في صفحتها التي تحمل عنوان «غناء القلم» بمجلتنا الغراء «روزاليوسف» تكتب الصديقة العزيزة د. «مني حلمي» دائما مقالات حادة كان آخرها بعنوان «بيت الست وسيلة... للشعراء الرجال فقط».. هاجمت فيه كعادتها في أغلب الأحيان - بل في كل الأحيان - الرجل والمجتمع الذكوري هجوما ضاربا ووصفته بأنه مجتمع متدن.. متخلف.. سلفي.. متجمد.. عنصري... متليف.. متيبس لماذا هذه المرة ؟!.. لأنه في يوم الأحد «30» مايو «2010» كان الاجتماع الأول ل.. «بيت الشعر العربي» الذي يتبع صندوق التنمية الثقافية ورئيس مجلس أمنائه الشاعر الكبير «أحمد عبد المعطي حجازي» وأعضاؤه كلهم رجال ما عدا امرأة واحدة هي د. «كاميليا صبحي» وهي ناقدة وليست شاعرة. ئ؟ تستنكر د. «مني» أن يكون بيت الشعر العربي - ومقره بيتا أثريا لامرأة هي «الست وسيلة» - كله من الرجال شعراء ذكور تتكرر أسماؤهم ليل نهار في كل مناسبة شعرية وكل مؤتمر شعري وكل مناقشة شعرية وكل برنامج شعري في الإذاعة والتليفزيونات الأرضية والفضائيات وكل لجنة وندوة شعرية وكل ترشيح شعري لجوائز أو ملتقي شعري في الخارج وفي الداخل.. وتهتف في غضب جامح :... هو مفيش شاعرات نساء في البلد ؟.. وقادرات علي تحمل مسئولية الانضمام إلي عضوية بيت الشعر العربي.. وتؤكد في سخط بالغ أن «بيت الشعر العربي» هذا.. هو أحدث الأنشطة في مجتمعنا المتخلف الذي يجسد التضخم الذكوري والتمييز ضد النساء وعدم الاعتراف بالجنس الأنثوي من البشرية.. وتثبيت الموروثات الذكورية المتخلفة العفنة والتي جعلت حالنا كما هو الآن.. ذكرتني دوافع ذلك الغضب عند د.«مني» بموقف مشابه كانت بطلته الأديبة الكبيرة «مي زيادة» التي كتبت خطابا مفتوحا إلي «لطفي بك السيد» نشرته في «جريدة المحروسة» «1914» تعاتبه فيه علي إغفاله دعوة سيدات النخبة المثقفات إلي حفل تأبين «فتحي باشا زغلول» مؤكدة: «غريب أن تبخلوا علي المرأة بحضور اجتماع يرفع نفسها إلي أسمي درجات التأثر المفيد ويلفت عقلها إلي هيبة العلم وعظمة الفضل ، ويعلمها إجلال الوطن ورجال الوطن.. إذ قلتم إن «فتحي باشا» كان عالما مفكرا.. وأن العلم والتفكير من خصائص الرجال.. أجيب أن العالم الحقيقي والمفكر المخلص هو ذلك الذي يكتب للرجال والنساء علي السواء.. ولاشك أن «فتحي باشا» هو ذلك الرجل.. إذ لا أنا رأيت ولا أحد رأي علي غلاف كتبه كلمة «محظورة علي النساء» أو «حقوق المطالعة محفوظة للرجال»... لو حضر النساء هذا الاجتماع لأخذن منه أمثولة جيدة.. وحفظن منه في نفوسهن أثرا جليلا»... وما أن تنشر «مي» الخطاب حتي يتصل بها «لطفي السيد» فورا.... ويشكرها علي عتابها... ويعتذر بالنيابة عن لجنة الاحتفال لغفلتهم ، وتقصيرهم.. ويعدها بنشر تعقيب علي لسانه يؤكد ذلك الاعتذار.. لكن القارئ سوف يلمح أنه رغم تشابه الموقفين - موقف «مني حلمي» وموقف «مي زيادة» - إلا أن أسلوب المعالجة مختلف.. فمني تطلق قذائفها النارية سابة لاعنة في استياء وحدة وهجاء.. وتكيل الاتهامات.. وتسخر من العنجهية الفارغة والاستعلاء الأجوف للرجل في المجتمع الذكوري وتشكك في قدراتهم وكفاءتهم حيث تؤكد : «إذا كان من يطلق عليهم «النخبة الثقافية» في البلد لهم التوجه الذكوري.. وينتهكون مبدأ العدالة بين الجنسين في الثقافة ، وفي الشعر فليس من العدل أن نلوم «غير النخبة»... هذا بينما «مي» تعتب في رقة.. وترجو في لطف وتلفت النظر إلي نقيصة في نعومة.. وتخاطب «لطفي السيد» - حين هاتفها - بإجلال وإكبار وعلي استحياء دون تجاوز ، بل إنها تبرر نشر عتابها مرددة له : أما بالنسبة للنشر فالمعلم الذي علمنا الديمقراطية المفروض أن يكون قدوة لنا في تقبل نشر عتابي.. وتذكره برفق أن مقصورات النساء محفوظة في دار الأوبرا لمشاهدة حفلات التمثيل والغناء أي أن المجتمع سمح للمرأة بالتواجد والمشاركة. فما السبب إذن ياتري في اختلاف الأسلوب ورد الفعل بين «مي زيادة».. و«مني حلمي»؟! السبب واضح جلي لا يخفي علي أحد وإن كانت «مني حلمي» تنكره في مقالها وفي المقالات السابقة وفي المقالات اللاحقة.. في أيام «مي» كن مازلن في عصر سيادة الرجل بحق وكان إقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة