لم تشهد الجامعات من وقفات تضامنية بشأن المطالب الفئوية بعد عام1984 مثلما كان الحال في العام الماضي بعدما بلغ السيل الزبي ولم يعد في قوس الصبر منزع كما يقولون. والواقع أنه بعد موقف الجامعات السياسي ومن خلال أنديتها إبان العهد الساداتي اتجهت النية إلي ضرورة التسييس وشق الصف و الإعنات في كسب العيش. ولقد تحمل الأساتذة كل ذلك إما بإيثار السلامة أو بالبحث الفردي عن حل كالإعارات وغيرها أو بالارتماء في أحضان السلطة وما أشوكها من أحضان. ولم تكن وقفة1984 في العهد المباركي سوي الرغبة في زيادة طفيفة تمت من الدولة علي استحياء أعقبها المزيد من التضييق الذي انتهي بقرار تعيين القيادات والتنكر لأجيال الرواد بقرارات التقسيم العمري بعد الستين بين المتفرغ وغير المتفرغ ولتمرح في ساحة هذه الفوضي شخوص يممت وجهها شطر الأمن واستلبت من الجامعة روحها بعدما انتكست كل مفردات المنظومة بفعل أبنائها للأسف. حتي أن أمن الجامعات بما له من أهمية أصبح مركز قوة خرجت به عن الجادة وعندما أريد له الرحيل دون التفكير في البديل كانت تلك السوءة سببا منطقيا له, ولتعاني الجامعة في كلتا الحالتين. بيد أن استمرارية بعض القيادات وتمسكها بذات المفردات الذهنية في العمل الاداري بعدما عوقت الجامعة ردحا من الزمان بلغ ذروة سنامه إبان( الفترة الهلالية) المتآكلة, قد جعلها متحكمة في مقدرات الأمور. حتي جاء وزيرنا علي أمل أن يكون لنا معه حظ جديد بعدما أقرت الدولة بقانون ما يعرف بزيادة بدل الجامعة كقرار توافقي يحقق الزيادة دون التزام الدولة بتحمل أهم مطلب وهو زيادة المرتب ذاته. واستكمالا للشكل وسيرا علي عادة تبرير الزيادات لفئة أهل العلم وكأنها منحة تقتضي التبرير خرج علينا وزيرنا بطلب ضرورة تعبئة استمارة مطولة ما أنزل الله بها من سلطان مع التأكيد التهديدي بوقف الصرف حال عدم الالتزام. الأمر الذي أثار حفيظة جموع العلميين علي اختلاف مشاربهم رافضين تصريحات سيادته التي بدت وكأنه يمثل فئة غير التي ينتمي إليها. ولأن الأمر الذي نعيشه كان يحتاج فيما يبدو للمزيد من الاحتقان!! فقد تفاوتت ردود الأفعال الغاضبة قبل الرافضة لتفضي إلي رفع قضية أمام عناد غير مبرر ولا منطقي مستخف بالعقول وبمقدرات أسر وبمبدأ لطالما انتهك وهو استقلال الجامعات. ولقد جاء حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة( دائرة28) برئاسة المستشار محمد خفاجي مفخرة لمحراب العدالة بذات قدر افتخارنا بالزملاء رافعي الدعوي, حيث لم تلتفت المحكمة لطلب التأجيل من قبل محامي الدولة لكونه يعد فيما نري مكسبا ضمنيا باستغلال عامل الوقت بما قد يؤسس وضعا قانونيا جديدا في صالح مطلب الوزير محل الاعتراض. وقد أكد الحكم المفخرة علي تعارض القرار الصادر من المجلس الأعلي للجامعات برئاسة وزير التعليم العالي مع قانون تنظيم الجامعات ومبدأ استقلالها فضلا عن صدور القرار معيبا بخلل جسيم وافتئاتا علي سلطة المشرع... ولا يعدو أن يكون مجرد فعل مادي معدوم الأثر قانونا. وغيرها كثير من الحيثيات التي تثير تساؤلات قد أجد لها إجابة يوما ما. منها أهمية وجود المستشارين القانونيين حول أي قيادة و دورهم في تناول مثل هذه المعضلات حتي لا تضع رأس المؤسسة علي مقصلة القانون والمساس بالهيبة الرسمية. ومن ذلك أيضا الإصرار علي المساس بحق طال انتظاره وإفساد الإحساس الإيجابي به بفرض حسن النية أو بغيرها حال الرغبة في بناء قاعدة بيانات كما يشاع. إذ يكفي في هذا الصدد مثالا أن نتساءل عن جدوي قيام كل عضو بطرح رؤيته الذاتية لتطوير قسمه في استمارته و إرسالها للمجلس الأعلي. أو معرفة طبيعة العبء التدريسي لكل عضو..!! إلخ... إلخ.. وهي داخلية تخص كل جامعة علي حدة ووفقا لظروفها. ومن ثم فبقدر سعادتي بموقف القضاء العادل بقدر حزني علي ما سببته هذه الاستمارات من انقسام وبلبلة في الأسرة الجامعية في وقت كنا أشد ما نكون فيه في حاجة للمقاربة والتسديد.. ولكن كتبت علينا موقعة الإستمارات وهي كره لنا.. أما العنصر