شهدت ولاية الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" منذ بدايتها عام 2012، تغيرات ومفاجآت عديدة ما بين انخفاض شعبيته وشعبية تياره اليساري منذ الأشهر الأولى لحكمه مقابل تقدم لليمين المتطرف بشكل غير مسبوق، وتراجع نمو الاقتصاد وتوريط البلاد في حروب لم تجن شيئًا من ورائها. تورط عسكري ذكرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أنه في أقل من ثلاث سنوات، شن الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" ثلاث عمليات عسكرية خارجية شملت مالي في 11 يناير 2013 وإفريقيا الوسطى في 5 ديسمبر من العام نفسه والمشاركة في شن الضربات الجوية في سماء العراق في 19 سبتمبر الماضي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وإذا لم تكن لندن وواشنطن قد انسحبا في أوائل سبتمبر عام 2013، كان أولاند سيصدر أوامره للطائرات الفرنسية بقصف سوريا ل "معاقبة" بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية. يبدو أولاند، على الصعيد العسكري، أكثر نشاطًا من أسلافه. فقد شارك الجيش الفرنسي في عهد "نيكولا ساركوزي" في الكوت ديفوار وليبيا بموافقة الأممالمتحدة. بينما تميزت الولاية الثانية للرئيس الأسبق "جاك شيراك" برفضه التدخل في العراق. وخلال التسعينات، تدخلت فرنسا، تحت رعاية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في البوسنة وكوسوفو. وأشارت الصحيفة إلى أن أولاند أكد ذات يوم أنه لم يصل إلى الحكم كي يشن حروب ولكنها الظروف هي التي تضطره لذلك. وفي عام 2012، ومع وصوله للحكم، لم يضع المرشح الاشتراكي إلا خطة واحدة لحملته هي عودة القوات الفرنسية من أفغانستان. إلا أن خطط عملية "سرفال" في مالي ظهرت بعد ذلك عندما زادت تحركات التكفيريين في باماكو ولم يتردد أولاند في التحرك. وفي فبراير 2013، كان اليوم الأكثر الأهمية في حياته السياسية عندما تم استقباله كمنقذ للعاصمة المالية. وأوضحت الصحيفة أنه منذ وصوله للسلطة، فاجأ أولاند، الذي كان ضابطًا للاحتياط مثل شيراك، المحيطين به بإظهاره اهتمامًا كبيرًا بالجانب العسكري. فهل يملك زعيم البلاد التي تواجه أزمة، وكذلك ميزانية الدفاع التي تعد في وضع خطير، الوسائل لتحقيق طموحاته؟ فالشعب الفرنسي ينتظر منه تحقيق انجازات على المستوى المحلي. تراجع اقتصادي وعلى الصعيد الاقتصادي، سلطت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية الضوء على إقرار وزير العمل "فرانسوا ريبسامين" بفشله في القضاء على البطالة بالتزامن مع الإعلان عن تحطيم رقم قياسي جديد في أعداد العاطلين عن العمل في فرنسا خلال شهر سبتمبر الماضي. وقد نشرت الصحيفة نفسها استطلاعًا للرأي يبين أن 4% فقط من الفرنسيين يعتقدون أن الرئيس أولاند خير من يمثل الاشتراكيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واقع الحال ان الازمة الاقتصادية التي تعصف بفرنسا مع بطالة متزايدة وقوة شرائية ضعيفة وقرارات أولاند بزيادة الضرائب على الجميع زادت من استياء الشعب الفرنسي من رئيسه. فأولاند يفقد رونق شخصيات مثل شارل ديجول أو الاشتراكي فرنسوا ميتران أو جاك شيراك. ورغم أنه يعد شخصًا ذكيًا ويعمل دون انقطاع، الا انه كأي مواطن فرنسي عادي بامكانه ان يكون أستاذاً او موظفاً وليس رئيساً. فالشعب الفرنسي ينظر الى الصورة الرئاسية بشكل مختلف. اضافة الى