شهدت محافظة بورسعيد منذ إنشائها عام 1859 وحتى وقتنا الحالي العديد والعديد من الصراعات والأحداث التي غيرت من مسار هذه المحافظة العريقة الباسلة بمشاركة أبنائها وزوارها وجميع أحيائها وشوارعها، والتى انتهت بوضعها اليوم تحت الحصار الاقتصادى ، الا ان أهالي المدينة الباسلة يناضلون من أجل لقمة عيش نظيفة وحياة آدمية تحيا بها . حيث تفاعلت محافظة بورسعيد مع الأحداث التاريخية والوطنية التي شهدتها مصر في العصر الحديث منذ نشأتها، حيث دخل الاحتلال البريطاني مصر من بورسعيد عام 1882، وطوال مدة الاحتلال البريطاني لمصر كانت بورسعيد إحدى مواطن المقاومة في مصر وخصوصا بعد اشتعال مدن القناة بالمقاومة للوجود البريطاني بعد إلغاء معاهدة 1936، غير أن الحدث الأبرز في تاريخ المدينة يبقى صمودها في مواجهة العدوان الثلاثي، والذي شنته دول "بريطانيا - فرنسا –إسرائيل" على مصر عام 1956، ردًا على تأميم الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" لقناة السويس، وهو ما أهلها لحمل لقب المدينة الباسلة، واستمرت رحلة بورسعيد في مواجهة العدوان على مصر، حيث توقف العدوان الإسرائيلي على مصر في حرب 1967 على حدود بورسعيد الشرقية بعد احتلال الشطر الأسيوي من مصر ممثلًا في كامل أرض سيناء باستثناء بور فؤاد، والتي عجز الجيش الإسرائيلي عن التوغل فيها . وبعد انتصار مصر في حرب أكتوبر عام 1973 بدأت الحياة تعود لبورسعيد عام 1975، وهو نفس العام الذي أعيد فيه افتتاح قناة السويس للملاحة بعد توقفها في أعقاب حرب 1967، وفي عام 1976 أصدر الرئيس "محمد أنور السادات" قرارًا بتحويل المدينة إلى منطقة حرة وهو الأمر الذي جعل المدينة جاذبه للسكان من جميع أنحاء مصر . ولا أحد قد يشك في تاريخ هذا البلد العريق ولا ببسالة أهلها فالشعب البورسعيدي عانى علي مر السنين، ومازالت معاناته مستمرة حتى وقتنا الحالي بعد النجاة من شر الاحتلال الصهيوني، وقعت بورسعيد في شباك رجال الأعمال والسلطة، ومن معاناة الاحتلال الصهيوني الى الحصار الاقتصادى بعد وقف العمل بالمنطقة الحرة، وارتفاع الأسعار، وأزمة مياه الشرب، والكهرباء، وانتشار الأمراض، وسطوة رجال الأعمال . واستطاعت بورسعيد أن تنجو من جبروت الاحتلال في العاشر من رمضان، ولكن الآن وبعد مرور 42 عامًا على هذا الاحتلال، مازالت بورسعيد وأهلها يقاومون بكل ما أوتوا من قوة لمحاربة الفساد والنهوض بالبلد إلي بر الأمان والتخلص من الحصار الاقتصادى الذى فرض على المدينة . وقد وصف لنا الحاج "جمال" 68 عامًا أحد أبطال حرب أكتوبر المجيد، الحياة الآن في المحافظة قائلًا "كل شيء تغير تمامًا تبدد كما لم تكن هذه أرضنا التي ارتوت من دماء شبابها لطرد العدو من أراضيها، نشعر بأننا غرباء على أراضينا، لم نعد نشعر بالأمان، أيام زمان كنا نحب اللعب بالشارع عندما كان الشارع أمان والناس لديها أخلاق، أما الآن تحولت الشوارع إلي محلات وأكشاك تجارية تشبه كثيرًا خلية النحل فلا مكان لأحد لمجرد الوقوف وليس للسماح للأطفال باللعب . فيما أضافت الحاجة "أم السعد" 72 عامًا من أهالي المحافظة، قائلة "زمان كان في بركة كان في خير، كنا عارفين مين عدونا وبنحاربه وبندافع عن أرضنا لكن الآن لا نعلم من نحارب؟ من يخرب؟ من السبب في ما وصلنا إليه من فقر وخوف؟ الحكومة بتغلي كل شيء؟ ما الحكومة دي أساسًا مصرية يعني هنحارب إخواتنا ؟ واختتمت الحاجة "أم السعد" حديثها قائلة "ربنا كبير وهينصر الشعب ده عشان تعب كتير وضحي بزهرة شبابه فداء لتراب مصر . وأكمل الحاج "أبو سيد" 69 عامًا من أقدم تاجري بورسعيد، الناس بقيت خايفة من كل شيء.. كل شيء بيخوف، مافيش امان الدنيا بتغلي، الناس خايفة تشبع عشان بكرة تلاقي أكل لعيالها، الناس بتخاف تخرج من كتر الزحمة والعربيات والدخان اللي مالي الدنيا وموش بيرحم كبير ولا صغير . فيما قالت الحاجة " أزهار" 73 عامًا أنا ضحيت بثلاثة من أولادي في حرب أكتوبر، واستشهدوا جميعهم في سبيل طرد العدو من أرضنا ونعيش بشرف، واحتسبتهم عند "الله" وقولت فداكي يا مصر، ولكن أين مصر؟إزاي شايفة كل ده بيحصل فينا وساكته؟ النور اللي بيقطع كل يوم 3 و4 و5 مرات مين اللي بيقطعه، الميا الوحشة دى جايبنها منين؟ إحنا المياه بتعتنا حلوة أوى طول عمرها؟ غيروا المياه إزاي كدا . بينما تناول الحاج " إسماعيل خليفة" قضية انتشار الأمراض متسائلًا: من أين جاءت كل هذه الأمراض المنتشرة؟ معقول كل بيت في واحد وأتنين عيان…إزاي ؟ زمان ماكنش فيه أمراض ولا حد كان بيشتكي من حاجة… واللي كان بيتعب كان بيتعالج بحاجات بسيطة… لكن دلوقتي الدنيا كلها غليت والناس فقرت… ازاي دة بيحصل، ماحدش بيحس بالفقير ليه؟ فين الرحمة ؟ فين المسئولين؟ فين ثروات البلد بتروح فين ؟ مين بيسرقنا كدا؟ البلد دي فيها خير كتير أوي… بس اهلها مش شايفين منه حاجة…واختتم كلامة قائلا "لا حول ولا قوة إلا بالله" . فيما أوضح المهندس" أحمد غريب" 68 عامًا من سكان مدينة بورفؤاد قائلًا " إن مدينة بورفؤاد بناها الفرنسيون بتخطيط مهندسي شركة القناة وافتتحها "الملك فؤاد" في عام 1926 كانت عبارة عن ضيعة أوروبية في مدينة مصرية بفيلاتها وأشجارها وتنسيق شوارعها وشواطئها الجميلة، وأنشأت هيئة قناة السويس أجمل الفيلات فيها والنوادي، وقام أهالي بورفؤاد، والرعايا الأجانب من اليونانيين والايطاليين ببناء فيلات مميزة جدًا في بداية عهد المدينة، ولكن أين بورفؤاد الآن؟ فهذه البقعة الغالية من أرض مصر تحولت إلى تشوهات عمرانية على أيدي مقاولون البناء والاستثمار العقاري الذين تعاونوا مع الفاسدين في المحليات وقاموا بالتحايل على القانون لهدم فيلات بورفؤاد التي يمنع قانون البناء رقم 144 لعام 2006 هدم مثل هذه المباني لكونها ذات طابع معماري مميز . فيما عقب أيضا الدكتور "محمود عبد الله"، لقد انتشرت الأكشاك بمدينة بورفؤاد عقب ثورة 25 يناير، حيث ازدادت بشكل ملحوظ بالشوارع الرئيسية لتصبح بدلًا من مدينة الزهور، أو المدينة الهادئة كما يطلق عليها لمدينة المليون كشك، حيث انتشرت بشكل عشوائي في جميع شوارع بورفؤاد و امتلأت الشارع بالأكشاك التي احتوت علي جميع مستلزمات البيت من مأكل و مشرب و حتى الملبس ولم يكتف أصحابه به بل يقومون بافتراش البضائع خارجه بشكل يعرقل حركة السير بالشوارع، واستغلها بعض تجار المخدرات لترويج بضائعهم، حيث استغل بعض الباعة الجائلين وقاموا بنصب أكشاك في أماكن غير المسموح بها كل هذا في ظل غياب تام من المسئولين رغم ألاف الشكاوي التي تصل إليهم .