الثاني الحديث ونعني به الطالب فلابد أن نعترف أن ثمة فجوة قد اتسع مداها بين الأستاذ وطلابه وصلت في ظل الظروف الحالية إلي مستوي لا يتفق وجلال الجامعة وأحدثت جفوة بين جميع أطراف المعادلة الجامعية. لا سيما وأن معظم مفردات الجفوة لا تزال قائمة منها مثالا لا حصرا مسألة التعيين في الوظائف الأكاديمية وقضية الكتاب الجامعي التائهة بين دروب الدعم والوجه الحقيقي للجامعة وكذا نسب الحضور وتفعيلها الرسمي وأسلوب التقييم الدوري والتصحيح وآلياته في ضوء الأعداد الكبيرة والوقت القصير بين الامتحان و إعلان النتائج. فضلا عن عدم إدراك آليات الكشف عن الدرجات ومراجعتها و الخلط بينها وبين الرغبة في إعادة تصحيح الأوراق التي لا تتم إلا بحكم محكمة. وفي ظل كل هذه المشكلات وغيرها كثيرا وكذا عدم تأمين الحياة الجامعية برمتها فقد بات الحرم الجامعي عرضا مستباحا أمام جميع الأطراف المتصارعة في المشهد لتعلو مفردات التجاوز علي مفهوم الحوار. وإذا كانت الحركة الطلابية تاريخيا قد مثلت إحدي روافد الحركة الوطنية منذ عرفت مصر نشأة الجامعات فإن بعض العذر يلتمس للطلاب حاليا في أساليب التعبير التي ترجع لضعف التنشئة السياسية, حيث العذر الذي أعنيه ليس فيما يقومون به من أفعال بل في المقارنة مع سلوك بعض كبار الشخصيات في المجتمع التي أثبتت بعدها عن النضج السياسي رغم النضج السني. ورغم كون الاحتجاج والاعتصام قد باتا جزءا رئيسيا من مفردات ثقافة التعبئة إلا أن عدم إحكام اللفظ والرغبة المحمومة في إثبات الذات بل والتعديات التي تدخل صاحبها تحت طائلة القانون, قد أفرغت الحق السياسي من محتواه الفعلي ليصبح عبئا علي المؤسسات الجامعية والبحثية. يشهد علي ذلك كم المناشدات التي تعلنها هذه المؤسسات في بياناتها و آخرها مجلس جامعة الأزهر والمؤكدة علي ضرورة التزام الطلاب بآداب الحوار, دون أن تطرح آليات واضحة للحوار بعيدا عن الأماني المرسلة الذاهبة أدراج الرياح. وهذه الآليات نراها تنتظم في وضوح المطالب ومعقوليتها ثم مناقشتها مع المعنيين بالأمر من ممثلي كل طرف وتبصير من لا يعرف بالضوابط اللائحية والقانونية للنظر في تلك المطالب ثم مدي إمكانية تحقيقها والمدي الزمني المتاح لذلك. وهي جميعها تعلي من صوت العقل وليس ما دونه مما أصبح سمة لمعظم الاحتجاجات والتي قد يضار منها الطلاب ومصالحهم قبل غيرهم ودون أن يدروا. ورغم كون الرومانسية السياسية لم تعد تفيد ومن ثم فلست بحاجة إلي ترديد مسألة الأبوة أو كون الأساتذة هم من لايزال معظمهم يعمل في صمت العالم المستبصر وأن المساس بالمؤسسة الأكاديمية من قبل أبنائها هو حالة من العقوق المجتمعي لأناس تحملوا دون تبرم كل نتائج مجانية التعليم وتواكبوا ولا يزالون مع المتغيرات المجتمعية حرصا علي رسالة هم بالغوها بإذنه تعالي. أما الطلاب الذين يرون في أنفسهم القدرة علي تفعيل الحياة السياسية داخل الجامعة فلابد من كلمة سواء لهم وهي أن التمرس السياسي وتأسيس كوادره يكون داخل الكيانات الخاصة به ليتم بعده التطبيق العملي في المجتمع ومن بينه الجامعة, أما أن يسبق التطبيق العملي مرحلة الإعداد والتدريب فإن التوابع سوف تأتي علي الأخضر واليابس مستهدفة مستقبل الوطن ويا له من استهداف. انني أطالب وبحكم موقعي الجامعي بسرعة إصدار قانون الجامعات المصرية الجديد ليكون معبرا بحق عن طموحات المجتمع حيال الجامعة وعن الأهداف المستقبلية للطالب الجامعي في ظل منظومة إدارية ميسرة ترفع عن الجميع كاهل التعقيد و الترهل واللامبالاة بمردودها الصدامي المستدام. كما أطالب بدور نقابي أكثر فاعلية لأندية أعضاء هيئة التدريس لكونها مسئولة عن ثروة قومية لا تقدر بثمن وهي الأستاذ, عقل الأمة المتقدمة وضميرها العلمي الحي والشاهد المجتمعي الشاخص للتضحية والعطاء ورفعة الأداء دون انتظار لكلمة شكر أو لسمة وفاء. (إشراقات السعدي5) من أسوأ الأمور علي الشعوب المرتبطة بالحاكم ارتباطا أبويا أن تنظر إليه نظرة زوج الأم وليس الأب الحقيقي. رابط دائم :