السادة المستشارون الأجلاء رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المصري. تحية طيبة وبعد. كمواطن مصري اسمحوا لي أن أعرب عن شعوري بالانزعاج الباغ بعد صدور الحكم بإعدام أكثر من 500 إنسان في محاكمة دامت لجلستين استغرقت الأولى حسب ما نقلته لنا وسائل الإعلام حوالي 20 دقيقة بينما لم تطل الثانية لكثر من الوقت اللازم للنطق بالحكم، وحسب ما نقله الإعلام أيضا فإن السيد المستشار الجليل رئيس المحكمة أصدر حكمه في غيبة المتهمين ومحامييهم ودون فض أحراز القضية أو سماع شهود الإثبات والنفي ودون مواجهة المتهمين بالتهم المنسوبة إليهم أو السماح لهم بنفيها أو الاعتراف بها ودون سماع مرافعات المحاميين عنهم إلى آخر ذلك من الإجراءات المعتادة. وحيث أني مجرد مواطن عادي، لست قاضيا أو محاميا، ولا خبرة لي بالقانون. كما أنني لست شاهد عيان للمحاكمة وإجراءاتها فإنني لم أجد من ألجأ إليه سواكم لتوضيح ما يبدو لي ضبابيا وغير مفهوم. فقبل كل شيء آخر يبدو من المنطقي في ظل اللغط الذي أثاره الحكم وتخطى حدود الوطن إلى الخارج (خاصة أنه ربما يحقق رقما قياسيا في عدد المحكومين بالإعدام في قضية واحدة)، أن يصدر مجلسكم الموقر بيانا يوضح حقائق ما جرى في المحاكمة وبزيل اللبس عن كثير من وقائعها بما في ذلك الادعاء بأن الحكم صدر غيابيا. وبهذا الخصوص يهمني كمواطن مصري أن أستيقن من خلالكم مما يكرره كثيرون من أنه في حال صدور الأحكام غيابيا يحكم القضاة بأقصى عقوبة ممكنة دون النظر في تفاصيل القضية، ويبدو لي أنه إذا كانت هذه القاعدة عرفا متبعا أو قانونا لا نعرف به أنها تحتاج إلى توضيح ومراجعة لأنها تتنافى مع أبسط مقتضيات المنطق العقلي والعدالة. ولكن بغض النظر عن قاعدة الحكم بأقصى عقوبة غيابيا وسواء كانت حقيقة واقعة أم لا يبقى أنه لا سبيل لتطبيقها في الحالة التي نحن بصددها، فالمستشار الجليل الذي أصدر حكم الإعدام قد برأ 16 متهما غيابيا في نفس القضية. كما أن تصريحات مسؤولين مختلفين تفاوتت في تحديد ما إذا كان كل المتهمين محبوسين على ذمة القضية أو أن بعضهم قد أطلق سراحه، وبالتالي فالمؤكد أن بعض المتهمين كان يمكن بالفعل أن يحضروا الجلسة، وحسب معلوماتي المتواضعة، كان ينبغي أن يتم إلزام وزارة الداخلية بإحضارهم إلى مقر المحكمة، وإذا تعذر ذلك لأي سبب كان لابد من تأجيل الجلسة لا أن يتم إصدار الحكم في غيبتهم. وسواء حضر المتهمون أو غابوا يبقى المزعج حقا هو أن يصدر حكم عليهم (بالإدانة أو حتى البراءة) دون الإجراءات التي حسب فهمي يرتبها القانون كضمانات للعدالة يأمر الدستور باحترامها. ومع أني لست محاميا إلا أني كمهندس يتعامل مع الأرقام، أعرف يقينا أنه يستحيل عمليا تحت أي ظرف أن تكون كافة الإجراءات المطلوبة قد اتبعت في الوقت المتاح للمحاكمة. وبالتالي سواء كان ما تناقله الإعلام صحيحا أو غير دقيق فالبرهان المادي وحده قاطع في أن المتهمين لم تتح لهم محاكمة عادلة. السادة المستشارون الأجلاء، لا يغيب عنكم أنه لا استقرار لحكم دون عدالة، وأنه لا عدالة دون ضمانات حقيقية لسلامة السلطة القضائية واستقلالها. قد يقول البعض أننا نمر بظروف استثنائية، ولكني على يقين بأنكم لا تعيرون مش هذا القول التفاتا، وأنكم ترفضون حتما أن تتأثر أحكام القضاء بأي ظرف استثنائيا كان أم اعتياديا. وكمواطن تتعلق سلامته وحياته في هذا البلد بأن يسوده حكم القانون ويقيم العدل فيه قضاء مستقل أتوجه إليكم وحدكم آملا أن تضعوا حدا للعبث بهيبة القضاء ولتقويض ثقتنا في عدالته. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام