عندما ينبري البعض لتبرير الأحكام القاسية ضد أناس لم يثبت ضد بعضهم أكثر من المشاركة في تظاهرة سلمية احتفالا بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير (سلمية ما عدا في تعامل الشرطة معها بالطبع)، مستخدما الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد اليوم، فهو بذلك من حيث لا يدري يلصق بجهاز العدالة المصري بشقيه (النيابة والقضاء) تهمة التسييس. فالحالة الاستثنائية سواء اتفقنا أو اختلفنا حول مقتضياتها وكيفية معالجتها تبقى مبررا سياسيا ولا علاقة لها بالقانون ونصوصه أو بأوراق كل قضية وما اشتملت عليه من أدلة مادية ملموسة. ومادام لم يعد بإمكان أحد أن يقدم أي مبررات قانونية لقرارات النيابة أو أحكام القضاء فهذا اعتراف ضمني بأن القرارات والأحكام تستند فقط إلى مقتضيات الواقع السياسي كما يفهمها النظام الحاكم، ولا يصبح ثم مجال للجدل في كون جهاز العدالة نفسه هو فقط أحد أدوات هذا النظام لفرض الإجراءات التي يراها مناسبة لمواجهة معارضيه السياسيين وتحقيق مصالح دولته كما يراها وليس مصالح الدولة التي يتشارك في ملكيتها كل المصريين. عندما يستخدم ثقب أسود في قانون الإجراءات بشكل متعمد لإطالة أمد احتجاز علاء عبد الفتاح على ذمة قضية لا توجد أدلة حقيقية على تورطه فيها، بل لا يوجد أصلا ما يكفي لاعتبارها قضية في الأساس، ثم يتم إحالتها بعد أكثر من 100 يوم إلى دائرة من الدوائر المخصصة لنظر قضايا الإرهاب، بينما تنظر دائرة للجنح في قتل 38 سجينا في سيارة ترحيلات باعتبارها مجرد واقعة إهمال، ويكون المبرر الوحيد لأكثر أنصار النظام تعصبا هو أن محاربة الإرهاب تقتضي توسيع دائرة الشك والعقوبة بالشبهة بينما تقتضي الحفاظ على معنويات أفراد وضباط الأجهزة الأمنية، فإنهم من حيث يدرون أو لا يدرون يهدمون أي مصداقية للقضاء المصري ويدهسون القانون ونصوصه بينما يجردوننا جميعا من أي أمل تبقى لنا في أن نجد في مؤسسات هذه الدولة من يمكن اللجوء إليه طلبا للإنصاف أو رفع الظلم أو رد الحقوق. في المقابل تعجز مؤسسات هذه الدولة عن حماية مجندين في كمين ثابت في أطراف القاهرة وتعجز حتى عن معالجة الازدحام الخانق للمرور في أعقاب يوم مطير. فاذا بررنا العجز الأخير بانشغال أجهزة الدولة بمحاربة الإرهاب فما هو تبرير فشلها الفاضح في هذه الحرب التي لا نرى من مظاهر انغماس الدولة فيها إلا ضجة طبول الإعلام الجوفاء وحديثها اليومي البائس عن المؤامرات الخارجية المتورط فيها دول كبرى مازلنا نحتفظ معها بعلاقات حميمية حارة؟ المحصلة هي أنك تخضع لحكم دولة لا تهتم مؤسساتها إلا بحماية مصالحها بشكل عشوائي وظالم وتشغلك ليل نهار بفزاعات متناقضة، بينما تفشل لفرط العجز وقلة الحيلة عن مواجهة المخاطر الحقيقية أو معالجة أبسط المهام الاعتيادية. والمطلوب منك هو أن تتخلى عن أي أمل في استقلال مؤسسات العدالة وتتقبل أن تملي السياسة أحكامها، وأن تتخلى أيضا عن الأمل في أن يؤدي ذلك إلى التخلص من الخطر الحقيقي للإرهاب، وعليك أن تشارك بحماس في حفلات الصراخ بالتأييد والمبايعة لاستمرار كل شيء على ما هو عليه، بل لانتظار الأسوأ. عليك أن تنحي جانبا أي أمل في تحسن أوضاعك مقابل الصمت على ما يعانيه الآخرين من ظلم. ببساطة عليك أن تنافق من اختطفوا الدولة فقط في مقابل سلامة غير مضمونة ومستقبل يخبرونك مسبقا أن عليك أن تتقشف لتعبره في قلب احتفالية بموقع جديد يمارسون فيه الاستمتاع برفاهية لا يحلم أي منا بجزء منها! المحصلة هي أن المطلوب منك إنك "تعمل نفسك ميت"، في انتظار موت فعلي، في انفجار قنبلة أو حادث طريق أو جراء التسمم بملوثات الماء أو الهواء أو مهملا في سجن ألقيت فيه لأنك مررت صدفة حيث تمارس أجهزة الأمن هواية الاعتقال العشوائي وتصدق المحاكم على اختياراتها دون اعتبار للقانون. إعمل نفسك ميت، أو اطلب المستحيل.