يصف الجنايني كتابه ” حين هربت عاريات مودلياني ” والصادر عن دار إيزيس للثقافة والإبداع 2009 بأنه ” رواية ذاتية ” , حيث يمتزج الخاص بالعام ويظهر عشق الوطن جليا خلال رحلة الفن والألوان . يبدأ الفنان رحلته مع القارئ بوصف اللحظة التي مسه فيها الفن بلمسته الساحرة : ” كان جالسا القرفصاء يشاهد التلفاز الأبيض والأسود , تسمرت عيناه على رجل يصرخ ويرقص ويغني ويبكي باللون والفرشاة , يرسم وجه حبيبته كأنه يقبل عينيها التي كانت بلا حدقات , كان يرسمها حين يمر بالفرشاة عليها وحين يبتعد قليلا كي يعيد صياغة الشفتين يتنفس كأنه يسحب الهواء المحيط بها كي تتشكل في فضاء صدره الوسيع .. ها هو مودلياني ..يحب بجنون ويرسم بجنون ويبكي على صدر من يحب ” . يتنقل الكتاب برشاقة في الزمن والأماكن ما بين قاهرة التسعينيات وبرلين الثمانينيات وبيروت الألفية الجديدة , وتتنقل اللغة ما بين اللغة الشعرية الحالمة واللغة شديدة الواقعية . نتوقف عند عدة محطات هامة تلقي الضوء على حال الفن التشكيلي في مصر في الفترة السابقة . يصف افتتاح المعرض العام في دورته الرابعة والعشرين عام 1995 فيقول : جاء المعرض على حسب توصيف الفنان الناقد عز الدين نجيب كأنه ” مباراة ثأرية تحفل بتصفية الحسابات مع الخصوم ” والخصوم هنا تعني كل من ليس ضمن اللوبي الذي يجثم على صدر الحركة التشكيلية , همش المعرض كبار الفنانين , واستخف برموز الحركة التشكيلية , فاتخذ من القاعة الصغيرة المجاورة لدورة المياه مكانا لعرض أعمال واحد من أهم الحفارين بمصر .. الفنان حسين الجبالي نقيب التشكيليين في ذلك الوقت ” وردا على هذا الحال المؤسف , قام الفنان بإصدار بيان من نقابة الفنانين التشكيليين بالدقهلية جاء فيه : إنه لمن دواعي الأسف حقا أن تصمد مصرنا الطيبة طوال سبعة آلاف سنة شامخة بفنونها التشكيلية , رائدة لكل الحضارات , ثم نكون نحن شاهدين على عصر انهيار هذا الشموخ .... لقد خرج علينا المركز القومي للفنون التشكيلية في ثوب ظاهره الرقي وباطنه التخلف والانحدار .... فخرج علينا بهلوسات لا علاقة لها على الإطلاق بمسميات التحديث ,فكيف تفسر الثرثرة اللونية باعتبارها تجارب تجريدية !!” وخلال رحلة الألوان يطير بنا إلى ألمانيا واصفا زيارته للملكة الأجمل ” نفرتيتي ” فيقف أمامها متأملا : ” ترى ...كيف لمن يمتلك كل هذا التاريخ أن يضيع في شوارع برلين , وأن تنام أمه الملكة واقفة في تابوتها الزجاجي سجينة المتحف المصري بصوفيا اشتراسا ... وطابور طويل من أبنائها يفرون من رحم الأرض التي أنجبتها . ونيلها الذي عمدها , وشمسها التي سوت طينها بشرا روى القمح بالعرق .. وظل لاهثا خلف رغيف !” وتستمر الرحلة في ذاكرة اللون , في تفاصيل شيقة يختلط فيها الحب بالفن بالفقد والأمل , مؤرخا لا لنفسه فقط بل لمرحلة في تاريخ الفن التشكيلي المصري تعرض فيها المبدعون للتهميش والإقصاء ... لكن طائر اللون يظل محلقا ..مشتعلا بالفن والحياة :- ” – الوقت صار متأخرا , أرجوك اقبلي اعتذاري. - جئنا ثلاثتنا من هانوفر والبورتريه سوف يكون ذكرى لهذه الليلة الرائعة ببرلين. قال وقد بدأ الخطوة الأولى في التراجع : - إذاً أرسم واحدة منكن فقط ... لم يكد ينطق بهذه الجملة حتى اخترقته صرخاتهن ممزوجة بالضحك ومعجونة بسحر اللقاء, كل واحدة منهن تقول : إذن أنا ... قال بهدوء وشيطان الفن أمام مخيلته – ثلاثتكن ولكن سوف أرسم بالطريقة التي أراها مناسبة . بدت الفرحة طائرا يرقص في عيونهن , وفتح النافذة أمام مخيلته .. وراح بجنون يرسم عيني الأولى , وأنف وفم الثانية , وشعر واستدارة وجه الثالثة .. هكذا رسم مرة واحدة ثلاثتهن في بورتريه واحد , وبهدوء مد لهن يده مبتسما : - أيتها الجميلات إنه بورتريه يجمع محبتكن وملامحكن , وحين تكونون في هانوفر .. فقط اذكروني .”