بعد التعريفة الجديدة.. 5 إجراءات رقابية على السائقين في المحافظات    رئيس حكومة لبنان يطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار: مستعدون لنشر الجيش بالجنوب    «الأممي للسكان»: الأطفال النازحين في لبنان لا يعيشون داخل أماكن مؤهلة    مشاهدة بث مباشر الأهلي والزمالك دون تقطيع في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة اليد    تشكيل مباراة الشباب والنصر في دوري روشن السعودي    كورتوا على رادار الدوري السعودي    منتخب مصر بزيه الأساسي أمام غانا في افتتاح كأس الأمم الأفريقية للكرة الشاطئية    «الداخلية» تُنظم فعاليات البطولة الدولية لقفز الموانع بوادي الفروسية    حالة الطقس غدا السبت في القاهرة والمحافظات.. شبورة مائية    معرض الجونة للأفلام القصيرة يعود في عامه الثاني تحت مظلة «سوق سيني جونة»    عمرو دياب ينعى أحمد علي موسى شاعر أغنية «تملي معاك»: خالص عزائي    الصحة العالمية: إصابة 62 شخصاً منهم 15 حالة وفاة بفيروس ماربورج في رواندا    علي صبحي ينضم لأبطال الجزء الثاني من "أشغال شقة"    ماذا نصنع إذا عميت أبصاركم؟.. خطيب الجامع الأزهر: تحريم الخمر ثابت في القرآن والسنة    4 مصابين في حادث تصادم في بني سويف    حملة "100 يوم صحة".. أكثر من 124 مليون خدمة مجانية خلال 78 يوما    وكيل «صحة الغربية » يجتمع بمديري المستشفيات العامة والمركزية والنوعية لمناقشة خطط العمل    الأحد.. "النواب" يناقش قانون المجلس الوطني للتعليم ووزير الزراعة يلقي بيانًا    زعيما الصين والهند يحضران قمة البريكس وسط توتر متزايد على الحدود    وزير السياحة والآثار ينعي الوزير الأسبق يحيي راشد    ضبط 8 تشكيلات عصابية و239 قطعة سلاح وتنفيذ 86 ألف حكم خلال يوم    رواج سياحي واقتصادي.. مولد إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ يجتذب مئات المصريين والعرب (صور)    «سيدات يد الأهلي» يلتقي مع بيترو أتلتيكو الأنجولي في نصف نهائي بطولة إفريقيا    الأمين العام لحلف الناتو يعلن أن الناتو سيعزز تواجده على الحدود الروسية    مهرجان نقابة المهن التمثيلية.. «سقوط حر» تجمع إلهام شاهين ومحمد رياض حتى الفجر    «بحبك يا زعيم وعملت اللي عليك».. إلهام شاهين توجه رسالة لعادل إمام    وزير الكهرباء: تحرير 383 ألف محضر سرقة تيار ب 1.2 مليار جنيه خلال سبتمبر    عالم أزهري: الإسلام تصدى لظاهرة التنمر في الكتاب والسنة    من خلاف على الأجرة إلى سرقة هاتف.. تفاصيل حادثة غريبة في قصر النيل    سيدة وزوجها يقودان عصابة تزوير حكومية.. من شقة في بدر إلى النصب عبر مواقع التواصل"    كيف يساعدك تناول البرتقال يوميًا على فقدان دهون البطن؟    إسرائيل تهاجم الأمين العام للأمم المتحدة: لم يرحب باغتيال السنوار    10 لاعبين يسجلون غيابا عن الزمالك في السوبر المصري.. هل تؤثر على النتائج وفرص الفوز بالكأس؟    دعاء الشهداء.. «اللهم ارحمهم وجميع المسلمين واجعل الجنة دارهم»    إزالة 23 حالة تعد على الأراضي الزراعية بالشرقية    البث الإسرائيلى: نتنياهو أجرى مشاورات حول إنجاز صفقة تبادل بعد اغتيال السنوار    علاوات وإجازات.. أبرز مزايا قانون العمل الجديد    غير صحيحة شرعًا.. الإفتاء تحذر من مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"    الاحتلال الإسرائيلي يشدد من إجراءاته القمعية بالبلدة القديمة ومداخل الخليل بالضفة الغربية    اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا فى لبنان    وزارة الثقافة تطلق فعاليات مهرجان أسوان احتفالا بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    نقيب التمريض تتفقد مستشفى غمرة العسكري وتشيد بكفاءة الأطقم الطبية    موعد ومكان جنازة الشاعر أحمد على موسى    تخريج 3 دورات تدريبية للكوادر الأمنية الإفريقية ودول الكومنولث بأكاديمية الشرطة.. صور    جامعة المنيا تنظم قافله طبية بقرية بلهاسا ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة "    تطورات الأوضاع في غزة ولبنان والسودان تتصدر نشاط الرئيس السيسي الأسبوعي    قافلة دعوية مشتركة بمساجد رفح والشيخ زويد    ضبط مرتكبى واقعة اختطاف طفل ومساومة والده لإعادته مقابل مبلغ مالي بالإسماعيلية    وزيرة البيئة تبحث مع نظيرها الأوزباكستاني آليات تعزيز التعاون بين البلدين    أسعار الحديد اليوم الجمعة 18-10-2024 في الأسواق    مصلحة الضرائب: حد أقصى لغرامات التأخير لا يتجاوز 100% من أصل الضريبة    التموين: حملات رقابية لمتابعة التزام محطات الوقود بالأسعار الجديدة    وكيل تموين الشرقية يترأس حملات على محطات الوقود    في أعقاب تهديدات حزب الله.. هل حيفا على وشك أن تواجه مصير كريات شمونة؟    