حلما تطلبه المرأة من الرجل ولا تفرضه في معركة تسيل فيها الدماء وتسفر عن طغيانها وتقزيمه.. فرض سطوتها واستبعاده بعنف وكراهية ليصبح مجرد شيء يدعو للسخرية والرثاء. لقد أسفرت مجهودات مجالس المرأة والجمعيات النسائية النشطة والفعالة إلي إرساء فاعليات قهر الرجل ونفيه وطرد القبيلة الذكورية من المجتمع المعاصر وتحويلهم إلي كائنات خرافية كالغول أو العنقاء أو أجناس منقرضة كالهنود الحمر.. وقد سبق أن كتبت مسلسل «يا رجال العالم اتحدوا» في أعقاب تطبيق قانون «الخلع» وتفجرت تداعياته المؤلمة.. وأهمها انتشار منكوبي الخلع من الأزواج الذين تكدست بهم مستشفيات الأمراض العقلية والعصبية وعيادات الأطباء النفسيين.. وازدياد أولاد الخلع في شوارع المحروسة.. ويقوم المسلسل علي فكرة إنشاء جمعية افتراضية للرجال هي «جمعية المقهورين في الأرض» للمطالبة برفع المعاناة عن كاهل الرجال المضطهدين من ضحايا قوانين الأحوال الشخصية الجديدة.. وتحرير الرجل من عبودية المرأة أسوة بتحرير المرأة سابقاً.. والسعي لإنشاء «مجلس قومي للرجل» ك«المجلس القومي للمرأة».. وعيد للأب أسوة بعيد الأم.. والمطالبة بضمانات لحقوق الرجل «ست البيت» منها أن تدفع له الزوجة العاملة مصروفاً شهرياً ومقابلاً مادياً لحضانة الأطفال وهكذا. المهم أن «حسين فهمي» بطل المسلسل قرر وقتها الاحتفال بمناسبة حصول المسلسل علي الجائزة الذهبية في مهرجان التليفزيون.. وطلب مني التفكير في شكل جديد وساخر للاحتفال يتفق وطبيعة المسلسل الكوميدي واتفقنا في النهاية أن نوزع علي الضيوف فور قدومهم بطاقات تحمل عنوان طلب عضوية «جمعية المقهورين في الأرض» وتحتوي البطاقة علي مجموعة من الأسئلة الساخرة المطلوب الإجابة عنها.. ولم نكن نقصد من ذلك أكثر من المداعبة وإشاعة جو من المرح والحبور الذي نفتقده في واقعنا المتجهم.. فإذا بنا نجد أنفسنا أمام مفاجأة غريبة.. لقد انهمك الرجال من المدعوين في الإجابة عن الأسئلة بجدية وحماسة وحمية منقطعة النظير.. وكأن الجمعية حقيقية، وكأن شروط عضويتها الهزلية أمر واقع.. لا عبث فيه ولا هزل.. ومن أمثلة تلك الأسئلة: ضع علامة «صح» أمام الإجابة الصحيحة: 1- لماذا تخشي الجدل مع زوجتك؟ - لأن الجدل مع المرأة مثل قراءة الجريدة في الشارع في يوم عاصف في ليلة حالكة السواد؟ - لأن عنبر الكسور في قصر العيني ليس به أماكن خالية؟ المهم أنه فور عرض المسلسل فكر طبيب نفسي أن ينشئ جمعية للمستضعفين أسوة بجمعية «المقهورين في الأرض».. وبدأت تنتشر جمعيات لحماية حقوق الرجال من الضرب والإهانة والتحرش.. مثل «جمعية الحرية للرجل».. و«جمعية أصدقاء الرجل».. و«جمعية سي السيد» التي ذكرت في بيانها التأسيسي أن صورة المجتمع السليم والنموذجي هي في الرجوع إلي العمل بمبدأ «الرجال قوامون علي النساء».. ذلك لأن المجتمع الآن يتم تأنيثه والرجل دوره هامشي.. مجرد برواز أو ديكور.. أو حسب التعبير الشعبي الدارج «بركة في البيت».. والمرأة هي التي تقود الأسرة وتتحكم في أفرادها.. وتتعمد إذلال الرجل انتقاماً من عصور سيطرته الماضية عليها، فإحصائية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تؤكد أن 38% من الرجال تضربهم زوجاتهم.. كما أن رئيسة إحدي الجمعيات النسائية طالبت بإصدار قانون يفرض علي الرجل أن يقوم بتنظيف المراحيض العامة إذا ما أخفق في القيام بواجبه في المعاشرة الزوجية خير قيام «سواء باستخدام الفياجرا أو بدونها». لو كنت مكان «مني حلمي» لانضممت فوراً إلي إحدي تلك الجمعيات لمؤازرة عزيز قوم ذل ولإثبات أنهن مازلن «رياحين خلقن لنا» لديهم بقية من رحمة وعطف وإشفاق ومواساة. لو كنت مكان «مني حلمي» لذهبت إلي أعضاء جمعية «سي السيد» وجالستهم بمقهي «الفضفضة» الذي خصصه صاحبه لأعضاء الجمعية من أجل أن ينخرطوا في بكاء جماعي منهمر متصل بمساعدة قرون من الفلفل الأحمر الحامي موضوعة علي كل مائدة إلي جوار علبة مناديل ورقية وأمامهم شاشة تعرض علي الدوام فيلم «بين القصرين»، ومعهم نسخ من رواية «نجيب محفوظ» الخالدة. فياعزيزتي «مني حلمي».. رحماك.. ثم رحماك.. ورفقاً بالقوارير.. أقصد رفقاً بالرجال.