عزيزي المحامي صبحي صالح، أحزنني بشدة الاستماع لأحد تسجيلاتك المتوافرة على الإنترنت، وما أكثرها، تتحدث فيه عن زواج الشاب الإخواني من خارج الوسط الإخواني، ووصفت من يفعل هذا بلفظ مسيء لا أدري من أي قاموس أتيت به، وهو وصف “الفلوطة”. وبقدر ما أحزنني هذا الوصف، الذي ينم عن قدر كبير من الاستعلاء والسخرية، أحزنني أيضا الحفاوة بهذا التعبير بين العديد من أفراد الإخوان على موقع فيس بوك. وأهانني ثانيا أنك أتبعت هذا الوصف المسيء بنعتك لمن يصر على الزواج من غير إخوانية “متدينة وبنت ناس” ارتضاها لنفسه وأرادها قلبه بأنه “مش راجل”. وساءني ثالثا، يا متر، أنك استخدمت في تبرير هذا الوصف القبيح آية قرآنية هي قوله تعالى “أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير”، في نظرة دونية للغاية من جانبك للفتاة غير الإخوانية “التي هي أدنى” في مقابل نظيرتها الإخوانية “التي هي خير”. وكانت الطامة الكبرى أنك ألبست فكرة إخوانية، يختلف الإخوان أنفسهم بشأنها، لباس الدين عندما قلت “إحنا مش هنغير الدين”، وكأن الدين يحرم زواج الإخواني من غير الإخوانية. وبما أنك تحدثت بالقرآن فإنني أحيلك إلى ما أورده العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، في حديثه عن التعصب المذهبي في كتابه “دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين” الذي يشرح فيه الأصول العشرين لفهم الإسلام والتي وضعها الأستاذ حسن البنا. يقول الغزالي، رحمه الله، نقلا عن الشيخ عبد الجليل عيسى: “سئل متعصب حنفي: هل يجوز للحنفي أن يتزوج امرأة شافعية؟ فقال، فض الله فاه: “لا يجوز لأنها تشك في إيمانها”... يعني هذا الأحمق أن الشافعي يجيز للمؤمن أن يقول: “أنا مؤمن، إن شاء الله”، تبركا. فهذا الاستدراك أو الاستثناء بالمشيئة جعله شكا يخرج من الملة!! أرأيت هذه السفه؟ وجاء حنفي آخر فزاد الطين بلة وقال: يجوز الزواج بها قياسا على الكتابية!!!” (انتهى الاقتباس) عزيزي المتر أعرف، وتعرف أنت، عائلات غير إخوانية على قدر كبير من التدين والالتزام والإخلاص للإسلام والتفاني في العمل له. وهم يتشرفون بزواج بناتهم من إخوان “فلاليط”، لكنهم يسوؤهم بشدة هذه النظرة المستعلية على بناتهم، ووصفك لأزواج بناتهم بأنهم ليسوا رجالا. أيها المتر أعلم عنك أنك برلماني شجاع، ومحام شاطر، ومؤخرا وصفك البعض بأنك خبير دستوري بعد عضويتك في لجنة تعديل الدستور، وهذا كله جميل، فهي صفات تتعلق بتخصصك، لكني لم أعلم عنك على الإطلاق أنك صاحب نظريات في التربية وعلوم الاجتماع، إلا إذا كان حديثك هذا تدشينا لنظرية “الفلوطة” هذه. فإذا كان الأمر كذلك فإنني أدعو قسم التربية في الإخوان إلى تعميم هذه النظرية العبقرية لدراستها في الأسر والكتائب، ولننتظر عندئذ مفردات جديدة في الوسط الإخواني، كالفرق بين “الفلوط” و”الفلوطة”، ودراسات جديدة عن أعداد الفلاليط في صفوف الإخوان، وماذا تُسمى الأخت التي تتزوج من خارج الإخوان، هل تسمى أيضا فلوطة أم فلاطة؟ عزيزي المتر أصدقك القول، كلماتك هذه مهينة ومسيئة بقدر ما هي كارثية وخطيرة؛ فهي تؤسس ل”عنصرية إخوانية”، لا أستبعد إذا انتشرت أن نسمع قريبا مصطلحات من قبيل “نقاء العرق الإخواني” وتساؤلات عن مدى جواز تصعيد أبناء “الفلوطة” في الوسط الإخواني. سيدي المتر إن حديثك هذا لا يكرس سوى لمزيد من الانعزالية لجماعة الإخوان في وقت هي في أشد الحاجة فيه إلى الانفتاح على المجتمع. وأحب أن أخبرك أنني تزوجت من خارج وسط الإخوان، مثل مئات الإخوان غيري، وأنني سعيد في زواجي والحمد لله، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما اخترت غير زوجتي الرائعة. ولولا أني متيّم بأمي، رحمها الله، التي كانت وستظل تملأ علي كياني، لقلت إنني لم ولن أحب امرأة مثل زوجتي. وأعتقد أنك تعرف، باعتبارك مترا، أن هناك مئات آخرين تزوجوا أخوات ويعانون في حياتهم، وأن الأمر لا يتعلق كثيرا بكون الزوجة من الأخوات أم لا، بقدر ما يتعلق بأمور من بينها التوافق والتفاهم، وهو أمر يمكنك أن تسأل فيه المتخصصين. عزيزي المتر، قديما قالوا: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وأنا أنصحك مخلصا: لا تخض في غير فنك، فقد بدأت تأتي بالكوارث. خذ نفسا عميقا، وأسند ظهرك إلى الوراء، واسترخ... واصمت طويلا أرجوك، واستغفر ولا أرينّك حتى تُحدث توبة من هذه السقطة. يا دكتور محمد بديع، مرشد الإخوان، هل من سبيل لإسكات المتر والفقيه الدستوري العملاق صبحي صالح قبل أن يأتي بكارثة جديدة. ويا شباب الإخوان، أعملوا عقولكم في ما تسمعون حتى لو جاء من فقيه دستوري، وحتى لو كان في خطورة وعبقرية “نظرية الفلوطة”. ويا متر صبحي صالح أنا وكل الفلاليط في انتظار الاعتذار، وهو أدب لا يحسنه إلا الرجال. وأخيرا أؤكد لك يا سيدي أنني فخور جدا بكوني فلوطة. صحفي مصري