وزير الصحة والسكان يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    سعر الريال القطرى فى مصر اليوم الجمعة 18-10-2024    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 18- 10- 2024 والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تامر موافي: "الدكر" والمصطلحات الغليظة في واقع غليظ
نشر في البديل يوم 13 - 01 - 2014

ما مدلول الاستخدام المتزايد لكلمة "دكر" في الإعلام المصري؟
كان هذا سؤالا طرحه صديق افتراضي من خلال موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". تصادف أن السؤال أو ما يعبر عنه كان يشغلني منذ شهور وبالتالي كان لدي إجابة ما، وحيث أن الرسائل المتبادلة من خلال "تويتر" مقيدة بطول معين وأنني احتجت للجمع في رسالة واحدة بين سؤال الصديق وإجابتي عليه فقد كان علي أن أختصر إجابتي إلى أقصى حد ممكن مع الحفاظ على دقتها في التعبير عما أريد قوله. وما كتبته كان أن "صعود الفاشية يؤدي لطفح الخطاب الذكوري بصبغة شعبوية". لم يكن غريبا أن إجابتي استوقفت صديقا افتراضيا آخر فتساءل إن كان لا يمكنني كتابة جملة دون استخدام ثلاث مصطلحات غليظة. المقصود طبعا هو مصطلحات "فاشية"، "ذكوري"، و"شعبوية". ولا أنكر طبعا أنني لم أكن سعيدا بالاضطرار إلى جمع هذه المصطلحات في جملة واحدة، ليس لأني أراها "غليظة" كما رآها هذا الصديق ولكن لأن الدقة التي نتوهمها في المصطلحات، أي مصطلحات، هي عادة كاذبة، ولكننا مع ذلك لا يمكننا تجنب استخدامها خاصة عندما نحتاج إلى الاختصار.
المشكلة في المصطلحات أن كل منها يدعي اقتناص المفهوم الكامل لظاهرة ما بحيث يكون مجرد ذكره كافيا لأن يصل هذا المفهوم دون نقص أو تحريف إلى المتلقي. في الحقيقة هذا هو الوعد المتضمن في كلمة "مصطلح" في حد ذاتها، فهي تعني ما اصطلح الناس عليه، وما دام الناس قد اصطلحوا على شيء لم يعد ثمة حاجة إلى إعادة شرحه في كل مرة يراد فيها الإشارة إليه. ولكن هذا إذا ما كان صحيحا في الرياضيات أو العلوم الطبيعية كالفيزياء أو الكيمياء مثلا فهو أبعد ما يكون عن الصحة عندما نشير إلى ظواهر اجتماعية. فلا يوجد مصطلح خاص بتلك الظواهر ليس محل جدل أو خلاف. والأهم هو أن الظواهر الاجتماعية لا تكرر نفسها من مكان إلى آخر أو من زمن إلى آخر. الفاشية نفسها نموذج واضح لذلك. فحتى تلك الأنظمة المتزامنة التي يكاد يكون ثمة إجماع كامل على وصفها بالفاشية وهي أنظمة "موسوليني" في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، و"فرانكو" في إسبانيا، لا يمكن القول مطلقا أنها كانت متطابقة. وهذا يستدعي السؤال "مع فرض أننا مضطرون لاستخدام مصطلح الفاشية ، فكيف يمكن أن تبدو الفاشية في مكان خارج أي من هذه الدول الثلاث بل خارج القارة الأوروبية كلها، في بداية القرن الحادي والعشرين أي بعد أكثر من سبعين عاما منذ صعدت هذه الأنظمة إلى الحكم في بلدانها واحدا بعد الآخر؟"
الإجابة أنها بالتأكيد ستبدو في تفاصيلها مختلفة تماما عما كانت عليه في القرن الماضي، ولكن شيئا ما لابد أن يكون جوهريا ينبغي أن يبقى وإلا أصبح استخدام المصطلح عبثيا. وفي اعتقادي أن الجوهري في أي نظام فاشي هو أنه يقوم على بناء عدو داخلي. فالفاشية تقوم على افتراض عظمة الأمة وتفوقها الطبيعي. ولأن هذا متناقض دائما مع الواقع الذي تصعد فيه الفاشية في أي مجتمع، فهي تصعد عادة في أوقات أزمة تبدو فيه الأمة في أضعف حالاتها، فإن التفسير الذي تقدمه الفاشية هو أن الأمة لم تنل نصيبها العادل من العظمة والتفوق الذين تستحقهما نتيجة مؤامرات أعدائها في الخارج التي تعتمد على خيانة وعمالة عدو داخلي. ومرة أخرى لأن فكرة الخيانة والعمالة تتناقض مع عظمة الأمة المنزهة فلابد من تفسيرهما بأن الخونة والعملاء يمثلون كل ما هو دخيل على طبيعة الأمة، فهم إما عنصر دخيل (اليهود في ألمانيا النازية) أو حملة أفكار دخيلة (الشيوعيون في إيطاليا وإسبانيا). وإلى جانب الفئة الدخيلة الرئيسية فإن كل هؤلاء الذين يمثلون انحرافا عن النقاء والقوة يعدون خطرا يهدد سعي الأمة لأن تنال ما تستحقه من عظمة وتفوق، فهم مرض يستنزف قوى الأمة ويثبط عزيمتها.
