أسئلة كثيرة تطاردني صباحًا عندما أخرج من بيتي ذاهبًا إلي عملي بديوان عام الهيئة العامة لقصور الثقافة.. كيف تحول دور الهيئة من ثقافة معنية بالشارع والجمهور إلي ثقافة نخبوية حبيسة القاعات المكيفة والمكاتب الفخمة التكاليف، لماذا انحرفت عن دورها الذي أنشئت من أجله وهو توعية وخدمة المواطن في شتي أقاليم مصر، كيف انحصر دورها في تقديم ندوات وأمسيات وحفلات ينصرف عنها الجمهور، كيف ينحصر دورها إلى هذا الحد بالرغم من تعدد وكثرة مواقعها الثقافية التي تزيد عن خمسمائة موقع من قصر وبيت ومكتبة ثقافية؟ أتصور أن هذا التحول حدث بسبب بعض المشاكل وهي علي سبيل المثال لا علي سبيل الحصر تتضح في: عدم وجود استراتيجية واضحة تعمل من خلالها الهيئة بكل مواقعها. طول الإجراءات الإدارية التي تعرقل النشاط وتجعل الهيئة تنصرف عن مواكبة الواقع وتظل متاخرة عن متابعة كل القضايا التي يمر بها الوطن. شيخوخة الهيئة، حيث أن أغلب المسؤولون الذين يملكون سلطة القرار من الكبار في السن ومنهم من هو منفصل تمامًا عن قضايا الواقع. تولي بعض الموظفين الذين ليس لديهم خبرة فنية وثقافية، إدارات فنية مسؤولة عن النشاط الفني والثقافي.أيضًا عدم تعامل الهيئة بقيادتها مع وسائل التكنولوجيا الحديثة. التعامل بطريقة قديمة في التسويق والدعاية للأنشطة داخل الهيئة والاكتفاء بالمصادر القديمة والطرق القديمة مثل أن يتم دعوة صحفي فقط في المؤتمرات والحفلات ليكتب تحقيقًا أشبه بالتقرير ولا يتم التسويق والدعاية للنشاط بشكل أكبر من خلال الوسائل الحديثة. عدم تبني مشاريع قومية يكون للهيئة الدور الرئيسي فيها، مثل محو الأمية الثقافية ونشر الوعي في شتي أقاليم مصر، عن طريق الورش والندوات والمؤتمرات والعمل بشكل جاد وبخطة واضحة من الممكن أن تنقسم لمراحل، مع عدم خلق كوادر شبابية تستطيع تطوير النشاط. اللجوء للطرق القديمة في الترقيات والدرجات مما يقتل روح الإبداع والابتكار لدي الشباب داخل الهيئة، وغالبًا من له سلطة القرار هو موظف وصل لمنصبه حسب الترقية فقط لا أكثر. والمرة الوحيدة التي تولي فيها شابًا موقعًا ثقافيًا، لم ينج من كل هذه المشكلات، أتذكر هنا في بداية عملي بالهيئة، عملت مديرًا لقصر ثقافة عين حلوان، وكنت حريصًا أن أقدم نشاطًا خدميًا يتنوع بين ورش ودورات تدريبية وفصول محو أمية وغيرها من الأنشطة التي تقدم خدمة حقيقة للجمهور، ومن الأشياء التي بدأت في عملها حتى تسهل علي المهمة، هي برتوكولات تعاون مع أغلب مؤسسات المجتمع المدني وبالفعل قدمنا داخل القصر نموذجًا مشرفًا أنا والعاملين به، الذين كان أغلبهم من الشباب. أعتقد أن الإجابة عن الأسئلة السالفة، تكمن في أن يتخذ السيد وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور عدة قرارات، من شأنها إعادة هيكلة الهيئة العامة لقصور الثقافة وفتح المجال أمام الطاقات الشابة بالهيئة، حتى يقدمون اقتراحتهم ويتولون تنفيذهاتحت رعايته.وأن تعود الهيئة للدور المنوط بها، وهذا لن يتم إلا بتغيير شامل وتحجيم لظاهرة البطالة المقنعة داخل الهيئة.