فى ظل الحملة الإعلانية غير المسبوقة قبل بدء الموعد المحدد للاستفتاء على الدستور، والتى تدعو المواطنين للتصويت ب "نعم" على التعديلات الدستورية التى أجرتها لجنة الخمسين، وعلى الرغم من تأييد أغلب الأحزاب المدنية الموجودة على الساحة السياسية للدستور ووصفه بأنه دستور الحريات، إلا أنه كان هناك رأى آخر وصوت طفيف يدعى بضرورة التصويت ب "لا"، بدأ يظهر مؤخرًا وسط معمعة "نعم". جاء هذا بعد إعلان "جبهة طريق الثورة وحزب مصر القوية" للتصويت ب "لا" فى الاستفتاء، ومع بدء الحملة الفعلية التى تدعو المواطنين للتوصيت ب "لا"، قوبلت هذه الحملة بقمع أمنى وتهم جديدة: تعطيل خارطة الطريق، قلب نظام الحكم، تعطيل الاستفتاء. فعل سبيل المثال تم القبض على ثلاثة نشطاء من حزب مصر القوية أثناء حملة ليلية لهم للصق بوسترات فى أحد الأحياء تحمل شعار "لا للدستور"، وتم تحويلهم إلى قسم قصر النيل مباشرة وتوجيه مجموعة تهم، منها "تعطيل خارطة الطريق وتعطيل الدستور ومحاولة قلب نظام الحكم". وما يثير الدهشة والعجب هو استحداث بعض التهم التي لم تكن موجودة من قبل، مثل "تعطيل خاطرة الطريق والاستفتاء". وفى هذا السياق يقول الدكتور "رأفت فودة" أستاذ القانون العام بحقوق القاهرة، إنه "بالنسبة لتهمة قلب نظام الحكم التى تنسب فى المحاضر أو فى تحقيقات النيابة فهى قانونية مائة في المائة؛ لأن هناك نظام حكم حتى لو كان مؤقتًا، فالدولة لا تعيش دون وجود نظام حكم أيًّا كان مؤقتًا أو دائمًا، وبذلك فهى تهمة قانوينة من حق وكيل النيابة نسبها إلى المقبوض عليه إذا رأى ذلك، ولكن الفصل فيها يعود للمحكمة". وأضاف "أما بالنسبة للتهمتين: تعطيل خارطة الطريق، وتعطيل الاستفتاء، فعلى النيابة أن تقول ما تشاء وتكيف الاتهامات كيفما تشاء، ولكن عند وصول القضية للمحكمة بعد تحديد أولى الجلسات، تعيد المحكمة تكيف التهمة قانونيًّا"، مؤكدًا أنه لا يوجد تهم تسمى تعطيل خارطة طريق ولا الاستفتاء، مشددًات أنه "إذا حكمت المحكمة على أن هذه تهم يعد الحكم باطلاً، ولكن أود أن أؤكد على أن الشعب لا بد أن يطمئن ولا يخشى الجهات دون القضائية طالما هناك قضاء عادل، هكذا تكون دولة القانون". وأكد عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن تكرار ما قامت به قوات الأمن بإلقاء القبض على نشطاء لحمل ملصقات بها شعار "لا للدستور" أو أثناء حملة لهم فى الأحياء يعد تجاوزًا أمنيًّا لا يصح أن يكون موجودًا ونحن على مشارف دولة جديدة تطبق القانون، فدولة القانون تحترم المواطن وآراءه، لا تقمعه وتقبض عليه لرأيه أيًّا كان، مؤكدًا أنه يسعى للإفراج عن أى محتجز رأى تقوم قوات الأمن بالقبض عليه. وأكد مصطفى شوقى عضو مؤسس بجبهة ثوار وأحد المسئولين عن ملف المعتقلين بالجبهة أن "الدولة تقود حملة مستعرة لتمرير وثيقة الدستور، ليس فقط لأن مواده تخدم مصالح السلطة وأنصار ومؤسسات دولة مبارك التي تلهث من أجل تمريره وبنسبة عالية، وإنما لأنهم يرون في تمريره تمريرًا لخارطة طريق عودة دولة مبارك بكامل أركانها ومؤسساتها ورموزها". مؤكداً أن اعتقال وتشويه وقمع من يقول لا هو منهج السلطة في إحكام قبضتها، وأن تمرير الدستور ليس فقط بأغلبية تصويتية، ولكن بتصدير روح استبداد وتسلط على رقاب الناس، وإعادة إنتاج مشاعر يأس من قدرتهم على تغيير أي من قواعد اللعبة. وأضاف "لكن للأسف غباؤهم المعتاد جعل من هذا السلوك منصة لإطلاق الرصاص والسهام عليهم (على حد قوله)؛ لأنه دفع كثيرًا من مؤيدي السلطة لانتقاد أدائها الذى يضرب نزاهة عملية الاستفتاء في مقتل، وفضح كذب ادعاءات نزاهة العملية التصويتية".