاماً في المعركة الأيديولوجية للدولة المصرية لاستعادة عباءة الإسلام من الإخوان المسلمين. وإلى الآن، يبدو أن الحكومة قد نجحت في ذلك. ولكن المصريون تعلموا في عام 1981 من قيام ضباط إسلاميين باغتيال الرئيس السادات، فإن التلاعب بالدين لتحقيق مكاسب سياسية له أيضاً تاريخ من النتائج العكسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.