ذلك فأولاند قليل الخبرة في تنظيم محيطه المباشر وتسليم مسؤولية اعلامه لشخص محدد. فهو يتحدث مع الاعلاميين مباشرة حتى انه يجيب البعض على الهواتف المحمولة مباشرة. فهو كثيراً ما يستشير ولكن لا يسمع لمن يستشيره. وعندما يسأل المواطنون اليساريون الفرنسيون عن رئيسهم فكثيراً ما يعبّرون عن أسفهم لأنهم صوتوا له. انحسار شعبية وهذا ما يبرر ضعف شعبية فرنسوا أولاند منذ بداية حكمه والمأزق الذي يواجهه الآن. فقد كشفت استطلاعات الرأي في فرنسا أنه يحظى بتأييد 17% فقط، ورئيس وزرائه "مانويل فالس" الذي كان يحظى بشعبية كبرى عندما تولى رئاسة الحكومة قبل خمسة أشهر شهد انخفاض 9 نقاط في شعبيته خلال شهر لتصل الى 36%. مما لا شك فيه ان انتخاب أولاند رئيساً لفرنسا عام 2012 كان سببه رفض الشعب الفرنسي التجديد للرئيس السابق نيكولا ساركوزي لأن شخصيته وأسلوبه في الحكم جعلا بعض الناخبين يفضل التصويت لأولاند خوفاً من عودة ساركوزي. ولكن بعد مرور عامين من الفترة الرئاسية لأولاند الذي يبقى لديه ثلاثة أعوام، وجد الرئيس الاشتراكي نفسه في عزلة عن حزبه وعن المعارضة اليمينية بسبب سياسته الداخلية. تقشف دون جدوى وفيما يتعلق بموازنة عام 2015، وضعت الحكومة الفرنسية مشروع موازنة تقشفية تتضمن خفضًا كبيرًا للإنفاق إلى جانب تخفيف الضرائب عن الملايين من الفرنسيين، وسط ضغوط من الاتحاد الأوروبي لتقليل عجز الموازنة الآخذ في التزايد. وتعكس الميزانية الجديدة صعوبة احتواء العجز على الرغم من الجهود المبذولة للحد من النفقات، سعيًا للتوفيق بين مطالب بروكسل والرأي العام المعادي لها بغالبيته. وقال وزير المالية "ميشيل سابين" لدى عرضه مشروع الموازنة "إن ال 21 مليار يورو المخطط توفيرها في العام المقبل حاسمة لمصداقيتنا أمام الفرنسيين والأوروبيين"، مضيفًا أنه رغم أن التوقعات الاقتصادية لفرنسا وأوروبا بدت أكثر صعوبة مما كان يتوقع في السابق، إلا أن الحكومة الفرنسية حددت مسارًا تلتزم به. وتواجه فرنسا، ثاني قوة اقتصادية في منطقة اليورو، نموًا ضعيفًا جدًا وتضخمًا متباطئًا، وهما ظاهرتان تضغطان على عائدات الدولة وتعطلان بعض الجهود المبذولة على صعيد التقشف. وبعد شن المفوضية الاوروبية هجومًا غير مسبوق على فرنسا لفشلها في تخفيض العجز في موازنتها مؤكدة تصميمها على مراقبة الموارد المالية للدول التي تستخدم اليورو، أعلن "ميشيل سابين" أن بلاده أعادت إعداد ميزانيتها للعام 2015، وتقديمها لمفوضية الاتحاد الأوروبي للموافقة عليها. وقال "سابين" – في بيان له لوسائل الإعلام – إن المسودة الجديدة تظهر خفضًا للعجز العام بقيمة 3.6 مليار يورو؛ مقارنة بالمسودة الأولى، التي سبق أن قدمتها. وكان معدل عجز الموازنة الفرنسية تجاوز 4% من معدل الناتج العام، مما تسبب في أزمة خلال السنوات الأخيرة بين فرنسا ولجنة الاتحاد الأوروبي، وبحسب المعايير الأوروبية فإنه ينبغي أن لا تتجاوز النسبة 3%. وقد انتقد السياسيون والمحللون بشدة الوضع في فرنساوايطاليا اللتين تتأخران في تطبيق اجراءات صارمة بوتيرة منتظمة وستساهمان في غرق كل منطقة اليورو. ورأى محللون في كومرزبنك الألماني مؤخرًا أن "لا تقدم اطلاقاً احرز في فرنسا" خلال أول عامين من ولاية الرئيس أولاند، وأن فرنسا "ستستمر مع ايطاليا في عرقلة نهوض منطقة اليورو". انتخابات 2017 مفاجآت كبيرة ومع تراجع