مع صعود الفاشية يتزايد خطاب تمجيد القيم التي يرى فيها خيال المجتمع مكامن قوته ونقائه، وبينما يتم نفي هذه القيم عن العدو الداخلي وهو ما يعني إقصائه عن الانتماء إلى الأمة، يجري إسباغها في أكمل صورها على الزعيم القائد الرمز الذي يستحق مكانته لأن فيه تتجلى كافة القيم الأصيلة للأمة والتي تؤهله لأن يقودها في نهضتها وصعودها. وهنا يمكننا أن نتبين لماذا يمكن أن يرتبط خطاب ذكوري بصعود الفاشية. فالذكورية لا تتلخص كما يظن كثيرون في التمييز ضد المرأة وحرمانها من حقوقها ومساواتها بالرجل. في الواقع هذه بعض مظاهر ونتائج الذكورية. أما الذكورية ذاتها فهي تمجيد "الدكر" بوصفه يمثل الإيجابية والفعل، في حين تمثل الأنثى السلبية والتلقي الممتثل للفعل. "الدكر" هو المبادر والفاعل أما الأنثى فهي المترددة والمفعول بها. "الدكر" يقتحم أما الأنثى فتُقتحم. يمكننا أن نمضي إلى ما لا نهاية في تعداد مثل هذه الثنائيات ولكننا لا ينبغي أن نتصور أن الطرف الثاني في كل منها هو فقط الأنثى، وإنما هو كل من تمثله الأنثى بوصفها فقط "ما ليس ذكرا"، لذلك ليس غريبا أن نجد عنوانا لأحد الموضوعات على صفحة موقع إخباري يستخدم اللفظ الدارج بمعنى "مثليّ" للإشارة إلى منتمين للعدو الدخيل. ويشبه ذلك أن تكتب إحداهن مقالا تتندر فيه بأن مجموعة من قيادات الجماعة الدخيلة قيل أنهم قد تعرضوا للاعتداء الجنسي في محبسهم، وبينما تتجاهل السيدة الفاضلة فكرة أن هذا إن حدث فعلا فهو انتهاك لا يمكن قبوله، تهتم فحسب ليس فقط بأن الإعلان عن الاعتداء دليل على نقص ذكورة هؤلاء، بل إن مجرد وقوع الاعتداء دليل على هذا النقص!
يمكننا أيضا فهم ارتباط الشعبوية بالفاشية وخطابها الذكوري. وليس كما يظن كثيرون بأنها أداة تستخدمها النظم الفاشية لاجتذاب أوسع قطاع ممكن من المواطنين، بل بوصف الشعبوية طابع أصيل لأي فاشية. فالشعبي يمثل ما هو نقي في الأمة. ذلك الذي لم يعكر نقاءه الأصيل أي طبع أو سلوك أو فكر أجنبي دخيل. الشعبي قوي، صريح، وواضح، أما الدخيل فمائع، مراوغ، وضبابي. على أبواق كل فاشية صاعدة أن يظهروا انتماءهم لما هو نقي في الأمة بأن يكونوا شعبيين. ينبغي أن يكون خطابهم قويا، صريحا، وواضحا، وشعبيا يستخدم اللغة الدارجة ويحتفي بها في مقابل اللغة المتحذلقة المتعالية للدخلاء.
لا أدري إن كنت قد نجحت فيما يقرب من 900 كلمة في توضيح ذلك المعنى الذي حاولت اختزاله في أقل كثيرا من 140 حرفا عندما أجبت سؤال صديقي الافتراضي الأول. ولا أدري إن كان صديقي الافتراضي الثاني سيغير اعتقاده بأن ما استخدمته من مصطلحات "غليظ." ما أعتقد فيه على أي حال هو أن واقعنا يتخطى في غلظته أي مصطلحات تحاول وصفه، وربما علينا أن نغير هذا الواقع الغليظ بدلا من الشكوى من غلظة المصطلحات الدالة عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.