تشتعل جبهات الحرب الباردة الجديدة على مدار خطوط التوتر والصراع العالمي من أوكرانيا إلى سورية واليمن وأفريقيا وتحمل أحداثها تصميما أميركيا على النيل من جميع القوى العالمية والإقليمية الكبرى باتباع سياسيات تتوزع بين التفاوض الاحتوائي الذي يطال شروط المساكنة في ساحات العجز الأميركي والضغوط المكثفة التي تستهدف استنزاف وإضعاف القوى الدولية المنافسة وحيث تعمل الإدارة الأميركية على منع قيام جبهة عالمية منافسة بكل السبل والوسائل المتاحة وهي تسعى لتعطيل أو تأخير قيام تكتل عالمي منافس اقتصاديا وعسكريا. أولاً: يمثل استخدام الإرهاب التكفيري إحدى أدوات الحرب الباردة القائمة أصلا على مبدأ تحاشي المجابهات القتالية المباشرة مع القوى العالمية المنافسة وتطبيق استراتيجيات الحرب بالواسطة ويجب التذكير بأن هذه الوصفة اختبرت في أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي وأثبتت جدواها وما يزال المخططون الأميركيون يتباهون بدور طالبان وقوى "المجاهدين" التي قادها آنذاك الشيخ أسامة بن لادن في إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفيتي بل والتأسيس الفعلي لانهياره الذي توج بسقوط جدار برلين وافتتاح عصر الهيمنة الأميركية الأحادية وقد سماهم الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان فرسان الحرية وكان منهم "أبوعايشة" اللبناني بسام كنج الذي قتل في معارك الضنية ضد الجيش اللبناني فجر العام 2000. وينبغي النظر اليوم إلى بلاغ الدكتور أيمن الظواهري عن تأسيس فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية على انه افتتاح لحرب استنزاف خطيرة ضد إحدى أهم دول تحالف البريكس من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية وبما لايقل خطورة عن مغزى اعتماد فصائل القاعدة في سورية والعراق على حشد لا يستهان به من الإرهابيين القادمين من روسيا ومن الشيشان بالذات حيث مساحة النزيف الروسي المفضلة في الخطط الأميركية إلى جانب خطة الحرب بالواسطة التي تتعثر في الساحة الأوكرانية ويحشد لها أوباما دول الناتو في محاولة لتثبيت خطوط محاصرة النفوذ الروسي داخل أوروبا خوفا من استعادة موسكو لمواقعها السليبة في جوارها السلافي والأرثوذكسي الذي شكل نطاق نفوذ روسي تقليدي منذ مئات السنين. ثانياً: الإرهاب القاعدي الذي طورته الولاياتالمتحدة ودول الناتو في المنطقة العربية هو قوة قابلة للاستعمال في تهديد جميع المنافسين ويقينا إن ما يسميه باراك اوباما بالحرب على داعش هو غطاء فعلي لضبط قوة إرهابية تكفيرية خرجت عن السيطرة لإعادة استخدامها وتوظيفها مجددا في تنفيذ الأجندات الأميركية والغربية التي ستتقدمها على الأرجح أوامر عمليات تطال إيرانوروسيا والصين والهند والمزيد من دول أفريقيا إضافة إلى شبه الجزيرة العربية والخليج واليمن. شكل الإرهاب على امتداد ما يزيد عن ثلاثين عاما قوة احتياطية لضرب الخصوم ولضبط الحلفاء ولاستنزافهم بل وابتزازهم وهو ذريعة جاهزة للتدخل العسكري والمخابراتي ولتأمين مساحة حضور متزايدة للنفوذ الأميركي ولتنشيط أسواق السلاح الأميركي والأوروبي وعقد الصفقات المربحة مع الحكومات المهددة وأبله من يصدق اكذوبة ان الولاياتالمتحدة تسعى لفرض الاستقرار في أي بقعة من العالم فتاريخ الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية هو تاريخ استثمار في الحروب والأزمات التي غالبا ما كانت أصابع ومصالح أميركية في خلفيات اشتعالها. ثالثاً: التحدي يطرح نفسه اليوم على جميع الحكومات المناهضة للهيمنة الأميركية وبالذات إيرانوروسيا انطلاقا من وجهة مكافحة الإرهاب التكفيري في المنطقة ومن خطر استعماله ذريعة لتوسيع نطاق الهيمنة الأميركية ومحاولة ضرب الدول والقوى التي تناهض الهيمنة او تحجيمها وعزلها واستباحة مجالات التدخل في شؤونها لصالح الولاياتالمتحدة وعملائها. ويمثل الاختبار السوري مفصلا حاسما في الصراع بين المحورين المتنافسين عالميا فقد أعلنت سورية استعدادها للتعاون الدولي والإقليمي في مكافحة الإرهاب واعتبرت ان أي عمل عسكري على أراضيها وفي اجوائها دون التنسيق مع قيادتها سيعامل كعدوان وهو الموقف السيادي الوطني في مقابل عربدة أوباما الإمبراطور الفاشل والمهزوم امام الرئيس بشار الأسد وجيش سورية وشعبها . أكد اوباما رفض التعاون مع الدولة الوطنية السورية وعزم حكومته على مواصلة العدوان عليها بدعم عصابات إرهابية سبق لأكثر من مسؤول اميركي بما في ذلك اوباما نفسه ان اعترف بأن معتدليها المزعومين ليسوا سوى فانتازيا ومآلها الإجمالي هو فصائل التكفير القاعدية التي حصدت كل قطعة سلاح أرسلتها دول الناتو وحكومات المنطقة العميلة للغرب باعتراف الخبراء ومخططي السياسة الأميركيين. الإعلان عن حلف مشرقي لمكافحة الإرهاب سيكون تكريسا وتطويرا لواقع ناشيء على الأرض السورية لكنه سينقل حلف البريكس وإيران وسورية إلى موقع المبادرة الهجومية وسيضع أمام العالم خطا فاصلا بين المجابهة الحقيقية الرادعة للتكفير الإرهابي وبين المناورات الأميركية البائسة التي لا تعني سوى مستنقعات دماء تمد التكفيريين بمزيد من عناصر البقاء ليتم استخدامهم في وظائف أميركية ربما تستهدف لاحقا إيرانوروسيا والصين والهند إلى جانب سورية والعراق ولبنان واليمن والقارة الأفريقية برمتها بما فيها مصر وليبيا وتونس والسودان.