شعبية أولاند يتوقع كثيرون ان تشهد الانتخابات المقبلة عام 2017 صعود رئيسة «الجبهة الوطنية» مارين لوبان، لان حزب «الاتحاد من اجل الحركة الشعبية» سيكون مقسوماً الى عدد من المرشحين من بينهم رئيس الحكومة السابق الان جوبيه الذي اعلن عن ترشحه للانتخابات الاولية للحزب والرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي يطمح الى تولي رئاسة الحزب للترشح مجدداً للرئاسة. وكشف استطلاع للرأي أن أكثر من ثمانية من كل عشرة فرنسيين لا يرغبون في ترشح الرئيس فرنسوا أولاند للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2017.وافاد الاستطلاع الذي اجراه معهد اودوكسا للدراسات لحساب محطة "اي- تيلي" وصحيفة "لوباريزيان اوجوردوي" أن 15 % فقط من الذين شملهم الاستطلاع قالوا انهم يأملون في ترشح أولاند، مقابل 84 % لا يريدون ترشحه. وفي المقابل، أفادت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، بأن استطلاعًا للرأي أجراه معهد أودوكسا لصالح الصحيفة أظهر تأييد 43% من الفرنسيين لزعيمة حزب الجبهة الوطنية "مارين لوبان"، لافتة إلى أنها لم تحظ بمثل هذه الشعبية من قبل. وإذا كان غالبية الفرنسيين (56%) لا يزال لديهم آراء سيئة بشأن "لوبان"، إلا أنه يبدو أنها حصلت أخيرًا على مكانها في المشهد السياسي الفرنسي. وترى الصحيفة الفرنسية أن "لوبان" نجحت في تحقيق تحدياتها بشكل رئيسي عن طريق تجميل صورة حزب مهمش ليصبح قوة سياسية كبرى لديه نائبين بمجلس الشيوخ وآخرين بالجمعية الوطنية وأكثر من عشرة رؤساء بلديات وما لا يقل عن 24 عضو بالبرلمان الأوروبي بستراسبورج. تراجع اليسار الفرنسي ارتفعت شعبية "مارين لوبان" بين أنصار اليمين إلى 67%، وقد أثر الوضع السيء لليسار والأزمة غير المسبوقة التي يواجهها اليمين بشكل كبير على النتائج الايجابية التي تحققها "لوبان" في استطلاعات الرأي. وبخلاف الصعوبات التي يواجهها الحزبين "الاشتراكي" و"الاتحاد من أجل حركة شعبية"، الحزبين الرئيسيين في فرنسا، تزيد جاذبية شخصية زعيمة حزب الجبهة الوطنية يوم بعد يوم. ويرى 44% من الفرنسيين أن "لوبان" لديها شخصية رئيسة دولة كما يظهرون آراء أكثر ايجابية بشأن كفاءتها وقربها من الشعب. ويأتي ارتفاع شعبية "لوبان" وتقدم حزبها "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في إطار معاقبة الفرنسيين لليسار، حيث تصدر النتائج انتخابات البلدية والانتخابات الأوروبية محققًا مفاجأة في فرنسا. عنف وانفلات أمني وفي اطار المشكلات التي يوجهها النظام، أدى مقتل شاب من أنصار البيئة، في أول حادثة من هذا النوع منذ 1986 في فرنسا أثناء تدخل قوات الأمن لتفريق مظاهرة، إلى احراج الحكومة الاشتراكية التي تواجه أصلا احتجاجات متعددة الأشكال تتخللها أحيانا أعمال عنف. ورفض وزير الداخلية "برنار كازنوف" أن يكون الشاب قتل نتيجة "تجاوز" من قبل عناصر الشرطة، بينما كشفت التحقيقات الاولية أن مقتل الشاب قد يكون ناجما عن قنبلة أطلقها عناصر الدرك. وطالب اليسار المتطرف في البرلمان باستقالة وزير الداخلية. وتعد هذه أول حادثة مقتل شاب في اطار مظاهرة قمعتها الشرطة في فرنسا، منذ حادثة مالك اوسيكين الطالب البالغ الثانية والعشرين والذي ضربه شرطيون على متن دراجة نارية بالهراوة في السادس من ديسمبر 1986 في باريس على هامش مظاهرة ضد مشروع اصلاح جامعي.